كيف يجلب الاسلام عزا لمن يجهله ذ.أحمد اللويزة

تداول رواد الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات تهم استجواب المارة عن أمور شرعية متعلقة بدينهم، وقد سلك معدو الفيديو أسلوب المقارنة لكشف التناقض الصريح بين اهتمامات أمة تنتمي إلى الإسلام.
فقد كان معد الفيديو يسأل أحدهم في البداية عن أسماء لاعبين، أو عن مثل شعبي فيكون الجواب على البديهة، لكن حين يسأل عن أسماء الصحابة أو عن حديث نبوي يحفظه المسؤول يحار جوابا، وأما من ادعى المعرفة وأجاب فإنه يجيب بطوام وفواقر، كمن جعل عمر المختار وأبو بكر الرازي من الصحابة وهذا على سبيل التمثيل.
أما ونحن نُدرِّس مادة التربية الإسلامية لما نسأل التلاميذ عن معلومة بديهية مسلمة كعدد سور القرآن مثلا، فما عليك إلا أن تتحلى بمزيد من الصبر حتى لا تصاب بداء السكر أو الأعصاب، حيث الأرقام لا حصر لها وبالكاد تجد واحدا أو اثنين من يعرف الجواب.
هذه الوقائع والأحداث وغيرها كثير، تكشف مدى الجهل بدين الإسلام الذي يعيشه المجتمع، نتيجة سياسة تجهيل متعمدة في مقابل التشجيع على ثقافة الانحلال والاستهتار، وثقافة الغناء والرقص واللعب.
إنه من العيب والعار أن تكون أمة تنتمي إلى دين تجهل منه ما هو معلوم بالضرورة، مما ينبغي أن يعلمه المرء وهو يخطو أولى خطواته نحو الرشد والتكليف، إن الجهل بالإسلام وتعاليمه وأحكامه بلغ مستوى لا يسر صديقا ولا عدوا، ولا يبشر بخير على المستوى القريب والبعيد، فماذا ستجد الأجيال القادمة عند آبائهم الذين هم جيل اليوم، لا سيما في الوقت الذي تحارب فيه جمعيات اختارت تعليم المسلمين دينهم، ويضيق على من اختار أن ينوب عن الدولة في ما أخفقت فيه رغم إمكانياتها ووسائلها.
غيرنا صار شغوفا بدين الإسلام يقرأ عنه وينمي ثقافته نحوه، وصار كثير منهم أعلم بالإسلام من كثير من المسلمين أنفسهم، أليس هذا قمة العار والخزي والفضيحة…؟!
بل نجد منا من يزهد في الاهتمام بالإسلام علما وعملا بزعم أن المغاربة مسلمين بالفطرة، وأنهم لا يحتاجون لمن يعلمهم أحكام الحلال والحرام، في الوقت الذي تصرف فيه الهمم للاهتمام بالمعارف الدنيوية وجعلها الغاية والهدف؛ حتى تجد من المسلمين من أصحاب الشهادات العليا والكفاءات المهنية ذوي جهل عميق ومركب بالدين وبأبسط تعاليمه وشرائعه.
وهناك وقائع لا حصر لها تدل على ذلك. فيصدق عليهم قول الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الْآخِرَة هُمْ غَافِلُونَ }، ورغم كل ذلك الاهتمام إلا أننا لم نستطع أن نبلغ الريادة في علم الدنيا بعد أن فرطنا في علم الآخرة فلم نظفر بشيء للأسف.
المسلمون رغم جهلهم بالإسلام يريدون منه أن يحقق لهم العزة والكرامة، ويفتخرون بانتمائهم لدين يجهلون أوليات أحكامه، ويعتبرونه دين الرفعة والسؤدد، فيريدون من الإسلام أن يعطيهم دون أن يعطوه، وأن يأخذوا منه دون أن يأخذ منهم، وأن يخدمهم دون أن يخدموه، ولعمر الله هذه معادلة باطلة عقلا وشرعا، فقد قال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} فنصر الله نصر دينه وهو شرط في تحقق نصر الله.
إن ثورة علمية شرعية تعيدنا إلى الدين تعلما وعملا وتحقيقا وتدقيقا هي الكفيلة بإخراج هذه الأمة من ظلمات الجهل والغباء والبلادة، وهي القمينة بفك أغلال الهوى والجحود، ورفع ستور الذل والهوان، وبغير هذا لن نستطيع فتح أبواب الازدهار وتسلق سلم الرقي، وإن بقينا عقودا أخرى نصدق وَهْم الانفتاح والانصهار، وتدغدغنا نغمات التنمية والرخاء، فلن يمكننا العدو من أخذ زمام المبادرة وهو الذي يبدل كل ما في الوسع من أجل صد المسلمين عن دينهم وعن تعلمه والتفقه فيه، مسخرا في ذلك طابوره من العلمانيين والمنافقين أدعياء الحداثة والتقدم الذين لم يأخذوا عن الغرب إلا تشجيع ثقافة العري والانحلال والتهتك، والمهرجانات الغنائية والبرامج التافهة، كل هذا لم يزدنا إلى دونية واحتقارا ومزيدا من التدخل في تفاصيل حياتنا من لدن الاحتلال القديم الجديد.
عودة إلى الاسلام والعلم الشرعي دون إغفال لعلم الدنيا هي السبيل الوحيد الأوحد لتحقيق عز الدنيا وكرامة الآخرة، فقد طال انتظارنا واشتد شوقنا لذلك اليوم الموعود ولكننا لم نسلك سبل التمكين فضيعنا الدنيا والآخرة، ولم نظفر بشيء مما يعدنا به المثبطون الجاثمون على القلوب والنفوس، فلعل الله يهيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *