لا يزال هذا الصراع يحتدم عاما بعد آخر؛ ولازال التيار العلماني إلى اليوم يستفيد من أحداث 16 ماي الأليمة؛ وهي أحداث مؤثرة كان لها ما بعدها.
فجراء هاته الأحداث زج بالآلاف في غياهب السجون؛ وتمت المصادقة على قانون الإرهاب؛ ومدونة الأسرة الجديدة؛ وأغلقت عشرات دور القرآن الكريم، وتم التضييق على الجمعيات الخيرية التي تنشط داخل التراب الوطني؛ وأطلق مشروع هيكلة الحقل الديني، فعزل إثره العديد من العلماء والخطباء والوعاظ الذين اتهموا بانتمائهم لبعض الجماعات الإسلامية؛ أو عدم انضباطهم وموافقتهم للمخططات الجديدة للوزارة؛ وضيق على الأئمة والمرشدين؛ وألزموا بتطبيق دليل الإمام دون اعتراض أو نقاش؛ وإلا كان مصيرهم الطرد والإبعاد.
وبالمقابل تغول العلمانيون تغولا لا مثيل له؛ فثبتوا أقدامهم في السلطة، وهاجموا كل الجماعات الإسلامية؛ بل هاجموا الشريعة والمنتسبين إليها؛ وطالبوا بحل حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية لأنه -وفق نظرهم- يتحمل المسؤولية المعنوية فيما وقع من أحداث دامية يوم 16 ماي 2003.
أما الجمعيات الحقوقية ذات المرجعية العلمانية فقد رفعت كثيرا سقف مطالبها؛ فطالبت بحرية اللواط والسحاق والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج؛ وحرية الإجهاض ومعاقرة الخمور؛ والردة والإفطار العلني في رمضان..؛ إلى غير ذلك من المطالب المماثلة.
وعلى المستوى الثقافي تعددت المهرجانات “المناضلة”؛ التي تكابد الصعاب بغية محاصرة التدين ومحاربة المد الإسلامي؛ وصرنا نسمع كل وقت وحين عن مهرجانات يستقطب لها رموز هز الأرداف والخواصر بمبالغ خيالية؛ في وقت تعاني فيه شرائح متعددة من وضعية مالية خانقة واجتماعية صعبة.
وكما كان متوقعا فقد دعم الإعلام المضلل هذا الطرح وسوق للمطالب العلمانية بقوة، وتطرفت بعض المنابر وهاجمت الدين والمتدينين بعدائية أشد مما هي عليه في بعض بلاد الغرب؛ فصارت منابرهم مختصة في إلقاء التهم ونشر الإشاعات الكاذبة.
ولازال إلى اليوم الصراع بين العلمانيين والإسلاميين محتدما؛ والنقاش مستعرا؛ حول العديد من القضايا الحساسة.