حرم المسلمون في بنجلاديش من ممارسة شعائرهم الدينية، في الوقت الذي تتطلع فيه حكومتهم العلمانية إلى جعل المجتمع علمانيا يتمتع فيه كل مواطن بحرية الفكر والرأي وحرية التدين.
لقد اتخذ النظام الحالي في بنجلاديش سياسة شاملة للعلمنة بهدف إبعاد النفوذ الإسلامي من المشهد السياسي والاجتماعي ولو كان على حساب الحرية الدينية الأساسية للمسلمين، وهذه السياسة أصبحت بشكل واضح معادية لـ”مبادئ الديمقراطية”، وسيادة القانون، وحرية التنقل، والتعددية السياسية، وحقوق الإنسان المعترف بها دوليا.
إبعاد التدين عن الساحة
في الآونة الأخيرة، تعرض “سابوج”، الطالب بالسنة الرابعة في جامعة راجشاهي، للضرب المبرح من منظمة طلاب بنجلاديش (BCL)، الجناح الطلابي لرابطة عوامي بنجلاديش، لأنه ذهب لأداء الصلاة، لم يكن ناشطا في أي من تلك المنظمات الطلابية المتنافسة، وكل جريمته أنه صلى لله تعالى.
وفي نفس الجامعة، منعت الطالبات في قسم علم الاجتماع من دخول الجامعة بسبب ارتداء الحجاب.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، كان هناك العديد من التقارير عن الموظفات اللاتي احتجزن، أو تعرضن للمضايقة، أو الطرد بسبب لبس الحجاب أو حمل الكتب الإسلامية، في بيروجبور وحدها، ثلاث فتيات يرتدين الحجاب احتجزن لأكثر من شهر، وتعرضن لمضايقات واستجواب من قبل الجهات المختصة بالرغم من عدم وجود أي مخالفات قانونية على الإطلاق، ولم يفرج عنهن إلا بتدخل من المحكمة العليا.
هذا غيض من فيض المظالم التي لا حصر لها للمتمسك بدينه وعقيدته في بلد تم تأسيسه وانفصاله عن الهند باسم الإسلام.
علمنة فريدة من نوعها
إن معظم كبار صانعي السياسة والوزراء اليوم هم من الشيوعيين إبان فترة النفوذ السوفيتي، ويحلمون بإعادة دستور عام 1972، لتطبيق النمط السوفيتي القديم: حكم الحزب الواحد، ومحو المعارضة، إسلامية كانت أم غيرها، هذا النمط من العلمانية في بنجلاديش يمكن أن نسميه “العلمانية المتطرفة”، أو “الفاشية الجديدة” لما فيها من رغبة شديدة متأصلة لاستئصال الخصوم من المجتمع.
علمانيون متطرفون
يقول الكاتب البنجالي الشهير أبو روسب في كتابه (نشأة العلمانية المتطرفة): “بدأ تطور العلمانية في بنجلاديش بحالة نفسية فريدة، وهي العداوة الشديدة للإسلام والرغبة المتأصلة لاستئصال جميع شعائره..
لقد تولوا نشر هذا النمط الفريد من العلمانية لا لأن الإسلام يفتقر إلى مصادر سياسية واجتماعية لإدارة نظام الدولة، بل لأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يملك السياسة الشرعية لإدارة نظام حديث بنظرية سياسية شاملة لجميع نواحي الإنسانية ويقودها إلى نموذج فريد يضمن المصالح العامة، ولهذا نجدهم لا يدعون الناس إلى نظريتهم السياسية، بل يكرسون كل جهودهم لمعاداة الإسلام وأتباعه الناشطين، في مقالاتهم وخطبهم ونشاطاتهم السياسية الأخرى، يصرفون معظم جهودهم للهجوم على الإسلام بدلا من عرض نموذجهم العلماني وفلسفته، لذا ينبغي أن يوصفوا بأنهم علمانيون متطرفون”.
في عالم ما بعد أحداث شتنبر 2001، حيث صارت معاداة الإسلام والنيل منه عملة رائجة للوصول إلى مباركة القوى المهيمنة وتأييدها، يرى أبو روسب أن هؤلاء العلمانيون المتطرفون لا يألون جهدا لمعاداة الإسلام ومهاجمة الأحزاب السياسية.
يهاجمون ما يطلقون عليه الأصولية الإسلامية، بينما هم سجناء أصولية بغيضة، وقد غرقت بنجلاديش في حالة من الذعر والخوف من هذه التركيبة الرهيبة من العلمانية الفريدة وأسلوبها للإبادة الجماعية.
في بنجلاديش كان الإسلام دائماً هدفا للانتقادات الموجهة من العلمانيين، غير أن الناس بشكل عام كانوا يتمتعون بحريتهم الدينية الأساسية، والآن يتم استهداف الإسلام والرموز والشخصيات الإسلامية باسم إنشاء “دولة علمانية” حسب خطة رابطة عوامي.
حين تولى هذا النظام الحكم أعربت الهند عن تطلعها لرؤية بنجلاديش دولة علمانية، فالنظام الحاكم في بنجلاديش يتكون من عدد من الأحزاب اليسارية المتشددة التي كثيرا ما تعرف باسم “العلمانية الفريدة”، كما أنه مما يحقق المصالح الأمنية للهند ألا تتحول بنجلاديش إلى “بؤرة طالبانية”.
عملية العلمنة الحالية التي تستهدف تقويض الحرية الدينية يمكن أن تعزى إلى “الأجندة” التي وضعها كل من “ساجيب وازد جوي”، ابن رئيسة الوزراء شيخة حسينة، وسي، وسيوفاكو (أمريكي أيد الرئيس بوش الابن في “الحرب على الإرهاب بلا هوادة”)، اللذان أعدا معا خريطة طريق للعلمانية في مقالتهما بعنوان: “إيقاف نهوض التطرف الإسلامي في بنجلاديش”، نشرت في “المجلة الدولية لجامعة هارفارد”، في نونبر 2008، وادعيا فيها أن العناصر الإسلامية داخل الجيش، ونظام التعليم الإسلامي (المدارس) تعتبر العائق الرئيس في تحقيق غاية “علمنة بنجلاديش”، ويعتقد أن هذه المقالة هي “المخطط الأزرق” للحكومة الحالية في “خطة علمنة بنجلاديش”.
دعت المقالة إلى علمنة المدارس الدينية، فضلا عن الجيش والإدارة برمتها، بالنسبة لهم، “المدارس العلمانية المجردة من التعاليم الدينية ستكون رادعًا دون “احتكار التعليم” الذي تتمتع به المدارس حاليا” زاعمة أن “تحفيظ القرآن بدون معرفة المعاني بالاعتماد على التمويل السعودي والكويتي يأتي بنتائج عكسية على الأمة”.
وتضع المقالة خريطة طريق واضحة المعالم لتدخل الدولة لتنحية الإسلام وشعائره من المشهدين السياسي والاجتماعي.
وتتخذ عملية العلمنة في بنجلاديش مسارات متعددة، يمكن أن تتبلور في أمرين:
إقصاء الإسلام والشعائر الإسلامية من المشهد السياسي.
الاستيلاء الكامل على أرضية الإسلام لصالح (رابطة عوامي).
من مقال لـ “محمد سليم منسيري”
بتصرف