خطأ في تعريف العَلمانية خالد اشعيب

فصل الدين عن السياسة هو شرح لمفهوم “العَلمانية”، أو هو معنى آخر لها، عكس من يرى أنها نظرية علمية لفهم الواقع وتحديات العصر، وهذا ما سنوضحه انطلاقا من المعاجم الغربية والسياسية، باعتبار أن هذا المفهوم نشأ في حضن الأمة الغربية، فمن باب الأمانة رد المفاهيم إلى ذويها.
جاء في الموسوعة السياسية: “العلمانية مفهوم سياسي واجتماعي…نادى بفصل الدين عن الدولة”( ).
فهي مفهوم سياسي؛ لأنه ينبني أساسا على فصل الدين عن الدولة، ويدعو إلى بناء دولة لا دينية، لا يكون للدين فيها مقال ولا مقام، ولا تقف عند حدود ذلك بل تعتبر إدراج الدين في السياسة من الجرائم التي قد يعاقب عليها القانون. وهي مفهوم اجتماعي؛ لأنه يسعى إلى بناء إنسان دنيوي بامتياز، لا تؤثر فيه مؤثرات الدين لا العقدية ولا العبادية ولا الإيمانية، إنسان يهدف إلى تحقيق متطلباته الدنيوية بأي وجه كان.
فلا ذكر إذا لقيم الدين، من الفضيلة والزهد والتقوى، ولعل من الذين دعوا لهذه القطيعة التامة، الفيلسوف “ماكيافيلي”، صاحب النظرة التشاؤمية للإنسان، فلقد “رأى مكيافيلي أن الإنسان واحد في كل زمان ومكان، وأنه تأثر في الماضي، ويتأثر في الحاضر، وسوف يتأثر في المستقبل، بنفس البواعث والدوافع، وأنه بطبيعته أناني حقود خداع لا تستثيره إلا منافعه، ولا تحركه إلا مصالحه”( ).
فهذه الصورة المقيتة عن الإنسان تدفعه إلى عدم الاعتراف بقيم الدين التي هي نقيض ذلك، كما أن الأخلاق حسب النظرة المكيافيلية، لا دخل لها في السياسة بل هي سبب من أسباب “تدهور العمل السياسي وفرض معاييرها”( ).
إن الحديث عن القيم والأخلاق حديث عن مجال استمدادها واكتسابها، وهو المجال الديني الذي يشمل أيضا المجال الأخروي، مكان الجزاء المترتب عن العمل.
إن هذه السياسة المكيافيلية تهدف بالأساس إلى صرف الاهتمام عن الآخرة والانكباب على الدنيا بحذافيرها، فيكون الناس -بهذا السلخ الكامل للأخلاق عن الدين- كالذئاب يأكل بعضهم بعضا، فلو تعارضت مصالحهم، سيسعى كل واحد للوصول إلى غايته بأي وسيلة كانت، فالغاية عنده تبرر الوسيلة.
فالعلمانية بهذا المعنى هي: “حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا”( ).
بناء على ما ذًكر فإن ربط العلمانية بكلمة العِلم كمادة الاشتقاق غير سليم من الناحية اللغوية. فالعِلم بالإنجليزية والفرنسية معناه Science، والمذهب العلمي نطلق عليهScientism ، والنسبة إلى العلم هي:Scientific أو Scientifique في الفرنسية. ثم إن زيادة الألف والنون غير قياسية في اللغة العربية أي الاسم المنسوب وإنما جاءت سماعا ثم كثرت في كلام المتأخرين كقولهم: روحاني ونوراني”( ).
الواقع إذا أن الإشكالية ليست في سعي العلمانية لفهم الواقع كمنهج علمي موضوعي، بل في اعتبارها مذهبا يسعى إلى إثبات نفسه دون اعتبار الواقع نفسه؛ أي دون مراعاة واقع المجتمع ومبادئه وثوابته، الذي يتشكل من بنية مجتمعية متدينة لا تقبل بالأطروحات الغربية التي كانت لها مسوغاتها التاريخية، فهي جاءت وفق ظروف وملابسات خاصة ومختلفة. وبالتالي فإن نسخها على واقع مختلف تماما يعد نوعا من الديكتاتورية الممارسة على ذلك المجتمع.
إذا تقرر ما ذكرناه، يمكن القول أن هذا الدين الحنيف جاء لتحقيق مصالح الناس بما تستقيم به دنياهم وفق المطلوب شرعا؛ وفق أحكام الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، سواء كانت هذه الأحكام قطعية نص عليها الشارع الحكيم، أو ظنية من طريق الاجتهاد، تجري مجرى الأصل ولا تخرج عنه.
ومن هذه الأمور ما يتعلق بالسياسة فقد وردت فيها أمور قطعية وأخرى اجتهادية ظنية، وبناء على هذا فإن الذين اجتهدوا في السياسة كان هدفهم التمييز بين سياستين: سياسة ظالمة لا تدخل في الشرع، وأخرى عادلة يصطلح عليها بالسياسة الشرعية.
ولهذا نجد كثيرا من التعاريف تستحضر هذا التقسيم، يقول ابن القيم رحمه الله: “السياسة نوعان:
سياسة ظالمة، فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر، فهي من الشريعة علمها من علمها وجهلها من جهلها”( ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *