الدعارة… هل هي فعلا مشكل لا حل له أحمد اللويزة

الدعارة ظاهرة محيرة مقلقة غريب أمرها؛ كيف أنها -ورغم كونها من أقبح الظواهر الاجتماعية- لا زالت صامدة عبر التاريخ حتى أنهم يسمونها “أقدم مهنة في التاريخ”.
قبحها وبشاعتها وفضاعتها… لا يجادل فيها إلا متعوس منكوس الفطرة، فاسد الذوق، مختل العقل، ممن انتحل التعلمن وادعى الحداثة، وزعم أنه ينافح عن حقوق بني آدم، ومن حقوقه عنده حقه في انتهاك عرضه وبيع شرفه والمتاجرة بجسده، وهذا لعمر الله قمة الذل والهوان والاحتقار والامتهان لكرامة البشر؛ أن يكون جسده سلعة في المزاد ويفوز به من يدفع أكثر، ويظفر به ذئب بشري على دفع الدرهم، وبذل الوهم أقدر.
كثرت الكتابات والتحليلات والتعليقات والاستراتيجيات والإجراءات المتعلقة بالظاهرة، تارة لتقنينها، وتارة للحد منها؛ وتارة لمحاربتها وفي كل تارة تستفحل عوضا عن أن تُنتشل، وتتضاعف عوضا عن أن تتناقص، فعالَم الدعارة باب مشرع الأبواب كل يوم يلجه أعداد مهولة، ويلتحق بهذه (المهنة) جحافل من النساء من مختلف الأعمار ويلتحق به أعداد من الزبناء، مما يعني تعدد المشاكل وتنوعها، مشاكل لا يكتوي بنارها إلا المواطنون الذين يعيشون واقعا مرا أليما يفقدون فيه كرامتهم وشرفهم من خلال ضياع فلذات أكبادهم من الذكور والإناث، والشعور بالمرارة عند من لا زال يتمتع بقدر من الغيرة والرجولة والمروءة، وإلا فإن سنوات الإعلام المضلل، وأفلامه المنحلة استطاعت أن تطبع الناس مع هذه الفاحشة المقيتة ومع محترفيها.
فترى من أقبح ما ترى أن تكون المومسات أشد توقيرا في الحي، بين المهنيين وشباب الحومة… وعن مشاهدة ومعاينة أتحدث، بل تتجول فتيات لا تخطؤهن العين بكل حرية وحيوية يوزعن أرقام الهواتف على أصحاب السيارات والمارة، ثم يركبن في السيارة صاحبة الموعد، دون خجل ولا وجل ولا استنكار من أحد، إلا أن تتحرق القلوب أسفا وحسرة على مثل هذه المشاهد المؤلمة المقرفة التي صارت واقعا مألوفا وغير مستغرب عند الكثير لكثرته وفشوه.
أن يستمر الوضع بهذا الشكل الذي يزداد سوء يوما عن يوم مع ارتفاع معدل النمو الديمغرافي، ومع غلبة نسبة النساء على الرجال، ومع انعدام فرص الشغل، ومع التسيب الأخلاقي الذي يعيشه المجتمع، ومع انعدام الوازع الديني وضعفه في أحسن الأحوال…، فسحابة قاتمة تظهر في الأفق رغم كل الحديث المتكرر عن حقوق المرأة ومحاربة الاتجار بالبشر ومنظمات الأمم المتحدة وإنفاق الأموال الطائلة، لا سيما والحلول المشبوهة التي تتبناها منظمات علمانية ليس هدفها القضاء على الدعارة وإنما احتواؤها وتقنينها حتى تصير مهنة معترفا بها وسلوكا مجتمعيا مرضيا عنه.
وبطبيعة الحال لا يكون هذا إلا منطق من فقد حسه الإنساني وصار فردا في كتيبة الشيطان الذي قال عنه ربنا عز وجل “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء” وكم هو ملفت للنظر قولهم أن الفقر هو السبب الرئيسي للدعارة، ومن تم لا يمكن القضاء على الفقر وبالتالي ننظم المهنة حتى تصبح وظيفة رسمية، طبعا لا تتطلب أي مؤهل علمي إلا مؤهل المذلة والوضاعة التي يرضاها من يرضى بهذا المسلك في الحياة، فقديما كانت تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها.
في كل التقارير الدولية نكون متهمين بالتهاون في محاربة الاتجار بالبشر، وعدم الجدية في منع توسع مد الدعارة العاصف، وصرنا قبلة لكل مأفون خبيث، ومن لم يأت إلينا صدرنا إليه بناتنا تحت ذرائع الفن والحلاقة والرعاية الاجتماعية… مما يثير ألف سؤال…
هل عجزنا عن محاربة الظاهرة؟ وهذا مستبعد.
أم أن هناك من يغض الطرف ويريد إغراق المجتمع في هذا المستنقع حتى لا تقوم للأمة قائمة.
هل تكفي المقاربات الأمنية الانتقائية أو الإسكاتية إن صح التعبير، وذلك ذرا للرماد في العيون؟
لماذا تتكاثر شبكات الدعارة كالفطر، وتتسع رقعتها لتشمل المتعلمات والأميات، والصغيرات والكبيرات والمتزوجات والمطلقات…؟
ألهذا الحد انتهكت كرامة الوطن حتى تطاول لسان أرعن دعي ليصف المغرب بالعاهرة غير المرغوب فيها حتى، إمعانا في الإهانة والإذلال.
بطبيعة الحال هناك أكثر من حل إن صدقت النوايا، وحمل المسؤولية أناس ذووا ضمير حي، لهم غيرة على الشرف والعرض، وليسوا من أولئك الذين يريدون أن يرفعوا خسيسة الوطن ويملؤوا خزينته بدراهم ودولارات ملطخة بدماء أعراض بناتنا ونسائنا، فلم يعد الأمر مقبولا ولا مستساغا وهذه الدعارة اتسعت اتساع رقعة الوطن.
فلتعد للشعب كرامته، وللبلد حرمته، وللدين هيبته، وللأخلاق مكانتها، وليفشو الحديث عن العفة والكرامة حتى ترجع النفوس عن غييها، وحتى تصون النساء كرامتهن ويذود الرجال عن أعراضهم، لعلنا نغسل عن وجوهنا عار الفضيحة التي صارت تلازمنا ملازمة الظل.
فعوضا عن تجميع البغايا ليحدثن عن العفة والشرف والقناعة باعتبار أن دعارة الكثيرات اليوم لم تعد مرتبطة بالفقر بقدر ما هي مرتبطة بالبحث عن الرفاهية ورغد العيش، يجمعونهن لتقديم دروس في الوقاية من المرض وكيفية التعامل مع الزبائن!
فأي إسفاف هذا وأي وقاحة وصل إليها حالنا الذي لا يسر عدوا ولا صديقا.
لا نريد حملات توهيمية سطحية تترك أصل الداء وتعالج بعض أعراضه. فأماكن الخنا والعهر معلومة سواء في الدهاليز أو الفضاءات العامة أيضا، وممتهناتها معلومات، وسبل التغرير بالفتيات مكشوفة مفضوحة، وطرق التهريب لا تخفى، فلله در من قال:
ما أكثر العاهرات عندما تعدهن … وهن عند الاعتقال قليل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *