كاتبوا بالدموع فجاءهم ألطف جواب، اجتمعت أحزان السر على القلب فأوقد حوله الأسف وكان الدمع صاحب الخبر فنم.
كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره، كيف يلهو من يقوده عمره إلى أجله، وحياته على موته.
إخواني: الدنيا في إدبار، وأهلها منها في استكثار، والزارع فيها غير التقى لا يحصد إلا الندم.
ويحك! أنت في القب محصور إلى أن ينفخ في الصور، ثم راكب أو مجرور، حزين أو مسرور، مطلق أو مأسور، فما هذا اللهو والغرور!
بأي عين تراني يا من بارزني وعصاني، بأي وجه تلقاني، يا من نسي عظمة شأني، خاب المحجوبون عني، وهلك المبعدون مني.
يا هذا زاحم باجتهادك المتقين، وسر في سرب أهل اليقين، هل القوم إلا رجال طرقوا باب التوفيق ففتح لهم، وما نياس لك من ذلك.
ألا رُب فرح بما يؤتى قد خرج اسمه مع الموتى، ألا رُب معرض عن سبيل رشده، قد آن أوان شق لحده، ألا رُب ساع في جمع حطامه، قد دنا تشتيت عظامه، ألا رُب مُجد في تحصيل لذاته، قد آن خراب ذاته.
يا مضيعاً اليوم تضييعه أمس، تيقظ ويحك فقد قتلت النفس، وتنبه للسعود فإلى كم نحس، وأحفظ بقية العمر، فقد بعت الماضي بالبخس.
عينك مطلقة في الحرام، ولسانك منبسط في الآثام، ولأقدامك على الذنوب إقدام، والكل مثبت في الديوان.
كانوا يتقون الشرك والمعاصي، ويجتمعون على الأمر بالخير ويحذرون يوم الأخذ بالأقدام والنواصي، فاجتهد في لحاقهم أيها العاصي، قبل أن تبغتك المنون.
قيل لبعض العباد: إلى كم تتعب نفسك؟ قال: راحَتها أريد.
القواطع محنٌ يتبين بها الصادق من الكاذب؛ فإذا خضتها انقلبت أعواناً لك، توصلك إلى المقصود.
الدنيا كامرأة بغيٍّ لا تثبت مع زوج، وإنما تخطب الأزواج؛ ليستحسنوا عليها؛ فلا ترضَ بالدياثة.
من أعجب الأشياء أن تعرفه، ثم لا تحبه، وأن تسمع داعِيَهُ ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره و مناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه، والإنابة إليه.
درر وفوائد
وأما كيف يحصل اليقين فبثلاثة أشياء: أحدها: تدبر القرآن، والثاني: تدبر الآيات التي يحدثها الله في الأنفس والآيات التي تبين أنه حق، الثالث: العمل بموجب العلم.
مجموع الفتاوي 3/330
أحمد إنما اشتهر أنه إمام أهل السنة، والصابر على المحنة، لما ظهرت محن (الجهمية) الذين ينفون صفات الله تعالى، ويقولون إن الله لا يرى في الآخرة، وأن القرآن ليس هو كلام الله تعالى، بل هو مخلوق من المخلوقات …. وأضلوا بعض ولاة الأمر، فامتحنوا الناس بالرغبة والرهبة، فمن الناس من أجابهم رغبة ومن الناس من أجابهم رهبة، ومنهم من اختفى فلم يظهر لهم، وصار من لم يجبهم قطعوا رزقه وعزلوه عن ولايته، والمحنة مشهورة معروفة، كانت في إمارة المأمون، والمعتصم، والواثق، ثم رفعها المتوكل، فثبت الإمام أحمد، فلم يوافقهم على تعطيل صفات الله تعالى، وناظرهم في العلم فقطعهـم، وعذبـوه فصبر على عذابهم، فجعله الله من الأئمة الذين يهـدون بأمـره، كما قال تعالى: (وجعلناهم أئمة يهـدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)، فمـن أعطي الصبر واليقين: جعـله الله إماماً في الدين.
مجموع الفتاوي 6/215
قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) اتفق العلماء على صحته وتلقيه بالقبول، وبه صدر البخاري كتابه (الصحيح) وأقامه مقام الخطبة له، إشارة منه إلى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل، لا ثمرة له في الدنيا ولا في الآخرة.
جامع العلوم والحكم 20
وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة والحج، وغيرهما من الأعمال الظاهرة، أو التي تعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز.
جامع العلوم والحكم 37
إن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت… وفي الجملة: فالخواتيم ميراث السوابق.
جامع العلوم والحكم 115
قوله صلى الله عليه وسلم: (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه) في هذا إشارة إلى أنه ينبغي التباعد عن المحرمات، وأن يجعل الإنسان بينه وبينها حاجزاً.
جامع العلوم والحكم 142