وصف أحمد بن إسماعيل خطاً حسناً فقال: “لو كان نباتاً لكان زهراً؛ ولو كان معدناً لكان تبراً؛ أو مذاقاً لكان حلواً؛ أو شراباً لكان صفواً”.
قال بشر بن المعتمر: القلب معدن، والعقل جوهر، واللسان مستنبط، والقلم صانع، والخطّ صنعة.
قيل لبعض التّابعين: كيف أصبحت؟ قال: في أجلٍ منقوص، وعملٍ محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من ورائنا، ولا ندري ما يفعل الله بنا.
قال الحسن بن آدم: صاحب الدّنيا ببدنك وفارقها بقلبك، فخذ ممّا في يديك لما بين يديك، فعند الموت يأتيك الخبر.
قيل لزاهد: كيف ترى الدهر؟ قال: يخلق الأبدان، ويحدث الأحزان، ويباعد الأمنية، ويقرّب المنيّة.
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يدعو ويقول: اللهمّ إنّ ذنوبي تخّوفني منك، وجودك يبشرني عنك، فأخرجني بالخوف من الخطايا، وأوصلني بجودك إلى العطايا، حتى أكون غدا في القيامة عتيق كرمك، كما أنا في الدّنيا ربيب نعمك.
كتب زاهدٌ إلى آخر: أمّا بعد فإنّك في دار تمهيد، وأمامك منزلان لا بدّ لك من سكنى أحدهما، ولم يأتك أمانٌ فتطمئنّ إليه، ولا براءةٌ فتقصّر، والسلام.
قال الشّعبيّ: تعايش الناس زماناً بالدّين حتى ذهب الدّين، وتعايشوا بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثمّ تعايشوا بالحياء حتى ذهب الحياء، ثمّ تعايشوا بالرّغبة والرهبة، وسيتعايشون بالجهالة زماناً طويلاً.
قال أحمد بن أبي الحواريّ: بلغني عن رباح القيسي أنّه كان له غلامٌ أسود لا ينام الليل، فقال له: لم لا تنام يا غلام؟ قال: إنّي إذا ذكرت الجنّة اشتدّ شوقي، وإذا ذكرت النار اشتدّ خوفي، وإذا ذكرت الموت طار النعاس عنّي يا مولاي، فمن كانت هذه حالته كيف يهنيه العيش في الدّنيا؟ فبكى رباح وقال: يا غلام، حقيقٌ على من كانت له هذه المعرفة أن لا يستعبد، اذهب فأنت حرٌّ، فبكى الغلام فقال: ما يبكيك؟ قال: يا مولاي، هذا العتق الأصغر فمن لي بالعتق الأكبر؟!
قال أعرابيٌّ: ليثٌ إذا عدا، وغيثٌ إذا غدا، وبدرٌ إذا بدا، ونجمٌ إذا هدى، وسمٌّ إذا أردى.
وقال أعرابيّ آخر: العجز مقرونٌ به الشقاء، والحزم موكّلٌ به النّجاء؛ ثمرة الحزم السلامة، وثمرة العجز الندامة.
قال الأحنف: الصّمت لا يعدو فضله صاحبه، والكلام ينتفع به من يسمعه، ويرجع إليه فضله.
قال ابن الكوّاء للرّبيع بن خثيم: ما نراك تذمّ أحداً، قال: ويلك يا ابن الكوّاء ما أنا عن نفسي براضٍ فأتحوّل عن ذمّي إلى ذمّ الناس؟! إنّ الناس خافوا الله تعالى على ذنوب العباد وأمنوه على ذنوبهم.
وقال الرّبيع: ذروا ما قد علمتم وكِلوا ما قد جهلتم إلى عالم الخير، فما كلّ الذي نزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم علمناه، ولا بالذي علمنا عملنا، وما نتّبع الخير حقّ اتّباعه، وما نتّقي الشّر حقّ تقاته، وما خيارنا اليوم بخيار، ولكنّهم خيرٌ ممّن هو شرٌّ منهم.
تسلية وترويح
نصيحة بهلول للرشيد
قال بهلول: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما رجل آتاه الله مالا وجمالا وسلطانا فأنفق في ماله؛ وعف في جماله؛ وعدل في سلطانه؛ كتب في خالص ديوان الله من الأبرار. قال: أحسنت يا بهلول، وأمر له بجائزة سَنيَّة، فقال: يا أمير المؤمنين؛ ردها على من أخذتها منه؛ فلا حاجة لي بها. فقال: يا بهلول؛ إن كان عليك دين قضيناه. قال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء أهل الرأي بالكوفة أجمعوا على أن قضاء الدين بالدين لا يجوز. قال: فنجري عليك ما يكفيك؛ فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا أمير المؤمنين؛ أنا وأنت في عيال الله، ومحال أن يذكرك وينساني؛ فأرسل الرشيد السجف وسار.
وقيل: إن بهلولا كان يستعمل الجنون سترا على نفسه.
فراسة المهدي
لما فرغ المهدي من قصره بعيساباذ ركب في جماعة للنظر إليه، فدخله مفاجأة، وأخرج كل من هناك من الناس، وبقي رجلان خفيا عن أبصار الأعوان؛ فرأى المهدي أحدهما وهو دهش لا يعقل. فقال: من أنت؟ قال: أنا أنا أنا أنا. فقال: من أنت؟ ويلك! قال: لا أدري لا أدري لا أدري لا أدري. قال: ألك حاجة؟ قال: لا لا لا لا. قال: أخرجوه، أخرج الله روحه. فلما خرج قال المهدي لغلامه: اتبعه إلى منزله، وسل عنه، فإني أراه حائكا، فخرج الغلام يقفوه. ثم رأى الآخر فاستنطقه فأجابه بقلب جريء، ولسان طلق؛ وقال: رجل من أبناء دعوتك. قال: فما جاء بك إلى هنا؟ قال: جئت لأنظر إلى هذا البناء، وأتمتع بالنظر إليه، وأكثر الدعاء لأمير المؤمنين بطول البقاء، وتمام النعمة، ونماء العز والسلامة. قال: أفلك حاجة؟ قال: نعم! خطبت ابنة عمي فردني أبوها وقال لي: لا مال لك، والناس إنما يرغبون في الأموال، وأنا لها وامق، وإليها تائق. قال: قد أمرت لك بخمسين ألفا. قال: يا أمير المؤمنين؛ قد وصلت فأجزلت الصلة، وأعظمت المنة؛ فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه، وآخر أيامك خيرا من أولها، وأمتعك بما أنعم به عليك، وأمتع رعيتك بك.
فأمر بتعجيل صلته، ووجه بعض خدمه فقال: سل عن مهنته، فإني أراه كاتبا، فرجع الرسولان بصحة ما تفرسه المهدي.