درر وفوائد

وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَوْعَيْنِ: مُقَرَّبُونَ وَأَصْحَابُ يَمِينٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَمَلَ الْقِسْمَيْنِ فِي حَدِيثِ الْأَوْلِيَاءِ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بَهَا وَلَئِنْ سَأَلَنِي عَبْدِي أَعْطَيْتُهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ).
فَالْأَبْرَارُ أَصْحَابُ الْيَمِينِ هُمْ الْمُتَقَرِّبُونَ إلَيْهِ بِالْفَرَائِضِ يَفْعَلُونَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَيَتْرُكُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُكَلِّفُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْمَنْدُوبَاتِ، وَلَا الْكَفِّ عَنْ فُضُولِ الْمُبَاحَاتِ.
وَأَمَّا السَّابِقُونَ الْمُقَرَّبُونَ فَتَقَرَّبُوا إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ، فَفَعَلُوا الْوَاجِبَاتِ والمستحبات وَتَرَكُوا الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، فَلَمَّا تَقَرَّبُوا إلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَحْبُوبَاتِهِمْ أَحَبَّهُمْ الرَّبُّ حُبًّا تَامّاً.
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 23
وَقَالَ تَعَالَى (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ: مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وقتادة وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ (الْحِكْمَةُ): هِيَ السُّنَّةُ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ أَزْوَاجَ نَبِيِّهِ أَنْ يَذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِهِنَّ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، وَالْكِتَابُ: الْقُرْآنُ وَمَا سِـوَى ذَلِكَ مِمَّا كَانَ الرَّسُولُ يَتْلُوهُ هُوَ السُّنَّةُ.
مجموع الفتاوى لابن تيمية 6
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ الْكُفَّارِ (كَلَّا إنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)، (ثُمَّ إنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ)، فَعَذَابُ الْحِجَابِ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ، وَلَذَّةُ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ أَعْلَى اللَّذَّاتِ.
مجموع الفتاوى لابن تيمية 27
أَعْظَمُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ قَدْرًا وَحُرْمَةً عِنْدَ الْخَلْقِ: إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِمْ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ، فَإِنْ أَحْسَنْتَ إلَيْهِمْ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمْ: كُنْتَ أَعْظَمَ مَا يَكُونُ عِنْدَهُمْ، وَمَتَى احْتَجْتَ إلَيْهِمْ -وَلَوْ فِي شَرْبَةِ مَاءٍ- نَقَصَ قَدْرُكَ عِندَهُمْ بِقَدْرِ حَاجَتِكَ إلَيْهِمْ، وَهَذَا مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَلَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ.
مجموع الفتاوى لابن تيمية 39
وَإِذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَل هُمُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ، فَبِحَسَبِ إِيمَانِ الْعَبْدِ وَتَقْوَاهُ تَكُونُ وِلاَيَتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ كَانَ أَكْمَل إِيمَانًا وَتَقْوَى، كَانَ أَكْمَل وِلاَيَةً لِلَّهِ، فَالنَّاسُ مُتَفَاضِلُونَ فِي وِلاَيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل بِحَسَبِ تَفَاضُلِهِمْ فِي الإْيمَانِ وَالتَّقْوَى.
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 19
حكم ومواعظ
قال رسول الله: (لا يزال قلب الكبير شابّاً في اثنتين: في حبّ الدّنيا وطول الأمل). رواه مسلم
وقال الحسن: ما أطال عبدٌ الأمل إلا أساء العمل.
وقال الفضيل: إن من الشقاء طول الأمل، وإن من النعيم قصر الأمل.
وقال بعض الحكماء: الجاهل يعتمد على الأمل، والعاقل يعتمد على العمل.
وقال ابن القيم: مفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل.
وقال الحسن: إياك والتسويف؛ فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن غداً لك فكن في غد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم .
قال الغزالي: إن التسويف يسبب أربعة أشياء:
1- ترك الطاعة والكسل فيها.
2- وترك التوبة وتأخيرها.
3- والحرص على الدنيا والاشتغال بها.
4- وقسوة القلب ونسيان الآخرة.
وقال: إذا طولت أملك قلت طاعتك.
وقال بعضهم: الأمل كالسراب غر من رآه وخاب من رجاه.
وقال ابن القيم: وإضاعة الوقت من طول الأمل.
وقال يحيى بن معاذ: الأمل قاطع عن كل خير، والطمع مانع من كل حق.
وقال ابن مسعود: لا يطولنّ عليكم الأمد ولا يلهينّكم الأمل فإنّ كلّ ما هو آت قريب.
وقال معروف الكرخي: نعوذُ بالله من طولِ الأمل، فإنَّه يمنع خيرَ العمل.
قال ابن بطال: الخير ينبغي أن يبادَر به؛ فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت لا يؤمَن.
وكتب ابن أدهم إلى سفيان: من أطلق بصره طال أسفه، ومن أطلق أمله ساء عمله.
وقال القرطبي: (ويُلهِهِمُ الأَمل) أي: يشغلهم عن الطاعة.
قال علي رضي الله عنه: إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنتين: طول الأمل واتباع الهوى؛ فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق.
ومن أقوال ابن الجوزي: الأمل مذموم إلا للعلماء فلولاه ما صنفوا.
وإني رأيت خلقاً كثيراً غرهم الشباب ونسوا فقد الأقران، وألهاهم طول الأمل.
ومن الاغترار طول الأمل، وما من آفة أعظم منه، فإنه لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلاً.
ويجب على من لا يدري متى يباغته الموت أن يكون مستعداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *