«الأحداث» مصرة على المضي في عنادها
يبدو أن الرسام الكاريكاتيري العربي الصبان وأولياء أمره في جريدة «الأحداث المغربية» مصرون على الاستمرار في لعبتهم الخبيثة، في التنقيص والاستهزاء بعلماء الأمة وسادتها؛ من خلال إيصال رسائل مشفرة، يقصد منها أن التمسك بأحكام الدين على عهد السلف الأول هو السبب في التخلف الذي تعيشه الأمة الإسلامية.
ورغم أن الرسم الذي أثار ضجة على الرسام والجريدة ومن يديرها مؤخرا وتم التنقص فيه من إمامي أهل الحديث البخاري ومسلم؛ فإن الرسام العربي الصبان، أعاد نفس الرسم في عدد (الثلاثاء 10 يونيو 2014؛ ع:5305) غير أنه غير الحوار الدائر بين رجل ملتح يضع عمامة ويحمل كتاب صحيح البخاري ويقصد به الإمام البخاري، ورسم رجل آخر بدوره ملتح ويضع عمامة يحمل كتاب صحيح مسلم ويقصد به الإمام مسلم؛
وعلق على «رسم البخاري»: يا أبا مسلم.. المسلمون ساهموا في تقديم حضارة عظيمة للعالم.. ترى كيف حال أحفادنا اليوم؟
فجاء الرد في «رسم مسلم»: جمدوا عقولهم.. وأسدلوا لحاهم.. وقدسوا جهلهم.. وشحذوا ألسنتهم للتحريض على الإرهاب وسبّ وشتم كل من خالفهم الرأي أو دعاهم لإعمال العقل.
انتصار للأيديولوجيا وطعن جديد في شعائر دينية
هذا هو الحوار الذي كتبه الصبان مرفقا مع الرسم، وهو بذلك يظن أنه يرد على من هاجمه في رسمه الأول، وفي نفس الوقت يلطف العبارة ويعترف مكرها أن المسلمين أسهموا في تقديم حضارة، إلا أن الخلفية الأيديولوجية غالبته وخرجت من بين كلمات تعليق مسلم، فوقع من جديد في مجموعة أخطاء منها:
– صاحب صحيح مسلم؛ اسمه مسلم بن الحجاج وكنيته أبو الحسين، وليس أبو مسلم!! وهذا يحيلنا إلى التنكيت والاستهزاء بالكنية التي هي من سنة الحبيب أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.
– القول بأن المسلمين قدموا حضارة عظيمة للعالم؛ اعتراف مردود لأن الإسلام الذي أوصل المسلمين الأول لتلك الحضارة، هو الإسلام الذي تعلن الأحداث الحرب ضده وضد من يطالب بالحفاظ عليه غضا طريا..
– قوله (البخاري): كيف حال أحفادنا؟ وقول (مسلم): أسدلوا لحاهم؛ حصر حفدة البخاري ومسلم فيمن استن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في إعفائها، ويكفي هذا ردا على الرسام؛ لأنه من حيث أراد ذم طائفة من المسلمين متمسكة بأحكام الدين كما كان عليه سلفها الأول؛ اعترف لهم بأنهم هم الأحفاد، وأما غيرهم وأمثاله، فهم أحفاد فلاسفة الغرب والشرق ممن ليس لهم نصيب من وحي الكتاب والسنة.
– «جمدوا عقولهم»: إن كان في التقدم العلمي والتطور والتكنولوجيا، فاللهم إن هذا باطل من القول؛ فالأمة غنية بالطاقات والكفاءات والعقول والأدمغة، لكن من يمنعهم من الصدارة، وحيازة التقدم والمراتب الأولى؟
فنحن نرى ونتابع كيف تهمش مثل هاته الطاقات والكفاءات؛ والطريقة التي يتم إقصاؤهم بها، حتى لا تقوم لنا قائمة ونبقى مستهلكين وسوقاً خصبة للدول الإمبريالية الغربية.
وأي إعلام لا يسوق لمثل هؤلاء؛ ويصر على أن يواريهم في الظلمة والعتمة، وفي مقابل ذلك يسلط الضوء على المغنيات والممثلات وتافهي البشر من أهل الشهرة والنجومية الزائفة؛ فهو يسهم في تكريس هذا الوضع المزري ويحول دون تحقيق التقدم والتطور والحضارة.
إعمال العقل في مورد النقل
فيما يخص إعمال العقل مع وجود النقل والدليل الظاهر لفظا ومعنى فهذا السلوك يعد تحريفا للدين؛ وهو الذي أوصل من أعمل عقله في هذا المجال إلى مثل:
– إنكار النبوة.
– تحليل الخمر ولحم الخنزير.
– إنكار حجاب المرأة.
– تحليل العلاقات بين الجنسين من غير زواج.
– إبطال أن الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الدين الحق.
– القول بأن الإسلام قاصر على أن يؤطر حياتنا العامة والشخصية.
وغير ذلك كثير..
فالعقل له مجالاته التي يحق له أن يجول فيها بكل حرية، أما الأحكام الشرعية فيجب التسليم لها والوقوف عندها.
وتهمة تقديس الجهل مردودة هي الأخرى بما ذكرنا؛ (فلا مجال للمزايدة على ضرورة التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يخدم الإنسان وسعادته الحقيقية دون أن يصل إلى أن ينقلب إلى شر مثل إنتاج أسلحة الدمار الشامل، وقنابل الشر بشتى أشكالها؛ وإحداث الحروب للترويج للصناعة التسليحية!!)، وأظن أن من يقدس الجهل هو من يقدس آراء الرجال وفهوم الفلاسفة في الموقف والنظرة إلى الكون والإنسان والخالق؛ مع ترك كلام الخالق سبحانه الذي خلق الكون وسخره للإنسان، وهو الأعلم والخبير بمصالح العباد والبلاد (نظام الحكم)، وترك اتباع هدي المبلغ عن الحق سبحانه، خير الخلق صلوات ربي وسلامه عليه، وأفضل أجيال هذه الأمة؛ الذي أوصانا بالتمسك بهديه وهديهم لما قال: “وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجد، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة”..
أنت ضد الكاريكاتير أنت إذاً إرهابي!!!
اتهام كل من ردّ ورفض الرسم الأول بأنه «شحذ لسانه للتحريض على الإرهاب وسبّ وشتم كل من خالفهم الرأي أو دعاهم لإعمال العقل»؛ فهذه زلة أخرى من الأحداث ورسامها؛ وفزاعة اعتاد المنتمون إلى هذا التيار المتطرف إخراجها لإرهاب خصومهم وتكميم أفواههم، فلا أحد إطلاقا من المسلمين يقبل أن ترهب الأمة في تراثها، وأن يشحذ متطرف لسانه ويبري قلمه للطعن في سنة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بدعوى حرية التعبير والإبداع، لأن صاحب هذا التصرف الأرعن حينها يكون قد تلبس بجريمة عظيمة نكراء؛ وهي: التطاول على الوحي الذي هو من عند الله عز وجل.
وقد يقول قائل وأين مسّ أحكام الدين في هذا الرسم، أم أنكم فقط تريدون التشويه والتقول على الجريدة؟
وجوابا على ذلك أقول: إن المسلم يعتقد أن الإسلام دين شامل لجميع مناحي الحياة، وأنه من لدن حكيم خبير وسع علمه كل شيء، وهو أعلم بعباده وتغير أحوالهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما مات حتى بلغ الدين كله، وأكد على التمسك بهديه وهدي أصحابه، وحذر من مخالفة أمره، وأنه سيكون بعده أقوام يغيرون أمر الدين ويحرفونه؛ لكن الله يرسل لهذه الأمة من يجدد (أي يحيي، وإلا صارت نسخ كثيرة للإسلام إذا فهم من التجديد قراءة جديدة للدين) لها أمر دينها، وشهد صلى الله عليه وسلم أنه يحمل هذا العلم (فهم الوحي والدعوة إلى الله) من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ وهذه أمور وغيرها كلها من أحكام الدين وثوابته، ومن قال بأن التمسك بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه: رجعية وتخلف، فقد قدح في كل تلك العقائد والأحكام..
سؤال أخير
إذا كان العلمانيون يقدمون لنا «قراءة جديدة للدين»، و«إسلاما حداثيا متنورا» يعتبرونه المنهج الوحيد الذي يجب اتباعه، ويعادون كل من يخالفهم هذا التوجه المحدث؛ فبالله عليك أيها القارئ الكريم من هم الغالون والمبطلون والجاهلون، الذين يوجد في علماء الأمة -وهم سلسلة يتبع بعضها بعضا إلى قيام الساعة- من ينفي تحريفهم وانتحالهم وتأويلهم؟
أم يا ترى «نصر حامد»، و«أركون»، و«عابد الجابري»، و«حسن حنفي»، و«نوال سعداوي»، و«أدونيس».. وأساتذتهم من المستشرقين الحاقدين على الإسلام، أو الفلاسفة الغربيون الذين سجلوا اسمهم في التاريخ بالحرب على الدين و«الميتافيزيقا».. وغيرهم من الذين يقلد «الأحداث» فهمهم، ويقدسون عقلهم، ويشحذون ألسنتهم لسبّ كل من يعارضهم ويخالفهم، وأيضا لتحريض الحكومات للزج بهؤلاء المخالفين في السجون والمعتقلات بواسطة إعلام «مارينزي» بامتياز.. هم من يجدد لهذه الأمة أمر دينها؟!!
سبحانك هذا بهتان عظيم..