موقف ألمانيا من غزو فاس والعرائش الأستاذ إدريس كرم

التبرير الفرنسي والتجاهل الإسباني
لقد أدى احتلال العرائش والقصر الكبير لردود فعل قوية من طرف السلطان والمخزن، ومعهم فرنسا التي بررت غزوها لفاس، وقبله احتلال الشاوية والجهة الشرقية، بأن ذلك ضمن تفاهم داخلي مع السلطان والمخزن، وهو ما لم تقبله ألمانيا واعتبرته تجاوزا واعتداء على دولة مستقلة؛ كما أن القبائل الجبلية عبرت عن استنكارها لتدخل القوات الإسبانية في العرائش والقصر الكبير.
جاء في رسالة من دوبيليي إلى وزير الخارجية، رقمها: 397 ص. 371، من طنجة بتاريخ 21 يونيو 1911:
«قبائل الجبال بعدما علمت بما فعله القبطان مورو، انخرطت في غضب عارم ضد ذلك الاجتياح الذي من شأنه أن يؤدي إلى الفتن والاضطراب وتكدير الأمن، وذلك أن القبطان مورو كان يرأس القوات المخزنية بالمدينة التي لم تقاوم الإنزال الإسباني، والذي هو من صميم عملها، بل تراجع بها مخليا المدينة، تاركا الجنود الإسبان يلقون القبض على الجنود المغاربة ويحتجزونهم بدون مبرر».
وقد أضاف إلى ذلك تصرفا آخر تحدثت عنه رسالة رقم: 398 من دوبيليي إلى وزير الخارجية من طنجة، بتاريخ 21 يونيو 1911، جاء بها:
«القبطان أوفليو ومعه 15 فارسا من البوليس قدموا أيضا كالكولونيل سلفستر لزيارة القبطان مورو يوم 19 يونيو.
القبطان مورو أكد للكولونيل سلفستر بأن لا يخشى جنود المخزن الموجودين بعيدا عن الجنود الإسبان» ص. 372.
وحق له ألا يخشى لأن هناك اتفاقية سابقة بين الدولتين إسبانيا وفرنسا على إعطاء تلك المدينتين للإسبان، لذلك لم يكن الحراب الفرنسي الذي يعتبر آمر المفرزة المغربية بالمدينتين قلقا من الإنزال، ومستعدا لسحب الجنود المغاربة ومنعهم من التدخل لحماية المدينتين، وذلك خلافا لألمانيا التي كانت لم تتوصل بعد لاتفاق يرضيها، لذلك احتجت على ذلك الغزو.
الغضب الألماني
جاء في رسالة من برلين لسفير فرنسا هناك كامبو إلى وزير الخارجية الفرنسي، بتاريخ 22 يونيو 1911، رقم: 399 ص. 372، ما يلي:
«قمت أمس بمقابلة السيد كيسنجر حيث وجدت عنده السيد كيدرين فتباحثت معه في نفس اليوم (12 يونيو)، وفي الغد عقدت معه لقاءين حول المسألة المغربية، كما تحدثت مع السيد هوليج الذي وجدته على دراية بتصريحكم حول عملياتنا العسكرية بالغرب، وقد احتج على ذلك الاختيار، وكان ذلك يوم الأحد 11 يونيو 1911؛ وفي يوم الأربعاء قضيت بضع ساعات مع كيدرين نتباحث حول المسألة المغربية التي توصلنا حولها لمسلك يوصل لتفاهم محتم، كما تحدث لي عن عمل إسبانيا، وأشرت له بكون قنصلنا والقنصل الإنجليزي يتفقان على أن السلطان في خطر، وأن إشارة القنصل الألماني تقول بأن المغاربة يرددون أن القوات المغربية مأمورة من طرف الفرنسيين، وأن السلطان مخلص، والحقيقة أنني أضفت بأن السلطان سلطان هواه، ونحن مضطرون بأن نضع بين يديه قوة منضبطة، ولن نتخلى عن البلد لنظام يفسد كل تجارة.
تذكروا أني وأنت من تعاونا على تحرير اتفاقية 1909 التي حفظت اتفاق المساواة الاقتصادية بين فرنسا وألمانيا في المغرب؛ وقد عقب كيدرين بقوله أنا لا أنازع في نفوذك، لكن الذي يقول نفوذ لا يقول حماية، والذي تنطلقون في تنظيمه هو حماية حقيقية، وهذا لا يوجد في عقد الجزيرة ولا في اتفاق 1909، وهو أكثر من الذي قمتم به في الشرق وغرب المغرب في الشاوية».
وفي 29 يونيو 1911، بعث دوبيليي إلى وزير الخارجية الرسالة رقم: 414 ص. 384، جاء بها:
«لقد تم إنزال جديد بالعرائش من طرف إسبانيا في 27 يونيو، هذا الإنزال ضم 62 جنديا، وأربعة خيول، و23 بغلا، و67 صندوقا من ذخيرة المدافع، و100 صندوق رصاص.
عادة يوجد في القصر الكبير حوالي 500 رجل من القوات الإسبانية زيادة على طابور البوليس، الكومندار سيلفي غادر معسكر العرائش على رأس 200 راجل و100 فارس يوم 27 يونيو عبر الضفة اليمنى لنهر لكوس، وقد وصل مشرع الصباب البعيد عن القصر بـ10 كلم أعلى القصر، ثم اجتاز الوادي إلى المنطقة الفرنسية.
أخبرت القبطان مورو بالأمر رغم التعليمات أشرت عليه بإعطائه تعليمات لجبالة بأن يطلقوا عليه وعلى جنوده النار إذا دخل أراضيهم، القبطان مورو سيصل إلى طنجة لمرافقة القافلة التي ستتوجه إلى فاس قصد حمايتها، وقد خلفه في مهامه ليوطنا ثيريت، فأجبت بأنه من الصعب علي رؤيتكم تتعلقون بسلطة بربرية، فاحتلال الشاوية كان نتيجة تفاهم داخلي مع السلطان لتفادي سوء الفهم بين بلدينا في المستقبل».
في هذه الأجواء تحركت ألمانيا في المياه المغربية، وبعثت بسفينة حربية إلى ميناء أكادير حيث هاجمته، وفي ذلك تقول رسالة من وزير الخارجية الفرنسي رقم: 418 ص. 386، من باريس بتاريخ فاتح يوليوز موجهة إلى سفراء فرنسا في كل من لندن، وسان بطرس بورك، ومدريد، وبرلين، وروما، وفيينا، وطنجة:
«قام سفير ألمانيا بأمر من حكومته بإبلاغي المذكرة التالية:
من المعلوم أن هناك عدة منازل ألمانية مقامة بجنوب المغرب، وطبعا في أكادير ونواحيها حيث يختمر قلق القبائل هناك ضد ما يجري في عدة أجزاء أخرى من البلاد، وأصحاب هذه الدور طلبوا من حكومة الإمبراطورية العمل على ضمان حمايتها وممتلكاتهم وأرواحهم؛ وبناء على ذلك فإن الحكومة ستعمل على إرسال باخرة حربية إلى ميناء أكادير من أجل المساعدة على تحقيق ذلك الإنقاذ والحماية عند الحاجة».
وفي رسالة من المكلف بالمصالح الفرنسية ببرلين إلى وزير الخارجية الفرنسي من برلين بتاريخ فاتح يوليوز 1911، رقم: 419 ص. 387، جاء بها:
«استقبلت من طرف نائب كاتب الدولة الألماني بسبب غياب السيد كيدرين، حيث شرح لي أسباب إرسال بانديرا إلى أكادير: نحن بعثنا الباخرة الحربية هناك لسببين اثنين:
لأن لنا دُورا لها ممتلكات ضخمة تخص رعايانا في الناحية بدت مهددة من طرف العصاة الموالين للكلاوي، والذين يمكن أن يهددوا محاصيلهم التي لم تجمع بعد.
ولأن الرأي العام الألماني غير راض عن شكل التعويض المقدم لنا فيما يتعلق بالمسألة المغربية، في الوقت الذي بدا فيه أن فرنسا وإسبانيا لم تحترما اتفاق مؤتمر الجزيرة».
وفي رسالة موجهة من وزير الخارجية الفرنسي إلى ممثلي بلاده في كل من برلين، ومدريد، وروما، وفيينا، ولندن، وسان بطرس بورك، رقم: 388 ص. 421، من باريس في 2 يوليوز 1911، جاء بها:
«استقبلت اليوم سفير ألمانيا، فتناول معي مباحثات الأمس بيننا مؤكدا لي أن اختيار حكومته إرسال باخرة حربية إلى أكادير ليس ترجمة لعدم الرضا عن خطأ فرنسي بنية سيئة يقصد منه التحريض عليها، وقدم لي المذكرة التالية:
لقد وجدت الحكومة الألمانية نفسها وجها لوجه مع ما فرضته العمليات الحربية الفرنسية التي تقوم بها في المغرب، وما تمخض عنها من حوادث بقوة هذه الأشياء، وليس لإقامة عراقيل للحكومة الفرنسية، وفي هذا الإطار فإن الحكومة الألمانية تلبية لطلب دُور ألمانية مهمة محتاجة لحماية من فيها من ألمان بجنوب المغرب، تم إرسال باخرة حربية إلى أكادير لضمان أمن ممتلكات وحياة المحميين الألمان الموجودين بالناحية إلى أن يستتب الأمن في الإيالة الشريفة، ولن تتدخل إلا إذا اقتضت الضرورة في احترام لسيادة السلطان على كامل التراب المغربي.
الحكومة الألمانية مستعدة لتبادل الآراء الحبية حول المسألة المغربية لمصلحة كل القوى العظمى».
في هذه الأثناء كانت هناك مفاوضات سرية تجري بين فرنسا وألمانيا حول إرضاء الأخيرة لتوافق على إطلاق يد التصرف الفرنسي في المغرب، وهو ما سيظهر لاحقا ليكون بمثابة الاعتراف بالحماية الفرنسية على المغرب التي وُضِع شقها المالي والضريبي سنة 1910 كما سبق أن أوضحناه في السابق، وهو ما سيتم التأكيد عليه في الرسالة التالية المبعوثة من قبل وزير الخارجية الفرنسي إلى دوبيليي، من باريس بتاريخ 18 يوليوز 1911، رقم: 459 ص. 416، والتي جاء بها:
«لي الشرف أن أبعث إليكم صحبته نسخة مقدمة لي من طرف المقري في موضوع وضع تطبيق الإصلاحات التي نص عليها الاتفاق المالي:
ملحق
من الحاج محمد المقري إلى وزير الخارجية، في 17 يونيو 1911:
أمرني صاحب الجلالة لإثارة انتباهكم إلى الوضعية الحالية بالمغرب، والمضاعفات الخطيرة التي تتطلب العلاج الفوري، إذا كان السلطان في تمام سيادته، ومراعاة للمصلحة العامة قد طلب مساعدة فرنسا على القيام بحماية فاس للسبب المعروف الذي لا يمكن نكرانه، ذلك الطلب المستند على أسس عقد الجزيرة، والتي تمت حركة القوات الفرنسية على مقتضياته.
فإن ما قامت به إسبانيا من احتلال للعرائش والقصر الكبير لم يراع تلك الأسس، بل تم خرقها من غير أن يكون هناك داع لتلك التصرفات، وإن احتجاج صاحب الجلالة المرفوع إلى القوى الكبرى يدعم دليل المخزن في الموضوع، ومن جهة أخرى فإن التدخل الألماني في أكادير فاجأ جلالة الملك لأنه لم ير له ما يبرره.
كما كلفني جلالته بأن تضعوا الاتفاق المالي بين الحكومتين رهن التطبيق لحاجة المخزن المالية قصد أداء مستحقات القوات الشريفة وموظفي المخزن والعائلة الشريفة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *