لماذا اخترنا الملف؟

لا أحد يكره أن يتحلى مثقفونا باليقظة حيال أية مطامع عدائية تناوش أمتنا في مقومات قوتها ووحدتها العقدية والفكرية والاقتصادية وما إلى ذلك.
ولا أحد بوسعه أن يفرض عليهم عزلة في ملاحقة كل جديد في دنيا الاستراتيجيات، لاسيما تلك الصادرة من قلب الإمبراطورية الأمريكية الفاعلة في معظم الأحداث السياسية في العالم، خصوصاً فيما يتعلق بمحيطنا الإقليمي وداخل حدودنا المحلية.
كما أنه على حجم الأفعال تكون ردود الفعل عليها، ومتى كانت بالأصل كبيرة، استدعت كمّا من الدراسات حولها للتحذير من مغبة حصولها، ولتحفيز أصحاب القضايا أن يسعوا للدفاع عنها ضد هجمات إمبراطورية تعبِّد لها الطريق دراسات استراتيجية صادرة عن مراكز بحوث هي للإدارة الأمريكية كالأم الرؤوم وحاضنة السياسات الاستراتيجية المستقبلية.
رد الفعل إذ ينبغي له أن يكون مكافئاً لدراسة بحجم تقرير “راند” الصادر في شهر مارس الماضي، فإنه يستلزم له النهوض بذلك عبر عدة معطيات ومفاهيم، ترسم ملامح التعامل مع مثل هذه الإصدارات والدراسات.
فقد جاء “راند” 2007 لتقديم رؤية ثقافية سياسية عسكرية لحل المعضلة “الإسلامية” التي تقض مضاجع الأمريكيين إثر استراتيجية عسكرية بحتة أخفقت في العراق وأفغانستان، أبدت من خلال الواقع أن نشر الأمركة عبر طائرات الشبح وقاذفات بي 52، ليست ذات جدوى حقيقية في كسر شوكة هذه الأمة المسلمة، وأنه بعد 4 سنوات من الإخفاق، لابد من تقديم حلول جديدة تستبصر طريقها عبر المعطيات الجديدة التي أوجدتها الحروب على الأرض، كما أوجدها الإخفاق في سياسة اقترحها تقرير “راند” 2004 وتتمثل في استهداف من أسماهم بالمتطرفين الإسلاميين، والتشجيع “الظاهري” للدول العربية على نشر “الديمقراطية” فيما عرف بـ”الشرق الأوسط الجديد” عبر “معتدلين”، ومن ثم؛ فإن روح التقرير الثقافية تهدف إلى التغلغل لتغيير بنية المسلمين الثقافية بدلاً من الاقتصار على حقل كانت تسعى للعمل داخله في الماضي، وهو كسر شوكة “المتطرفين” وحدهم.
ثم إن نقلنا لما ورد في التقرير -من خلال هذا الملف- من معلومات حول التطرف أو القاعدة وما سواها ليس دفاعا عن حملة هذا الفكر الأهوج، وإنما هو من باب الأمانة العلمية ونقل المعلومة كما وردت صياغتها من طرف مُعِدّي التقرير.
وما نعنيه هاهنا ليس التقرير ذاته الذي تناولته العديد من المصادر بالبحث والدراسة، وإنما الروح التي ميزت هذا التقرير، فالنظرة السلبية كانت بارزة عليه، حيث لم يَجْر التعامل مع أمتنا إلا من خلال زاوية سلبية، وهي زاوية العداء لهذه الأمة والتخطيط الهادف إلى تفكيكها وحرمانها عوامل قوتها ومحاولات استنهاضها.
وربما كان تقرير “راند” مهماً، وكانت العناية به أهم، الأمر الذي دفع بعض المجلات والجرائد إلى القيام بدراسات حوله، كمجلة البيان الصادرة عن المنتدى الإسلامي -وقد استفدنا منها في جمع مادة هذا الملف-، بيد أنه في المقابل لابد من لفت الانتباه إلى أن مراجعة ما صنعته سياسات بني جلدتنا من دعاة التغيير والإصلاح بالمفهوم العلماني وما أحدثته كتاباتهم ووسائل إعلامهم من تبعية لكل ما تنتجه الآلة الفكرية الغربية، أولى بكثير بالدراسة والتمحيص والرد.
كما ننبه إلى أن أهم ما يوصي به تقرير “راند” والمتمثل في “بناء شبكات مسلمة معتدلة” كما هو واضح من عنوانه، إنما يقصد به الدول التي لم يتغلغل الفكر الغربي في نسيجها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسلوكي أما تلك البلدان التي انفتحت على كل ما ينتجه الغرب من مفاهيم، وانبطحت لسياساته وأذعنت لتوصياته فلا يحتاج فيها الأمريكان إلى بناء مثل تلك الشبكات لأنها موجودة سلفا، تولى بناءَها المستعمر إبان جثومه على صدورها ورعاها طيلة فترة الاستقلال مما جعلها جاهزة للعب الدور المحدد لها في التقرير، بل ما فتئت تلعبه قبل صدور التقرير بسنوات طوال، فالمسلمون في مثل هاته البلاد لا يجرؤون على نقد ما يَسُوغه الغرب من مفاهيم كالاعتدال وقبول الآخر وحرية التدين والديمقراطية وحقوق الإنسان.. مما يضعف لدى شعوب تلك الدول المقاومة والممانعة ويجعلهم لقمة سائغة في أفواه الدول الغربية.
ويقدم هذا الملف قراءة مختصرة لهذا التقرير، مع التركيز تحديداً على الجزء الخاص بتعريف الاعتدال من وجهة النظر الأمريكية، وكيفية إقامة تلك الشبكات المعتدلة بالمفهوم الأمريكي، كما يتضمن الملف مجموعة من التوصيات حول الآليات العملية للتعامل مع مثل هذه التقارير، قبل أن تتحول توصياتها إلى سياسات أمريكية عامة تستخدم لتحجيم أو احتواء نهضة الأمة الإسلامية ورجوعها إلى دينها مصدر عزتها.

معلومات التقرير
العنوان: بناء شبكات مسلمة معتدلة
المؤلف: أنجيل راباسا, شيريل بينارد, لويل شوارتز, وبيتر سيكل
عدد الصفحات: 217 صفحة
قطع الكتاب: متوسط )17 سم × 24 سم(
الناشر: مؤسسة راند-مركز السياسة العامة للشرق الأوسط -كاليفورنيا- أمريكا
تاريخ النشر: 26 مارس 2007م
الترقيم الدولي: 7-4122-8330-0-928
الترقيم المكتبي: 7-4122-8330-0-978
الموقع الإلكتروني:www.rand.org

 “مؤسسة راند: Rand Corporation”

هي أكبر مركز فكري في العالم, وهو مركز فكري أمريكي مقره الرئيس في ولاية كاليفورنيا الأمريكية. تقوم مؤسسة “راند” الذي اشتق اسمها من اختصار كلمتي (research and development) أي الأبحاث والتطوير بجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات ومن ثم تحليلها وإعداد التقارير والأبحاث التي تركز على قضايا الأمن القومي الأمريكي في الداخل والخارج. يعمل في المؤسسة ما يقارب من 1600 باحث وموظف يحمل غالبيتهم شهادات أكاديمية عالية, وميزانيتها السنوية تتراوح بين 100-150 مليون دولار أمريكي.
تعتبر مؤسسة “راند” أحد المؤسسات الفكرية المؤثرة بشكل كبير على المؤسسة الحاكمة في أمريكا، وهي تدعم توجهات التيار المتشدد في وزارة الدفاع وتتولى الوزارة دعم كثير من مشروعاتها وتمويلها، كما ترتبط بعلاقات ومشروعات بحثية مع وكالات المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفدرالي، وتصب كثير من الدراسات والبحوث الصادرة عن هذه المؤسسة في خانة أنصار مواجهة الإسلام والمسلمين.
ساهمت مؤسسة “راند” في رسم خطة الحرب الأخيرة على الإرهاب، وتقدمت بدراسة لوزارة الدفاع تقترح فيها ضرب المملكة العربية السعودية واعتبارها العدو الأول في العالم، كما أن فرع المؤسسة في قطر تعمل الباحثة: “زلماي خليل زادة”، وهي التي قامت بكتابة مشروع الإسلام الديمقراطي، وهو ما عرف لاحقا باسم “تقرير راند”، ويعتبر فرع “راند” في المنطقة العربية مركزا مهما للمساهمة في إعادة تشكيل المنطقة وفق الرؤية التي تطرحها الإدارة الأمريكية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *