الدكتور عبد السلام الهراس في ذمة الله.. ووري الثرى جثمان الفقيد الأديب العالم المربي إعداد: عيسى بنكرين

توفي الدكتور عبد السلام الهراس، يوم الجمعة فاتح جمادى الأولى 1436 هـ، الموافق لـ20 فبراير 2015، بالعاصمة العلمية فاس، عن سن قارب 85 حولا، فهو رحمه الله من مواليد سنة 1930م بمدينة شفشاوش، وقد عاش مرحلة الاحتلال الفرنسي والإسباني لبلاد المغرب وشهد مجموعة من الملاحم ضد وجود الاحتلال في بلادنا، فهو رجل الوطنية والجهاد في سبيل الله.
ويعد الراحل من كبار الشخصيات العلمية والأدبية والدعوية والإصلاحية التي عرفها المغرب، فقد كان من السباقين في مجال تنظيم العمل الإسلامي، حيث أسس في منتصف السبعينيات جمعية جماعة الدعوة الإسلامية. وقد كان الدكتور عبد السلام الهراس أستاذا للأدب الأندلسي بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، ورئيس جمعية العمل الاجتماعي والثقافي بالمغرب، وأحد الأعضاء المبرزين في عدد من الجمعيات العلمية والإسلامية والخيرية في العالم الإسلامي.
كانت حياته العلمية ثرية بصنوف التنوع والتفنن في علوم مختلفة، وهذا مقتضب عنها: درس الابتدائي والثانوي بمسقط رأسه ثم بالقرويين بفاس ثم بالكلية الشرعية ببيروت بلبنان، وحصل على الليسانس في الحقوق، جامعة محمد الخامس المغرب 1961م، وحصل أيضا على دكتوراه الدولة من جامعة مدريد، كلية الآداب مدريد 1966م.

وقد شغل منصب أستاذ بجامعة محمد بن عبد اللَّه بفاس من سنة: (1964م 1997م)، ثم رئيس قسم اللغة العربية وآدابها من سنة: (1975م-1991م)؛ وكان رحمه الله تعالى أستاذا زائرا ومحاضرا بعدة جامعات: منها جامعة مدريد كلية الآداب، إسبانيا، قسم اللغات الشرقية، وجامعة الإمام محمد بن سعود، كلية اللغة، وجامعة القاهرة، كلية الآداب، القسم الإسباني، وغيرها من الجامعات العالمية.
من مؤلفاته رحمه الله: – «الإسلام دين الوسطية والفضائل والقيم الخالدة». – «أبو بكر الصديق وإدارة الأزمات». – «سعادة المرأة في ظل الإسلام». – «الأندلس بين الاختيار والاعتبار». وتعتبر النسخة الوحيدة، والفريدة من «ديوان ابن الأبار البلنسي القضاعي» هي التي عثر عليها الأستاذ الهراس، ونال بها درجة الدكتوراه بمدريد، تحت إشراف الشيخ: إلياس طرس صادبا.
وقد نعاه اتحاد علماء المسليمن، الذي كان عضوا مؤسسا فيه؛ ثم توالت كلمات التعازي والتأبين في حق الراحل التي صدرت عن وجوه إسلامية ودعوية؛ منها الشيخ يوسف القرضاوي الذي قال عنه: «صديقنا العربي المسلم عالم المغرب البحاثة الداعية الثبت المعروف الأستاذ الدكتور عبد السلام الهراس، أحد كبار علماء المغرب المعروفين، وأدبائها المرموقين، ودعاتها المخلصين». وقال عنه الدكتور أحمد الريسوني: «أستاذنا وفقيدنا الكبير الدكتور عبد السلام الهراس، هو شيخ الشيوخ وأستاذ الأساتذة ومرشد الأجيال. الأستاذ الهراس من أقدم المغاربة المعاصرين اهتماما بالعمل الإسلامي الحديث، ومن رواده ومؤسسيه وآبائه».
وأما الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام لمنظمة الإسيسكو فيقول عنه: «فقد بوفاة الدكتور الهراس عالما فاضلا وداعية كبيرا قضى جل حياته في طلب العلم والتدريس والتأليف وعمل على نشر تعاليم الإسلام السمحة والدعوة إليه بمنهج وسطي وبالحكمة والموعظة الحسنة، وتخرج على يديه العديد من الطلاب، وتعرّف كثير من غير المسلمين على الإسلام من خلال جهوده الكبيرة في الدعوة وتبيان رسالة الإسلام وقيمه ومبادئه».
وقد نظم في نعيه الدكتور محمد الروكي قصيدة عنونها بفقيد الأدب قال فيها:

عبس القريض فتاهَ في الأنفــــاس*** والحزنُ خيَّم في وجوه الناس
وطغى الوجومُ فما ترى من شاخصٍ***إلا وفي عينيه دمعةُ مــــاس
جاء النعــــــيُّ وقد علت كلماتــه:***مات الذي قد كان زهرة فاس
لهفي على عبد السلام أديبهــــــا***وَارَوْهُ بين صفائح الأرمــــاس
لهفي على تلك المعارف قد طـوت***أوراقها عن أعين الجــــلاس
لهفي على تلك الشمائل قد خَبَـــتْ***أنوارها من ذاكُمُ النــــبراس
لهفي على الآداب تعثر في الأَســى***حَزَناً على أستاذها الهـراس
لهفي على عربيةٍ مُضَرِيَّـــــــةٍ***قد دُبِّجَتْ في وجنة القرطـــاس
لهفي على آرائه وقد انجلــــتْ***وضاءةً في حُلكـــــــة الِإدلاس
لهفي على التحقيق ينبع صافيا ***من بحره في جدول الكُــــراس
لهفي على تربيةٍ نبويــــــــــةٍ***تُسقى بماء الرفق والإيــــناس
لهفي على تلك المكارم والتقــى***لهفي على ذاك الندى والبــاس
لهفي على ذاك الحكيم يمدنـــــا***بالرأي ينبع من طبيــــبٍ آس
لهفي على الأستاذ نور دربنــــا***بحديثه المغني من الإفـــــلاس
مات الحبيبُ وودعت صلواتُــــه***في مسجد القدس الذي في فاس
لكنه إن مات ما ماتت لــــــــــهُ***تلك المآثر تحتفي بغــــــراس
مات الأديب ولم تمت آدابُـــــــه***فهي التي نحيا بها في الــناس
مات اللبيب ولم تمت كلماتُـــــه***فَدَبِيُبهَا يسري مع الأنفــــــاس
فإلى اللقاء حكيمنا وأديبنـــــــا***ولبيبنا ياخيرة الأكيــــــــــاس
في جنة الفردوس موعدنا غـــداً*** فاهنأ برمسك جذوة الأرمـــاس
فرحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه، و«إنا لله وإنا إليه راجعون».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *