التفسير الموضوعي للقرآن الكريم 1/3 د. سفيان ناول أستاذ باحث

لما كان القرآن الكريم الوحي السماوي الأخير لبني آدم كان له من الميزات والمعجزات ما لم يكن لما سبقه من الكتب والصحف، وذلك أنه رسالة الهداية، ومنهاج الحياة حتى قيام الساعة.
من أجل ذلك كله لا بد أن يكون كتاباً محكما كما قال تعالى: (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) [هود:1 ]، وكتابا شاملاً كما قال تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام38].
فلا بد إذن من أن يكون وحدة موضوعية مترابطة لا خلل ولا نقص فيه كما قال تعالى: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) [فصلت42].
ومثله قوله تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) [النساء82].
ومن أكبر الشواهد على وحدة موضوعية القرآن كذلك أنه الكتاب الذي اشتمل على شؤون الدنيا والآخرة والإنسان وما يتعلق به في دنياه وآخرته. كما أن وجوه المناسبات بين أي القرآن بعضها مع بعض وسوره بعضها مع بعض يشهد لهذه الوحدة الموضوعية.

أولا: تعريف منهج التفسير الموضوعي لغة واصطلاحا
المنهج لغة: نَهَجَ: مثل “فلس الطريق الواضح و(المَنْهَجُ) و(المِنْهَاجُ) مثله و(نَهَجَ) الطريق (يَنْهَجُ) بفتحتين (نُهُوجًا) وضح واستبان و(أَنْهَجَ) بالألف مثله و(نَهَجْتُهُ) و(أَنْهَجْتُهُ) أوضحته يستعملان لازمين ومتعديين( 1).
والنهج: الطريق الواضح، وكذلك المنهج والمنهاج. وأنهج الطريق، أي استبان وصار نهجا واضحا بينا. قال يزيد بن الخذاق العبدى: ولقد أضاء لك الطريق وأنهجت سبل المسالك والهدى تعدى أي تعين وتقوى. ونهجت الطريق، إذا أبنته وأوضحته.
يقال: اعمل على ما نهجته لك. ونهجت الطريق أيضا، إذا سلكته. وفلان يستنهج سبيل فلان، أي يسلك مسلك( 2)ن خلال ما تقدم يمكن الوصول إلى معرفة المنهج اصطلاحاً بأنه: الطريق الواضح الموصل إلى الغاية.
وأما تعريف التفسير الموضوعي فيشمل تعرف التفسير والتأويل لغة واصطلاحاً وتعريف الموضوعي لغة واصطلاحا ومن المركب يُستخرج تعريف التفسير الموضوعي.
ولنبدأ الأن في الحديث عن معنى التفسير التأويل والفرق بينهما
أ ـ تعريف التفسير:
التفسير في اللغة: مصدر فسر يفسر تفسيرا وتفسرة على وزن (تفعيل). ومعناه الإظهار والكشف والبيان والإيضاح، لقوله تعالى: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) [الفرقان33]. ومنه سفرت المرأة سفورا، وأسفر الصبح، بان وظهر.
وفي القاموس: الفسر: الإبانة وكشف المغط( 3) وفي لسان العرب: الفسر: البيان… والتفسير كشف المراد عن اللفظ الم( 4).
وفي البحر المحيط لأبي حيان: “…قال ثعلب: تقول فسرت الفرس: عريته لينطلق في حصره، فكأنه كشف ظهره لهذا الذي يريده منه من الج(5 ).
وهكذا ترى أن هذه التفسيرات تكشف لنا على أن التفسير يستعمل في الكشف الحسي، والكشف المعنوي المعقول، وهو في الثاني أكثر استعمالاً.
والتفسير في الاصطلاح:
“علم يبحث في كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاته وأحكامها الإفرازية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك”( 6).
وعرفه الزركشي بأنه: “علم يفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه، وحكمه(7 )، وعرفه صاحب منهج الفرقان بأنه: “علم يبحث فيه عن أحوال القرآن المجيد، من حيث دلالته على مراد الله تعالى، بقدر الطاقة البشري(8 ).
وعرفه بعضهم بأنه: “علم نزول الآيات، وشؤونها، وأقاصيصها، والأسباب النازلة فيها، ثم ترتيب مكيِّها ومدنيها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامها، ومطلقها ومقيدها، ومجملها ومفسرها، وحلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها، وعبرها وأمثالها( 9).
تعريف التأويل:
التأويل لغة: الرجوع، ومنه قولهم غليت الماء حتى آل إلى ثلثه.
قال الأزهري في تهذيب اللغة: هو تفعيل من أول يؤول تأويلاً وثلاثيه آل يؤول: أي رجع وعاد.
وفي الاصطلاح: يراد به حقيقة ما يؤول إليه الكلام، وإن وافق ظاهره، وهذا هو المعنى الذي يراد بلفظ التأويل في الكتاب والسنة.
ويراد بلفظ التأويل أيضا: (التفسير) وهو اصطلاح كثير من المفسرين، ولهذا قال مجاهد -إمام أهل التفسير-: إن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه، فإنه أراد بذلك تفسيره وبيان معانيه، وهذا مما يعلمه الراسخون. وقيل: يراد بلفظ (التأويل): صرف اللفظ عن ظاهره الذي يدل عليه ظاهره إلى ما يخالف ذلك، لدليل منفصل يوجب ذلك .
من المآل وهو العاقبة والمصير.
من الإيالة وهي السياسة في استعمال الكلام.
ب ـ الفرق بين التأويل والتفسير
قال بعضهم هي بمعنى واحد، وقال آخرون يختلفان وهو الأرجح. ومن الفروق ما يلي:
1- التفسير أعم من التأويل.
2- التفسير في الألفاظ والمفردات، والتأويل في المعاني والجمل.
3- التفسير يحتمل معنى واحدا، والتأويل له أوجه ومعان .
4- التفسير رواية والتأويل دراية.
5- التفسير ما وقع مبينا في كتاب الله ومعينا في صحيح السنة، والتأويل ما استنبطه العلماء العاملون الماهرون في آلات العلوم.
والموضوع في اللغة: من الوضع، يقال وضعه وضعاً ألقاه من يده وح(10 ) لموضوع: المادة التي يبني عليها المتكلم أو الكاتب كلا( 11)ناك تعريفات كثيرة ولكن يمكن جمع ذلك بأنه: “الانطلاق من أحد الموضوعات التي تظهر من خلال الآيات القرآنية، وقصرا لهم عليه، كشفاً عن معانيه، وبحثاً في حقائقه، وإبرازاً لأسرار هدايته، وإظهاراً لوجوه إعجاز( 12)

ثانيا: الكشف عن دور الصحابة والتابعين في هذا الميدان
مضى الحديث في التمهيد أن بذور هذا العلم بدأت ببداية الوحي السماوي إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، إذ لا يعقل أن لا يتناول النبي صلى الله عليه واله وسلم، موضوعات الحياة الإنسانية وخصوصا أن القرآن الكريم مملوء بكل ما يتعلق بشأن ابن آدم، وما كان يركز عليه النبي صلى الله عليه وسلم، في بداية الدعوة أكثر ما كان حول العقيدة والتنظيم والشؤون العامة.
أما الصحابة رضوان الله عليهم فقد فهموا من خلال اتساع الحياة الإسلامية، وانتشار الإسلام بين الشعوب، حيث كانوا الأساتذة الأول للعالم الإسلامي المترامي الأطراف، فلقد تناول ابن عباس رضي الله عنهما وتلاميذه شؤون التفسير، وكذلك أبيّ رضي الله عنه وتلاميذه، وعبد الله بن مسعود الله عنه وتلاميذه، وظهرت لهم أقوال وآراء تناولت موضوعات الحياة العامة والخاصة، إذ القران هو دستور الأمة وكتاب حياتها وهاديها إلى الآخرة الكريمة.
إلا أن ما تناولوه في هذا الصدد لا يمكن أن يوضع بين يدي القارئ بشكل منظم يدل على أنه تفسير موضوعي واضح، ولكنه شجيرات لتلك البذور التي بذرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه، فتلك البذور أنتجت هذه الشجيرات، وهذه الشجيرات أنتجت أشجارا باسقة على مر العهود المتلاحقة حتى أثمرت ما يمكن أن نسميه اليوم بالتفسير الموضوعي.
———————
(1 ) المصباح المنير 2/627.
(2 )صحاح تاج اللغة وصحاح العربية. تأليف: إسماعيل بن حماد الجوهري. تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار. الناشر: دار العلم للملايين – بيروت. الطبعة: الرابعة 1407 ه‍ – 1987 م. 1/346.
(3 )قاموس المحيط للفيروزآبادي، ج2، ص 110.
(4 ) لسان العرب لابن منظور، ج6، ص361.
(5 ) مصدر السابق، ج1، ص13.
(6 ) مصدر السابق، ج1، ص13-14.
(7 )عبد الرحمن السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، طبعة الحلبي بمصر 1951م وبهامشه إعجاز القرآن للباقلاني.ج2، ص174.
(8 ) نهج الفرقان، ج2، ص6.
(9 ) إتقان، ج2، ص174.
(10 ) مجموع فتاوى ابن تيمية، ج 4 / 68 ـ 70
(11 ) براهيم مصطفى وزملاؤه، المعجم الوسيط، 12/1040.
(12 ) انظر:عبد الستار سعيد، المدخل إلى التفسير الموضوعي، دار الطباعة والنشر الإسلامية، ص15. وانظر زهير عوض، دراسات في التفسير الموضوعي، مطابع الفرزدق، ص7.
(13 ) زياد الدغامين، التفسير الموضوعي ومنهجية البحث فيه، دار عمار، ص20.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *