من المنكرات التي غزت بلداننا الإسلامية وفشت: الأغاني والألحان، التي لا يشك عاقل في تحريمها على بني الإنسان رغم أنوف المعارضين لشرع الرحمن.
وقد جمعتُ بعض الأدلة من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وكلام أئمتنا في بيان حكم الغناء أيما بيان، هذا الغناء الذي ابتلي به فئام من أمة الإسلام، بحيث لا تكاد تمر من شارع أو سوق إلا واجهتك موجة من الألحان، وكلمات تضر القلب والآذان، وتصد عن ذكر الله وسماع القرآن، وإن أنكرت قيل: في ديننا فسحة كباقي الشرائع والأديان، وهذه والله مكيدة من مكايد الشيطان، اصطاد بها كثيرًا من بني الإنسان، فلله المشتكى على تغيُّرِ الأحوال والأزمان، وأسأله تعالى أن يرد بأمة الإسلام إلى رشدها؛ لتستعيد ما كان لها من عزة في سالف الأزمان.
فإليكم بعض تلك الأدلة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار:
من الأدلة على تحريم الموسيقى والغناء
أ- من الكتاب:
1- قال تعالى:” وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)” – لقمان-.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: “لما ذكر الله تعالى حال السعداء، وهم الذين يهتدون بكتاب الله، وينتفعون بسماعه، عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب كما قال ابن مسعود: هو والله الغناء، قال الحسن البصري نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير…”( ).
2- قال جل شأنه مخاطبا إبليس اللعين: “قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)” -الإسراء-. قال مجاهد: اللهو والغناء( ).
3- قال تعالى في وصف عباد الرحمن: “وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْو مَرُّوا كِرَامًا” -الفرقان-، وقد فسر غير واحد من السلف الزور هنا بالغناء، منهم الإمام مجاهد فقد روى عنه الليث في تفسير قول تعالى: “وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ” قال: لا يسمعون الغناء( ).
لكن هذا لا يمنع القول بأن كلمة الزور قد تكون شاملة لكل باطل قولا كان أو فعلا، يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في قوله: “والذين لا يشهدون الزور”: أي: لا يحضرون الزور أي: القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله والجدال الباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء والغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير، والصور ونحو ذلك، وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أولى وأحرى أن لا يقولوه ويفعلوه”( ).
وكذا اللغو فقد تعدد الأقوال في تفسيره -ومنها أن المقصود به الغناء- لكن كما قال إمام المفسرين: “واللغو في كلام العرب هو كل كلام أو فعل باطل لا حقيقة له ولا أصل، أو ما يستقبح… فإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: وإذا مرّوا بالباطل فسمعوه أو رأوه، مرّوا كراما، مرورهم كراما في بعض ذلك بأن لا يسمعوه، وذلك كالغناء.” -تفسير الطبري:19/315-.
ب- من السنة:
– عن جابر رضي الله عنه قال: “خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن عوف إلى النخل، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجره، ففاضت عيناه، فقال عبد الرحمن: أتبكي وأنت تنهى الناس؟ قال: إني لم أنه عن البكاء، وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة: لهو، ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة: خمش وجوه، وشق جيوب…”.-رواه الترمذي وحسنه الألباني-.
– عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة.”-رواه البزار وحسنه الألباني وهو في صحيح الترغيب والترهيب تحت رقم: 3527-
– عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله حرم علي -أو حرم- الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام”. أخرجه أبوداود وغيره وصححه الألباني. والكوبة: الطبل.
– عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يكون في أمتي قذف ومسخ وخسف”، قيل: يا رسول الله ومتى ذاك؟ قال: إذا ظهرت المعازف وكثرت القيان وشربت الخمور”. أخرجه الترمذي في “كتاب الفتن” وصححه الألباني.
– عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف…” أخرجه البخاري.
والاستدلال على التحريم في هذه الحديث من وجهين:
– قوله صلى الله عليه وسلم: يستحلون.
– وإقرانه له بما هو معلوم من الدين بالضرورة أنه محرم كالخمر والحر أي الزنا.
ج- من أقوال الأئمة الأربعة:
– قال الإمام الشافعي: “إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل…”.
– أما الإمام أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها.
– وقال الإمام أحمد: “الغناء ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني”.
– وقال الإمام مالك، إمام دار الهجرة: “إنما يفعله عندنا الفساق”( ).
وما أحسنه ما سطره الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الماتع “إغاثة اللهفان” يقول: “ومن مكايد عدو الله ومصايده، التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماع المكاء والتصدية، والغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة، وحسنه لها مكرا وغرورا، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه فقبلت وحيه، واتخذت لأجله القرآن مهجورا… وهذا السماع الشيطاني المضاد للسماع الرحماني، له في الشرع بضعة عشر اسما: اللهو، واللغو، والباطل والزور، والمكاء، والتصدية، ورقية الزنا، ومنبت النفاق في القلب، والصوت الأحمق والصوت الفاجر، وصوت الشيطان، ومزمور الشيطان، والسمود “( ). انتهى.
ويكفي في بيان ضرر الغناء أنه من أعظم مفسدات القلوب، فالغناء في القلب كالسم في الجسد، فإذا كان القرآن نور القلوب وشفاء أدوائها فالغناء ظلامها وأعظم أدوائها وهو من أيسر طرق الشيطان للاستحواذ عليها، فهو ضرة القرآن فأنى له أن يجتمع معه في قلب إنسان، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
حب الكتاب وحب ألحان الغنا … في قلب عبد ليس يجتمعان.
وهو بذرة النفاق في القلب، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: “الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع”-البيهقي في معرفة السنن:14/320-.
فأين العقول السليمة والألباب المستقيمة التي آثرت كلام الرحمن على كلام الشيطان والتغني بالقرآن على المزامير والألحان، كما أراد خالق الأكوان، ولماذا ركب الكثيرون في هذه الأزمان مركب الهوى ولهثوا خلف شهوات النفس ودعوات الشيطان، وآثروا لذة الغناء المحرم الفاني على لذة السماع الباقي في روضات الجنان، كما بشر به ربنا ذو الجلال والإكرام:” فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)”،أي: يلذذون بالسماع والغناء، فعن يحيى بن أبي كثير أنه سئل عن قول الله:(فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) قال: الحبرة: اللذة والسماع.-الطبري:20/82- وفي رواية عنه: السماع في الجنة.
فهل اللذتان تستويان لا والله:
يا لذة الفساق لست كلذة الـ … أبرار في عقل ولا قرآن.
فهذه بعض الأدلة القاطعة من القرآن والسنة وكلام سلف الأمة في تحريم الغناء.
وأخيرا، قد يقول قائل ما علاقة اسم الله السميع بالحديث عن تحريم الغنا؟
والجواب سهل لكل من تذكر ولمعاني هذا الاسم الجليل تدبر، فالله تعالى سميع يحب ويثني على أهل السماع الحسن، ويبغض ويذم أهل السماع القبيح، ولا شك أن الغنا المصاحب للآلات والألحان وكلمات الفسق والفجور والهيمان يدخل في دائر السماع المذموم، كما أن للعبد نصيب من اسم الله السميع، بأن يكون سمعه به سبحانه فلا يسمع إلا ما يرضيه جل جلاله وهذه درجة الولاية، كما جاء في حديث: “من عادى لي وليا” وفيه “فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به”( ).