آيات تفهم على غير وجهها سـورة طـــه إبراهيم الصغير

قوله تعالى:{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}18.
«أهش بها على غنمي» تفهم على أنها لزجر الغنم في الرعي، بينما معناها غير ذلك.
قال البغوي: (وأهش بها على غنمي) أضرب بها الشجرة اليابسة ليسقط ورقها فترعاه الغنم.
كما قال الشاعر:
أهُشُّ بالْعصَا على أغْنامِي *** مِنْ ناعِمِ الأرَاكِ و البَشامِ
وفي اللسان: هش: الهش أن تنثر ورق الشجر بعصا، هش الغصن يهشه هشا خبطه فألقى ورقه لغنمه، ومنه قوله عز وجل: (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) قال الفراء: أي يضرب بها الشجر اليابس، ليسقط ورقها، فترعاه غنمه.
قال أبو منصور: والقول ما قاله الفراء والأصمعي في معنى الهش.
وقال ابن كثير: (وأهش بها على غنمي) أي: أهز بها الشجرة ليسقط ورقها، لترعاه غنمي.
قال عبد الرحمن بن القاسم: عن الإمام مالك: والهش: أن يضع الرجل المحجن في الغصن، ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره، ولا يكسر العود، فهذا الهش، ولا يخبط. وكذا قال ميمون بن مهران.
وقرأ عكرمة (وأهس) بالسين غير المعجمة، أي: أزجر بها الغنم، و”الهس”: زجر الغنم.
قوله تعالى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى}22.
«بَيْضَاء» تفهم على غير وجهها.
قال الطبري: وقوله (تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) ذكر أن موسى عليه السلام كان رجلا آدم، فأدخل يده في جيبه، ثم أخرجها بيضاء من غير سوء، من غير برص، مثل الثلج، ثم ردّها، فخرجت كما كانت على لونه.
قال بن كثير، وقوله: {تخرج بيضاء من غير سوء} أي: من غير برص ولا أذى، ومن غير شين. قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، والسدي، وغيرهم.
وقال الحسن البصري: أخرجها -والله- كأنها مصباح، فعلم موسى أنه قد لقي ربه عز وجل، ولهذا قال تعالى: {لنريك من آياتنا الكبرى}.
وعند أبي السعود: وقوله تعالى {بَيْضَاء} حالٌ من الضمير فيه، وقوله تعالى: {مِنْ غَيْرِ سُوء} متعلقٌ بمحذوف هو حال من الضمير في بيضاء أي كائنةً من غير عيب وقبح، كنّي به عن البرص كما كنى بالسوءة عن العورة، لما أن الطباع تعافه وتنفر عنه، روي أنه عليه الصلاةُ والسلام كان آدمَ فأخرج يده من مُدرّعته بيضاءَ لها شُعاعٌ كشعاع الشمس تُغشّي البصر.

قوله تعالى: {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى}52.
«يَضِلُّ» ما معنى الضلال المقصود في هذه الآية؟
قال الطبري:(لا يَضِلُّ رَبِّي) يقول: لا يخطئ ربي في تدبيره وأفعاله.
قال ابن الجوزي: وفي هذه الآية توكيد للجزاء على الأعمال، والمعنى: لا يخطئ ربي ولا ينسى ما كان من أمرهم حتى يجازيهم بأعمالهم. وقيل: أراد: لم يجعل ذلك في كتاب لأنه يضل وينسى.
قال ابن عاشور: وَالضلال: الخطأ في العلم.
قال بن كثير: {لا يضل ربي ولا ينسى} أي: لا يشذ عنه شيء، ولا يفوته صغير ولا كبير، ولا ينسى شيئا، يصف علمه تعالى بأنه بكل شيء محيط، وأنه لا ينسى شيئا، تبارك وتعالى وتقدس، فإن علم المخلوق يعتريه نقصانان أحدهما: عدم الإحاطة بالشيء، والآخر نسيانه بعد علمه، فنزه نفسه عن ذلك.
قال البيضاوي: لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى والضلال أن تخطئ الشيء في مكانه فلم تهتد إليه، والنسيان أن تذهب عنه بحيث لا يخطر ببالك، وهما محالان على العالم بالذات.
قال ابن الأعرابي: أصل الضلال الغيبوبة، يقال: ضل الناسي إذا غاب عنه حفظ الشيء. قال: ومعنى: {لا يضل ربي ولا ينسى}؛ أي لا يغيب عنه شي ولا يغيب عن شيء.
قال السعدي: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى}، أي: قد أحصى أعمالهم من خير وشر، وكتبه في كتاب، وهو اللوح المحفوظ، وأحاط به علما وخبرا، فلا يضل عن شيء منها، ولا ينسى ما علمه منها.

قوله تعالى{ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}96.
«مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ» تشكل في فهمها.
قال الطبري: وقوله: (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ)؛ يقول: قبضت قبضة من أثر حافر فرس جبرائيل.
قال أبو محمد: و«الرسول» جبريل عليه السلام، و«الأثر» هو تراب تحت حافر فرسه.
قال بن عاشور: والأثر: حقيقته: ما يتركه الماشي من صورة قدمه في الرمل أو التراب…
وعلى حمل هذه الكلمات على حقائقها يتعين صرف الرسول عن المعنى المشهور، فيتعين حمله على جبريل فإنه رسول من الله إلى الأنبياء، وجمهور المفسرين على أن المراد بالرسول هنا جبريل.
والله تعالى أعلى وأعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *