الأجوبة الشافية عن الأسئلة المصيرية -10- ذ. عبد اللطيف الخيالي

إن الإسلام لم يحارب اليهودية ولا النصرانية، وإنما اعترف بهما كديانتين سماويتين. والمسلمون يجب عليهم الإيمان بنبوة موسى وعيسى وجميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام؛ لأن ذلك من أركان الإيمان بالنسبة لهم. ولابد أن نشير إلى أن أسماء كل من المسيح وموسى وداود وسليمان…عليهم السلام ذكرت عدة مرات في القرآن الكريم، مثنيا عليهم، منزها إياهم عن الرذائل والأخلاق السيئة.
– يقول سبحانه وتعالى: “تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس” [البقرة 251].
– ويقول سبحانه: “آمن الرسول بما أنزل إليه ربه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير” [البقرة 284].
إن الإسلام لا يدعو إلى عصبية أو قبيلة، بل للتعايش السلمي بين جميع البشر، ولا يتحقق ذلك إلا بالعدل والمساواة بينهم، وإعطاء كل ذي حق حقه، كما أنه لا يكره أصحاب الديانات الأخرى على ترك دينهم مصداقا لقوله تعالى: “لا إكراه في الدين” [البقرة 256]، عكس ما فعلته الكنيسة في بيت المقدس إبان الحروب الصليبية عندما ارتكبت مجزرة شنيعة قتل فيها الآلاف من المدنيين، وعند هزيمة المسلمين في الأندلس أجبرت محاكم التفتيش الناس على اعتناق المسيحية، وكان مصير من يرفض القتل أو الطرد! وما يفعله المتطرفون اليهود منذ عقود في فلسطين ليس علينا ببعيد، وما يسعون إلى تحقيقه من تهويد الأراضي المقدسة أكبر دليل على التطرف وأقوى ضربة للتعايش السلمي بين بني البشر.
الإسلام جاء لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان التي ابتدعها أو حرفها الإنسان، إلى عدل الخالق الرحمان الذي لا يظلم مثقال ذرة، القائل كما يرويه عنه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا… “1.
فإذا برجال الديانتين السماويتين اليهودية والنصرانية، المستأمنين على الدين، يظلمون دين الله وأنفسهم والبلايين من بني البشر، حيث صدوهم عن الطريق المستقيم، وزينوا لهم طريق الضلال والغواية، فكانت النتائج كارثية: حروب طاحنة تحرق الأخضر واليابس، عداوة بين بني البشر، انحطاط على مستوى القيم والأخلاق… وأخطر من ذلك، التلاعب بالمصير الدنيوي والأخروي للإنسان. لقد حاربت الكنيسة العلم واضطهدت العلماء وقتلت العديد منهم وباعت صكوك الغفران، وجعلت الناس عبيدا لرهبانها وأحبارها.
يقول الحق سبحانه: “اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون” [التوبة 31].
إن الإسلام متمم الديانات السابقة بين لنا التحريفات التي دخلت على كل منهما، وساوى بين البشر ولم يفرق بينهم إلا بالتقوى، ويدعو أتباعه للخضوع لله وحده دون سواه، وألا يخافوا في الله لومة لائم، وأن يصدعوا بالحق ولو ضد أقرب الناس إليهم.
يقول سبحانه: “الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا” [الأحزاب39].
وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”.
المبحث الثالث: دحض بعض الافتراءات ضد الإسلام.
المطلب الأول: هل انتشر الإسلام بالسيف؟
إن العديد من الغربيين ومن أبناء جلدتنا يرددون مقولة “الإسلام انتشر بالسيف!” وأن المسلمين أجبروا غيرهم على الدخول في دينهم بالقوة.
هذه الأفكار المغلوطة لم تأت عن طريق الخيال أو من خلال أحلام رأوها في منامهم، وإنما وجدوها مكتوبة في العديد من المؤلفات التي كادت للإسلام والمسلمين عندما لم تصمد في وجهه، ولم تستطع استيعاب دخول تلك الأعداد الكبيرة من أبنائها في الدين الجديد الذي اكتسح جزءا كبيرا من أوربا، فأعجب به الكثير من الغربيين أشد الإعجاب، واعتنقوه عن قناعة، واهتموا بلغته وتركوا لغاتهم… الشيء الذي أغضب العديد من رجال الدين النصارى، فلم يكن أمامهم من سبيل إلا الافتراء والبهتان على هذا الدين العظيم؛ لأن المسألة بالنسبة لهم “معركة وجود مستعلى، متسلط، ومستحكم، لا مجال فيه للندية ” وليس الهدف الرئيس من الوجود معرفة الخالق وتطبيق تعاليم دينه والدفاع عن الحق الذي يعرفونه حق المعرفة، وتبليغه للناس. على العكس من ذلك تجدهم يضللونهم كي يظلوا أتباعا مخلصين لهم، حفاظا على الكراسي والمناصب اللعينة التي أصبح ثمنها إشعال الحقد والحروب والتحكم في مصير الإنسان الدنيوي، والأخطر من ذلك الأخروي كما أشرت من قبل.
لماذا كل هذه الحروب المسعورة ضد الإسلام والمسلمين؟ حيث تمول العديد من القنوات والصحف والأقلام البئيسة كي تنشر هذه الأفكار المسمومة، وتتهم الإسلام والمسلمين بالتطرف والإرهاب… وهما بريئان براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام من كل هذه التهم. لا يمكن لدين جاء ليحقق العدل والمساواة بين الناس ويضمن لهم السعادة أن يدعو لترعيب الأبرياء، ويحرض على قتلهم ونشر الفوضى. أبدا والله، بل دعا للرحمة بجميع المخلوقات والأخوة والمحبة بين أبناء البشر.
تقول المستشرقة الألمانية “زيجريد هونكه”: على العكس من هذه المغالطة “انتشار الإسلام بحد السيف” التي تعد بلا شك من أقسى الأحكام الظالمة المسبقة الراسخة ضد الإسلام، يثبت التاريخ لنا أن الدور الحاسم في انتشار الإسلام يرجع إلى التسامح العربي2.
تضيف: كتب يقول (أوليفروس عالم الفلسفة اللاهوتية في رسالة إلى السلطان الكامل): منذ تقادم العهود، لم يسمع المرء بمثل هذا الترفق والجود، خاصة إزاء أسرى العدو اللدود، ولما شاء الله أن نكون أسراك، لم نعرفك مستبدا طاغية، ولا سيدا داهية، وإنما عرفناك أبا رحيما شملنا بالإحسان والطيبات، وعونا منقذا من كل النوائب والملمات. ومن ذا الذي يمكن أن يشك لحظة في ان مثل هذا الجود والتسامح والرحمة من عند الله… إن الرجال الذين قاتلنا آباءهم وأبناءهم وبناتهم وإخوانهم وأخواتهم وأذقناهم مر العذاب، لما غدونا أسراهم وكدنا نموت جوعا راحوا يؤثرونا على أنفسهم على ما بهم من خصاصة، وأسدوا لنا كل ما استطاعوا من إحسان، بينما كنا تحت رحمتهم لا حول لنا ولا سلطان3.
وتضيف: “لا إكراه في الدين” تلك هي كلمة القرآن الملزمة، فلم يكن الهدف أو المغزى للفتوحات العربية نشر الدين الإسلامي وإنما بسط سلطان الله في أرضه، فكان للنصراني أن يظل نصرانيا، ولليهودي أن يظل يهوديا كما كانوا من قبل، ولم يمنعهم أحد أن يِؤدوا شعائر دينهم ولم يكن أحد لينزل أذى أو ضررا بأحبارهم أو قساوستهم ومراجعهم، وبيعهم وصوامعهم وكنائسهم4.
ماذا بقي لهؤلاء وأولئك المتنطعين بعد هذه الشهادات على لسان امرأة من بني جلدة القوم؟
في موضع آخر من كتابها، تطلع علينا بهذه الشهادة التي تصعق أعداء الحق: “ولقد أخزاهم صلاح الدين مرة أخرى حين تمكن من استرداد بيت المقدس التي كان الصليبيون قد انتزعوها من قبل بعد أن سفكوا دماء أهلها في مذبحة لا تدانيها مذبحة وحشية وقسوة، فإنه لم يسفك دم سكانها من النصارى انتقاما لسفك دم المسلمين، بل إنه شملهم بمروءته وأسبغ عليهم من جوده ورحمته، ضاربا المثل في التخلق بروح الفروسية العالية. على العكس من المسلمين، لم تعرف الفروسية النصرانية أي التزام خلقي…5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- صحيح مسلم،كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم (2577)
2- زيجريد هونكه، الله ليس كذلك، ص: 40.
3- المرجع نفسه، ص: 33.
4- المرجع نفسه، ص: 34.
5- المرجع السابق، ص: 35.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *