في الحلقتين السابقتين استعرضنا العمليات والصعوبات التي واجهت غزو تادلا من قبل القوات الفرنسية التي خصتها بكلون متنوع المهام والأسلحة، وفي هذه الحلقة سنتحدث عن خسائره وتفكيكه بعد إتمام باقي عملياته.
في 10 يونيو 1913 المجموعة الأولى الموجودة على الهضاب الصخرية جنوب لقصيبة خاضت معركة ضارية لمدة ثلاث ساعات ضد الشلوح الذين نزلوا في حشد كبير من الجبا ل، تقطعات المعركة لم تكن ملائمة ولا مريحة للجنود الذين كانوا ينتظرون النجدة.
أثناء ذلك علم بقدوم مدد جديد للشلوح مكون من حوالي 3000 مقاتل، جنود الفرقة تراجعوا للخلف لجر الأعداء ثم هاجموهم بالحراب والبنادق فكبدوهم خسائر فادحة، جعلتهم يفرون للجبال، فأتاح ذلك لعناصر الفرقة النزول من الهضاب، وإنزال المدفعية المصاحبة لها، وإجلاء الجرحى والقتلى نحو السهل حيث توجد القافلة، كل ذلك تم تحت تغطية نارية مكثفة متبادلة، مما أحدث شعورا جديدا لدى الجنود المهاجمين من قبل المغاربة الذين اعتلوا بدورهم المرتفعات.
الخسائر
بدأ تكوين كلون تادلا في 26 يبراير 1913 تحت اسم كلون مراقبة بن احمد، لينتهي بالتفكك الذي بدأ في شهر يوليوز من نفس السنة، في الأربعة أشهر تلك خاض هذا الكلون 18 يوما من المعارك، بدء من معركة بير مزوي في 02 مارس لغاية معركة لقصيبة من 08 لـ10 يونيو.
وقد بلغت مجموع خسائره ما بين 560 و580 قتيلا وجريحا، فيهم 07 ضباط قتلى و17 ضابط جريح، وقد وصف هذا الكلون بأنه الأكثر والأهم قتلى، ومن نوعية عالية.
تعتبر الحرب الاستعمارية حرب غزو، وليس هناك أي سبب ضروري للعبها، فلنا متسع من الوقت لاختيار توقيتها، إنها بالطبع عديمة الجدوى بل وإجرام من في نظر البلاد لأنها رضا بتضحيات غير ضرورية وإضاعة حياة أبنائهم بغير جدوى ملزمة.
من أجل الفهم، نقول إن ارتفاع رقم هذه الخسائر يعزى لكون المغاربة خاصة الشلوح أكثر شجاعة واستماتة وأقوى تسليحا جيدا، إضافة لبعض الأخطاء مثل ما وقع يوم 15 مارس، حيث أن الفرقة الثامنة السنغالية في الجناح الأيمن بالرغم من الأمر المكتوب والشفهي المعطى لها اتخذت وضعا متباعدا أفقدها التواصل، فوقعت ضحية خداع فرسان السماعلة في السهل، فخسرت قائدها في أول المعركة حيث وثب عليهم الأعداء، وجعلوا وضعية الفوج الرابع ازواوا في المؤخرة وفوج سيمون والفوج السنغالي الاحتياطي في وضع جد حرج حيث قتل منهم 14 وجرح 19 من مجموع أقل من 900 رجل.
يوم 28 أفريل مساء، سريتان من الفوج الثامن استعمار دفع بهما للهضاب للمساعدة في مهاجمة الفوج الأبيض لم يسيروا نحو الاحتياطي الموضوع رهن إشارتهم، لسوء فهمهم الأوامر.
المفاجأة الكبرى كانت عندما هاجمنا الشلوح ليلا حيث فقدنا أكبر حصيلة، ولم ينقذنا من الإبادة سوى تدخل الكوم الذي غامر بالتدخل لرد المهاجمين وإبعادهم عنا.
تدخلات الفرسان وما لحقهم من خسائر
يوم 8 يونيو، هجوم طائش للفرسان كبدنا 21 قتيلا من الفرسان فيهم ضابطان.
يوم 26 مارس توجه مانجان لبطمة عيساوى عبر واد يقود لمعسكر موحى وحمو الزياني، بعد عدة ساعات طاردوا المغاربة وجعلوهم يتراجعون مشتتين.
في 7 أفريل بقصبة تادلا باغت فرساننا الشلوح وأيت اربوعا الموالين لموحا واسعيد وهم يجتازون بقطعانهم أم الربيع من القنطرة التي عليه، حيث اشبكت طليعة المفرزة مع المغاربة المدافعين عن القطعان وذلك على بعد ستة أو سبعة كلم من القنطرة، وبعدما تم تقطيع كل القطعان اختفى المدافعون.
أرسلت مفرزة من الفرسان من قبل منجان لمصادرة القنطرة والاستيلاء عليها وتأمينها لغاية وصول المشاة وعبورها.
يوم 10 يونيو بينما نحن في آخر اليوم نتأمل ما جرى في المعركة السابقة، وكيف انتهت، تم اقتحام الشلوح للمعسكر ورفع حصيلة خسائر وحدات المؤخرة لـ41 قتيلا فيهم ضابط و12 زواوى، لترتفع الحصيلة العامة بسرعة في وقت وجيز لحوالي مائة قتيل وما بين 150 و200 جريح، وصار في المعسكر ما بين 300 و350 رجلا خارج الخدمة.
لقد كان على القوات جلب النصر بالأقدام قبل السلاح، يوم 26 مارس في بطمة عيساوى تحرك كلون مانجان في منتصف الليل ليسير ويحارب لغاية المساء، سرايا برينت وسيمون وديشمب الذين كونوا المؤخرة دخلوا المعسكر في الخامسة مساء، بعد أن ساروا وحاربوا مدة 17 ساعة دون توقف.
يوم 8 يونيو غادر كلون منجان لقصيبة في منتصف الليل، الفوج الأول توجه لمهاجمة قصيبة موحا وسعيد محرقا ومدمرا ما في طريقه حتى وصل معسكر سيدي بن داود على السابعة مساء بعد ما سار وحارب مدة 19 ساعة بدون انقطاع.
لقد كانت القوات تبقى تحت السلاح من 12 إلى 14 ساعة في اليوم، كما تم تسجيل تبذير كبير للذخيرة دون التمكن من إحداث خسائر في الأعداء خاصة من قبل الفرسان مما استوجب إبعادهم عن المعارك.
كما تجب الإشارة لـ1200 من برطيزة (المشايعين) الذين استصحبهم مانجان والمكونين من أعداء الأمس، ولم يأتوا معه إلا للنهب وليس للقتال، ولم يكن لهم كابح ولا رادع، حيث وضعوا خلف المشاة، فكان تواجدهم مربكا للكلون.
يوم 27 أفريل قام الفرسان بمعسكر العين الزركة بعمل ذكي مستغلين النجاح المحرز من قبل الكلون المتقدم.
حركة سيدي بوبراهيم بعد الإزعاج الذي سببته لسير قواتنا من واد زيدو لعين الزركة حاولت مهاجمتنا في منتصف النها ر عندما كنا ننصب خيام المعسكر، فأمر منجان بالقيام بهجوم مضاد عنيف عليهم فتم سحقها بالمدفعية والرشاشات وملاحقة المتأخرين بحراب البنادق، وقد دعم الفرسان الهجوم من الجناح الأيسر.
بينما الكلونيل منجان يقيم خسائره، أرسل الفرسان لتجمع عصاة الشلوح المتحركين على بعد 8 أو 9 كلم والذين لم يوقفهم إلا الليل للزحف علينا.
بالمغرب الكل يصير بوجه آخر، بشكل عام باستثناء بعض الاشتباكات أيام 15 مارس و27 و28 و29 أفريل، و8 و10 يونيو حيث هاجمنا الأعداء بضراوة دون خوف من الالتحام أو الاهتمام بالخسائر.
يلاحظ أن المغربي يستعمل بشكل رائع الأرض، ويجد الوسيلة المناسبة المباشرة لتصيب طلقته هدفها، كما يجيدون التمويه والخداع، فمثلا يظهرون أنهم قوة كبيرة فنستعد لهم ونبني رمينا في اتجاه الطليعة التي يرسلونها مكونة من ثمانية أو عشرة فرسان، وما أن تفتح عليهم النيران حتى يختفوا متفرقين ويبقا الرمي على لا شيء، بينما يكونون قد تحولوا لجهة أخرى لا يطالها الرمي، وهكذا تتكرر المكايدة وتبذير الذخيرة، وبذلك يمكن لرصاصة واحدة أن تؤدي نفس الدور الذي يقوم به الرشاش، كل منهما يصيب هدفا واحدا فقط لكن بكلفة متفاوتة.
هنا يقال “من حمل بندقية يمكنه أن يضرب”، كما أن بني زمور يقولون (مدافعكم كثيرة الضجر، قد تقتل منا البعض ولكنها تخشى الخيول).
عبد الله بن جبور قائد مقاتلي بني اعمير حدثنا بأنه تحمل يوم 15 مارس طلقات 75 واستنتج أن (ما كان أكثر بشاعة هو ما كان أحسن سوء).
هجمات 15 مارس كانت عنيفة، المشاة والخيالة قتلوا على بعد 10 أمتار من خط النار، في معارك سهل تادلا المتموج وسيدي بوبراهيم ولقصيبة، حيث يتساءل من أين كان يحصل الأعداء على الذخائر الهامة، التي كانوا يتوفرون عليها، لو لم تكن خسائر السرية السنغالية مرتفعة في المعركتين السالفتين.
إن أمر التموين المتوفر بوفرة عند المغاربة المحاربين لكلون تادلا يطرح العديد من التساؤلات عن مصدره؟!
بالتأكيد، هناك التهريب الذي يتم عبر المنطقة الإسبانية، ومن سوس ويمكن من الدار البيضاء؟
قوافل كاملة من الجمال محملة بالسلاح والذخيرة في فترة المعارك، الرصاص يباع علنا (بالشواري) في الأسواق، والمغاربة يقتنونه بدء من 0,75 فرنك للطلقة الواحدة لغاية فرنك.
أيضا هم يقتصدون في الرصاص بالحفاظ على أغلفته بعد تفجيره ولا يشترون غير الكبسولة أي سدادة الرأس و(لبلم) أي الرصاصة المنطلقة، ليستعملوا الغلاف أربع أو خمس مرات في إصابة الهدف المهرة فيه، دون أن يفتقدوا ذخيرة البنادق السريعة الطلقات، والتي كانت تتوفر عند الأغنياء من الثوار المغاربة وتستعمل بكفاءة واقتصاد عاليين (انتهى بتركيز من compagne du tadla maroc fevrier 1913La juillet 1913، ليوطنا كولونيل ماجنين (Magnin)).