هل تمهِّد فرنسا لحظر النقاب بتدشين مسجد الإحسان؟ علاء أبوالعينين

دشَّنَ رئيس الوزراء الفرنسي “فرانسوا فيون” الإثنين 28-6-2010م مسجداً في ضاحية “ارجنتاي” بالعاصمة باريس، وقد تضاربت ردود الفعل تجاه هذه الخطوة -التي تُعَدُّ الأولى من نوعها لرئيس حكومة فرنسي-؛ فقد هاجمها اليمين المتطرِّفُ في فرنسا، واعتبرها “خضوعاً لضغوطِ جماعاتٍ إسلاميةٍ”، فيما رأى البعض أنَّها “محاولة واضحة لتهيئة الأجواء لتمرير قانون حظر النقاب في البلاد”، الذي يبدأ النقاش البرلماني حوله في السادس من يوليوز.

ويستوعب المسجد الجديد -الذي أُطلق عليه اسم “الإحسان”- أكثر من 2500 شخص، وتمَّ تشييده على مساحةٍ تزيد عن (8000) متر مربع، وأُقيمت له قُبة ومئذنة، وقد يكون “المسجد الأكبر في أوروبا من حيث مساحته”، حسب تصريحات عبد القادر أشبوش رئيس الجمعية التي تتولَّى مشروع بناء المسجد منذ عام 1997م.
إسلام فرنسا
ورافق “فيون” خلال فعاليات حفل تدشين مسجد الإحسان: وزير الداخلية الفرنسي بريس هورتفو، ورئيس المجلس الإسلامي للديانة الإسلامية في فرنسا محمد الموسوي، وعميد مسجد باريس دليل بوبكر، وحضر الحفل أكثر من (800) من المدعوين.
وأشاد “فيون” خلال تدشينه المسجد الإثنين بما أسماه بـ”إسلام فرنسا”، معتبراً أنَّه دين “سلم وحوار”، ودين “اعتدال” يُمارس في ظل احترام “مبادئ الجمهورية”.
ودعا مسلمي البلاد إلى التصدِّي لما وصفه بـ”التطرف”، زاعماً أنَّ النقاب أو البرقع -الذي تُريدُ حكومته حظره في الأماكن العامة- هو “انحراف عن الرسالة الدينية”، وقال رئيس الوزراء الفرنسي: “الأشخاص الذين يُخفون وجوههم بدعوى التمسُّك بالعقيدة -بِوَعْيٍ أو بدونِ وعيٍ- هم أعداء إسلام فرنسا الذي تعيشونه يومياً، والذي لا علاقة له بالتطرُّف الرافض لاندماجكم، ولتبنِّيكم مبادئ العلمانية وقِيَمَ الجمهورية؛ ولذا عليكم أنْ تكونوا في الصفوف الأمامية للتصدِّي للتطرُّف”.
هجوم وتشكيك في النوايا
من جانبها هاجمت “الجبهة الوطنية” -وهي أبرز تشكيلات اليمين المتطرِّف في فرنسا- تدشين “فيون” لمسجد الإحسان، وقال بيان للجبهة -التي يتزعمها جان ماري لوبن-: “مرَّ زمن طويل لم يدشن فيه أحد أكبر مسؤولي الدولة مكان عبادة، ويعود ذلك إلى عهد الإمبراطورية الثانية (1852م-1870م)، لكن اليوم وفي عام 2010م يُدشن رئيس الوزراء فرانسوا فيون مسجداً”.
واتَّهمت الجبهة الحكومة الفرنسية بالمساهمة فيما أسمته بـ”أسلمة فرنسا”، وبـ”الخضوع لضغوطِ جماعاتٍ إسلاميةٍ تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في فرنسا”.
في المقابل شكَّكَ آخرون في نوايا الحكومة الفرنسية من وراء خطوةِ تدشين مسجد الإحسان، ومن هؤلاء رئيس بلدية ضاحية “ارجنتاي” فيليب دوسيه -وهو من المعارضة الاشتراكية- الذي رأى فيها محاولة من قِبَلِ الحكومة لـ”تدارك خطئها السياسي بسبب إطلاقها نقاشاً بشأن الهوية الوطنية، وحظر ارتداء النقاب”.
وقال في تصريحاتٍ صحفيةٍ: “النقاش حول الهوية الوطنية أمرٌ مشروعٌ، لكن الطريقة التي قادت بها الحكومة هذا النقاش أدَّت إلى انزلاقات كلامية عنصرية”.
كما ألمح “دوسيه” إلى أنَّ خطوة “فيون” تُعَدُّ محاولة لتهيئة الأجواء لتمرير قانون حظر النقاب في البلاد قائلاً: “اليوم تُدشِّنُ الحكومة مسجداً مع اقتراب الموعد المحدَّد لمناقشة البرلمان قانون حظر النقاب، كل هذا يطرح تساؤلات حول جدِّية تحرُّك الحكومة”.
وبحسب تقريرٍ صدر عام 2004م من قِبَلِ خدمات الاستخبارات الفرنسية؛ فإنَّ عدد من يرتدين النقاب في فرنسا يصل إلى نحو (4000) امرأة، أما وزارة الداخلية الفرنسية فقد قدَّرت عدد من يرتدين النقاب في البلاد بنحو (2000) امرأة فقط.
ويحظر مشروع القانون -المطروح على البرلمان- ارتداء لباس يُخفي الوجه، ويغرِّم المخالفين بـ(150) أورو، أو يُجبرهم على تدريبٍ يسمى التدريب على قِيَمِ الجمهورية، كما يقضي بالحبس لمدة سنة وغرامة بـ(15.000) أورو على كل شخص يُجبر زوجته أو ابنته أو أخته على ارتداء النقاب.
اعتراف بالإسلام
من جانبه اعتبر رئيس المجلس الإسلامي للديانة الإسلامية محمد الموسوي أنَّ مشاركة رئيس الوزراء الفرنسي في تدشين مسجد الإحسان هي “سابقة لا مثيل لها في عهد الجمهورية الخامسة التي أعلنها الجنرال شارل ديجول عام 1958م”.
وأضاف في تصريحات لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء: “هذه الخطوة تعبير عن اعتراف الحكومة بالإسلام، وبكل رموزه في فرنسا”، وفق تعبيره.
ونوَّه رئيس المجلس الإسلامي إلى أنَّ استطلاعاً للرأي بيَّن أنَّ 40% من الفرنسيين لا يؤيِّدون بناء المساجد في بلادهم، وأنَّ حضور “فيون” اليوم “دليلٌ” على أنَّ الحكومة مصرَّة على إعطاء الإسلام المكان الذي يستحقُّه، بغضِّ النظر عن استطلاعات الرأي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *