غزو المغرب… العمليات العسكرية بين فبراير ومارس 1912 ذ. إدريس كرم

كتب الكولونيل “سونت شابيل” في مذكرته تحت عنوان “غزو المغرب” (la conquête du maroc) ما يلي:
“أعاق فصل الشتاء عمليات البوليس على طول خطوطنا مع المعادين لتواجدنا بالمغرب، وقد استغلها متمردو زمور وكروان وزعير، للهجوم على قوافلنا المارة بين الرباط ومكناس وفاس.
في نفس الوقت عاود بنو امطير وبنو وراين معاداتهم لنا حول صفرو، وقد سمح لنا تحسن الطقس في أواخر فبراير 1912 بتنظيم جولة رادعة للمعادين، حيث تكلف الجنرال “دالبيز” بحملة على ناحية الجنوب الغربي مقسمة لقسمين، انطلقتا في نفس التاريخ وهو 25 فبراير؛ الأولى من مكناس بقيادة “توبي”، والأخرى من سوق الأربعاء بقيادة “برولارد”، على أن ينضم للأخير الجنرال “ديت” ليجتمعا في تافوديت.
وقد تعرض معسكر كلون “برولارد” لهجوم من النهاب المغاربة حوالي الساعة الرابعة مساء، كما تعرض معسكر الخيالة الذي كان بعيدا عن المعسكر الأول بحوالي 400م لهجوم مماثل على الساعة الخامسة من نفس المساء، وفي الساعة التاسعة من نفس المساء تعرض المعسكر مرة أخرى لهجوم عام نجم عنه ستة جرحى، جروح إثنين منهما كانت خطيرة؛ وقد تمت المواجهة في الهجوم بالحراب، ونفس الأمر تم في المراكز الأخرى، حيث استعمل السيف في كل الهجمات التي تعرضنا لها من قبل المغاربة والتي كانت قاسية وضارية، لأن الأعداء كانوا شديدي البأس والتصميم على اقتحام منشآتنا وطردنا منها والاستيلاء على ما بأيدينا من سلاح وذخيرة.
وفي يوم 26 منه على الساعة السادسة، تبادل حراس المعسكر إطلاق النار مع مهاجمين جدد لمدة ساعة قصد إتاحة الفرصة للمعسكر لينهض ويتهيأ للدفاع عن نفسه، وأثناءها كانت نقطة لتجميع الخيول على بعد 500م قد هوجمت من قبل قوة بربرية كبيرة واستولت على عدد منها.
وقد قامت السرية الأولى لذلك المعسكر بتأمين الحماية للبطاريات التي تعاملت مع الأعداء في الروابي لكسر الهجمات التي تشن على المعسكر تباعا، وكذا تعاملت مع المهاجمين لمؤخرة قافلة الكلون في الجنوب التي يرأسها الكومندان “دهالد” المكون من ثلاث سرايا سنغالية وفصيلة صبايحية، حيث دارت معركة قاسية وعنيفة لمدة ساعتين بعد خروج مؤخرة القوات من أحد المضايق قتل فيها قائد الكلون، وبقي ليوطنا “باطاي” بين يد المهاجمين مع خمسة من السنغاليين، كما جرح عشرة جنود وضابطا صف، وقد حجبت التلال المجاورة بطريق الكلون خصوما جددا انقضوا على السرية الخلفية لمؤخرة الكلون، فوجدت نفسها منخرطة فجأة في معركة على حالة من السوء لم ينقذها منها إلا فصيلة اصبايحي هبت لنجدتها جرح على إثرها سنغاليين.
وبواد بهت على الساعة الحادية عشر والنصف كان الأعداء قد خسروا المعركة نهائيا، فتراجعوا مع منتصف النهار نحو مضايق بوعشوش، وقد دامت تلك المعركة حوالي عشرين ساعة خسرنا فيها تسعة قتلى بينهم ضابط مشاة برتبة كلونيل و33 جريحا، أما خسائر الأعداء فلم تقدر لكن كان من بينهم مجموعة من القياد المنشقين.
وفي الساعة الواحدة بعد الزوال استأنف الكلون مسيرته، وبدأ صعود مرتفعات تافوديت حيث وصل قمة المرتفع على الساعة الخامسة بعد الزوال والتقى بمفرزة الكلونيل “برولارد” على الساعة السادسة، هذا الأخير الذي كان قد خرج من سوق الأربعاء صباحا على الساعة الرابعة ووصل في الساعة السابعة أسفل تافوديت، في تلك الأثناء وجد نفسه محاصرا من عدد كبير من الأعداء المغامرين بيد أنهم تراجعوا أمام كثافة نيران المدفعية.
الكلونيل “برولارد” التقى الأعداء في معركة قاسية بزمور في سفح الجبل، وكبدهم خسائر جعلتهم يتحركون ضد قواته في حذر، ولم نخسر في تلك المواجهة سوى أربعة قتلى وستة جرحى، وقد تم إحراق كافة الدواوير المتواجدة في تافوديت من قبل قواتنا بطلقات مدفعية انتقامية.
في الثاني من مارس توجه كلون “برولارد” في اتجاه لمعازيز لمعاقبة العصاة المخالفين لنا في ناحية الجنوب الغربي لسوق الأربعاء، وقد هوجمت المفرزة المتوجهة إلى هناك في شعب أمنصار، فتم تشتيت المهاجمين بسهولة، وقد جرح لنا عنصران من النقالة.
كولون “برولارد” اجتمع في تيفلت، ثم توجه يوم التاسع من الشهر لاختراق الناحية، حيث بقي لمدة ثمانية أيام يمشط المنطقة من المعادين لوضعهم خارج دائرة إلحاق الأذى بأمن مواصلاتنا.
يوم 10 مارس هوجم الكلون المتحرك من تفليت بلمعازيز على بعد عشرين كلم منها من قبل منشقين من زمور، ودارت معركة ضارية في منطقة صعبة من الساعة العاشرة صباحا لغاية الساعة الخامسة مساء، تراجع بعدها الأعداء نحو الجنوب الشرقي في اتجاه والماس ببلاد زيان، وقد كلفتنا قتيلين و19 جريحا بينهم ثلاثة ضباط، وقد تم مطاردة المتراجعين لجبل الحَديد لمعاقبتهم، فدارت معهم هناك معركة يوم 12 مارس خسرنا فيها قتيلا وأربعة جرحى” (ص:107).
“في هذه الأثناء توصلنا بمعلومات تفيد بأن المنشقين لم يبق لديهم سلاح، وأن القائد حمو الزياني شرع في تجنيد متطوعين جدد من زيان وزمور نحو بوبلكل باتفاق مع القايد حبيب وولده عمر.
في 20 مارس تم قطع خط التلغراف بين تيفلت وسوق الأربعاء، وفي يوم 23 هاجم زمور سوق عين ميمون، وفي يوم 06 أبريل بينما كانت قافلة تجتاز نهر بهت في ظروف صعبة نظرا لوعورة الطريق، تم مهاجمتها في أكثر من مرة بجرأة وجسارة وعنف، وقد دامت هذه المعركة 14 ساعة خسرنا فيها 36 جنديا، ما بين قتيل وجريح ومختف، بينهم ضابطان قتيلان وآخران جريحان.
وبعد أيام جاءت الأخبار بحركة جديدة تضم حوالي 2000 بندقية من زيان وزمور وزعير تهدد خطوطنا تدريجيا، فخرج الجنرال “ديت” من سوق الأربعاء في 13 أبريل لمواجهة الموقف، لكن الأعداء لم ينتظروا مهاجمته لهم بل انسحبوا من طريقه، لكن المنشقين الذين لم يكونوا منزوعي السلاح كوَّنوا من جديد حركة في الجنوب الشرقي لمركز لمعازيز من أجل قتالنا.
فتوجه نحوهم الكومندار “روكيت” يوم الثاني من ماي مع 500 بندقية، حيث أدار عدة مواجهات مع مجموعات من زيان اعترضت طريقه في سفوح جبال بني حكم ليمنعهم من التقدم نحو معسكر تافوديت، وقريبا منه علم بوجود مفرزة لنا محاصرة من قبل قوة من زعير وزيان، ولم يفك حصارهم إلا بعد معركة حامية خسر فيها 17 قتيلا ومفقودا، و37 جريحا بينهم ضابط.
لقد أصبحت الوضعية شيئا فشيئا خطيرة في ناحيتنا بين مركزنا في تيفلت وسوق الأربعاء ولمعازيز ومارشال، مما يستوجب معه القيام بعملية كبرى لتأمين مواصلاتنا بين الرباط وفاس والانتهاء من مسألة زيان وزمور وزعير التي تنطلق منها الحركات من غير أن تفلح معهم معارك 29 فبراير و10 مارس و16 أبريل و2 ماي.
وفي نفس الوقت ظهر المعادون لنا بتنظيماتهم حول صفرو ناحية أيت يوسي لمهاجمتنا بيد أن المدافع ردتهم عن أعقابهم، فقد كان كلون القوات الشريفة معززا بـ1200 رجلا تحت قيادة القبطان “هركولت” قد غادر صفرو يوم 29 مارس، فهوجم يوم 30 منه من قبل البربر على بعد 10 كلم من المركز، حيث خاض معركة ضارية من الثامنة صباحا لغاية منتصف النهار، إلى أن تراجع الأعداء، ثم لوحقوا لغاية الضفة اليسرى لنهر سبو، فعسكر الكلون على بعد أربعة كلم من الوادي بعين لوطا.
وقد أحضر لصفرو حوالي 20 جريحا في الغد، كما هوجمت مفرزة أخرى من قبل الأعداء بقيادة الشريف سيدي رحو، إلا أنها تمكنت من صدهم على بعد 25 كلم جنوبا.
وفي ليلة 25 و26 ماي تعرضت فاس لهجوم عام من قبل قبائل البربر، حيث هاجموها من ثلاث جهات متزامنة؛ من باب عجيسة وشمال فاس البالي وباب الفتوح في الجنوب الشرقي؛ وقد نجح حوالي 300 من النهاب في الدخول للمدينة، حيث افترشوا المنازل والحدائق، ورفضوا التحاور قبل طلوع النهار، لكن الشريف سيدي تامدرت أحد المعتصمين بُقِر بطنه بواسطة المدفعية.
فوقع هجوم جديد على الساعة الثامنة على باب عجيسة وباب الفتوح، جعل ليوطنا “ساردون” الذي كان يدافع عن الجهة الأولى يقتحم باب الفتوح، ويخليه من المهاجمين الذي كانوا يهمون بإحراقه، ويحتله مع فصيلته.
في منتصف النهار وصلت التعزيزات، وشرع في تطهير المدينة من الأعداء، ما عدا بعض الجماعات الصغيرة المنعزلة في مخابئ، ومن أجل فرض النظام قصف المدفع مسجد الأندلس، وألقي القبض على بعض النهاب، وفر البعض الآخر تجاه واد سبو.
ويوم 28 مايو حوالي الساعة الخامسة مساء وقع هجوم جديد على المدينة، توجه نحو الحي الأوربي، فرُدّ المهاجمون بالرشاشات والفوج الرابع للقناصة.
وفي الساعة الحادية عشرة توجه فوج القناصة نحو باب الفتوح للتصدي للمهاجمين الذين تبادلوا معهم النيران قبل أن يغادروا مكان تواجدهم، وإنهاء مغامرتهم بعد وصول التعزيزات المكونة من ستة سرايا خرجت من ثكنتها في الساعة الرابعة صباحا، فلم تجد أمامها غير بعض الجثث على الأرض.
يوم 30 ماي أخبر بتجمع جديد في الناحية، كلف الكولونيل “كورو” بتشتيته، فغادر فاس في فاتح يونيو مع خمس كتائب وبطاريتان وسريتان نحو الشمال الشرقي، حيث تجمع الأعداء على بعد 10 كلم بين مرتفع زلاغ وجبل الحجرة الكحلة على الضفة اليمنى لسبو، وعلى الساعة السادسة هوجمت طلائع قواتنا فردت القوات المهاجمين لزلاغ وتوبعوا من مرتفع للآخر.
وفي الساعة العاشرة استولى الكلون على معسكر الأعداء على واد سبو وأحرق ما فيه من خيام، واستولى على خيمة قائدهم الحاج حامي وكذا ما ترك الذخيرة والخيول، وذلك في الساعة الحادية عشر والنصف.
معركة 25 و27 كلفتنا ضابطا قتيلا وستة جرحى من الضباط، وخمسة قتلى من الجنود، وثمانية جرحى، أما خسائر فاتح وثاني يونيو فكانت 12 قتيلا فيهم ضابط” (ص:112).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *