لئن كان البعض يرى أنْ لا مشاحة في الاصطلاح ولا فرق بين “الدينية” و “الإسلامية” فإنّ أولي النّهى يفقهون الفرق بين الأمرين، وأن تعديل المصطلح ليس بريئا، وأن الخوف من كل ما ينسب للإسلام دودة تسري في فكر الغرب وأتباعه، ولن يستريح لهم بال حتى ينقضوا عُرى هذا الدين، ولكن هيهات.. هيهات.. فللدين ربٌّ يحميه!!
لأن ديننا الإسلامي شجرة مثمرة، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربّها، رغم كيد الكائدين، واتهام المبطلين، ووسوسة المغرضين، فإنها توضع في قفص الاتهام، وتُرمى إفْكًا بكل السهام، وإليها يُعزى تطرف بعض الأنام.
حيثما وقع حدث إرهابي بالعالم إلا وألفيت أصابع الاتهام تتجه -قبل التحقيقات- إلى الإسلام وأهله، وقد سخّرت القوى المعادية كل آليات الهجوم لتكريس هذا الفكر، والادعاء أن الإسلام دين يحرّض على الإرهاب بتعاليمه وشعائره وتوجُّه أهله، ولهذا تسعى الجهات المسؤولة بدولنا الإسلامية إلى تقديم صكوك البراءة بكل ما أوتيت من ضعف، فتقدّم القرابين تلو الأخرى، عسى “أمريكا وأذنابها” ترضى عن ديننا، وتسمح لنا بالعيش في سلام.
ولأن نقض عُرى الأمم يبدأ بنقض مقومات بنائها، فقد صبّ أعداء الأمة جلّ مجهوداتهم على تخريب هذه المقومات ومن بينها التعليم، حيث شهدت المناهج التعليمية بالعديد من البلدان العربية سلسلة تعديلاتٍ تُصنّف في خانة الإصلاحات وما هي من الإفساد ببعيد، كما هو الحال بمصر ودول الخليج والمغرب العربي.
ففي مصر يتولى للأسف الأزهر “الشريف” كِبر تغيير المناهج الدينية وفق مخططات سياسية ترمي للانتصار للنصرانية على حساب قيمنا الإسلامية بدعوى التسامح وتعزيز ثقافة التنوع والانتصار لحرية الاعتقاد. حيث سيتمّ استبدال مادة “التربية الإسلامية” بمادة “الأخلاق والقيم” تدرّس للمسلم والنصراني معًا، لكن لا ندري هل ستكون المناهج وفق منهج “التوحيد” أم منهج “التثليث”!!
والمغرب كغيره من البلدان العربية، تتحرك به القوى المعادية للدين، مطالبة باجتثاث كل ما هو ديني من مناهج التعليم، بدعوى أنه خلية نائمة تفرّخ الإرهاب وتنشر التطرف بين العباد!! ولهذا شهدنا على فترات متباعدة تعديلات عديدة على مناهج المادة، بدأت -مثلا- بتقليص الأحزاب المقررة في دروس القرآن من حزب في كل مستوى دراسي بالمستوى الإعدادي إلى سورة بكل مستوى، مع إلغاء السيرة النبوية بالسلكين الأول والثاني.
وفوجئنا مؤخرا بإعطاء الأمر الرسمي بتعديل مناهج التربية الإسلامية، أو كما قيل “التربية الدينية”، وكَوني أستاذة لمادة التربية الإسلامية (مع وضع خطوط حمراء أسفل إسلامية)، كنتُ أطمح من وقت تعييني أن تخضع المادة لتعديلات ترقى بها إلى مصافّ المواد الأساسية، وإن كانت هي أسمى من هذه المواد، لأنّ بها تُبنى العقيدة السليمة، ومن خلالها يتعلم التلميذ المبادئ الأساس لدينه والتي يدفع بها جهله الديني، ويتّقي بها التيارات الفكرية المنحرفة.. كنتُ أتمنى أن تحظى المادة بعناية كبيرة برفع حصص تدريسها الأسبوعية بجميع الأسلاك، وكذا رفع معاملها، وتغيير مقرراتها الدراسية كما وكيفا.
اليوم ونحن نسمع بسعي الجهات الرسمية لإحداث هذا التغيير..لا ندري أنستبشر خيرا، أم لا؟
لا نعرف طبيعة التغييرات التي ستقع، وإن كان مؤشر تغيير اسمها لا ينبئ بخير، ويؤكد أن (فُوبيا الإسلام) صارت تدغدغ مسؤولينا وتدفعهم لمحاولة التعتيم على كل ما هو إسلامي.. لكن ما أعرفه أننا كأساتذة غيورين على مادتنا لن نقبل بأيّ تمييع لها أو تفريغها من ثوابتها حتى يرضى عنّا أتباع العلمانية وأرباب الفكر “المغضوب عليهم” و”الضالين”.
أما الادعاء بأن مادة التربية الإسلامية سبب أساس في تنامي الفكر المتطرف فهو إفكٌ وافتراء عظيم على الله وعلى دينه أولا، واتهام صريح لوزارة التربية الوطنية والقائمين على إعداد مناهجها ثانيا، ورميٌ بالبهتان لكل أساتذة المادة الذين يصنفون حسب هذا الفهم السقيم ضمن “الخلايا الإرهابية”.
وحسبُ المنصف أن يلقي نظرة على دروس المادة بكل مستوياتها ويطلع على محتوياتها وطبيعة الفكر الذي تنشّئ عليه التلميذ، حتّى يدرك حقيقة هذه الدعاوى الباطلة، إذْ أنّها تركز على ترسيخ قيم التسامح والتآخي والمحبة، ونبذ العنف والإرهاب، وتنمي في المسلم روح العمل الجاد وتغرس فيه القيم الإسلامية الإنسانية.
فدروس العقيدة بكل المستويات تؤكد على الأصول الثابتة في ديننا بدءا بالتوحيد وانتهاء بالإيمان بيوم البعث والجزاء، ودروس العبادات تفصل الحديث في كيفية أداء العبادات من صلاة وزكاة وحج وصيام، وسائر الوحدات ترسخ القيم الإسلامية الجميلة القائمة على التعايش الإيجابي الذي يضمن الحفاظ على الهوية الإسلامية، وتحث على احترام حقوق الإنسان وكل كائن حيّ، وترشد إلى القيم الفنية والجمالية.. فأي تطرف تحرض عليه مثل هذه الدروس؟ وأيّ إرهابٍ تدعو إليه مناهجها؟
للإرهاب منابع صارت معلومة، ومن يسيّر هذا “الدونكيشوت” أمره بيّنٌ كذلك، ولئن كان البعض يرى أنْ لا مشاحة في الاصطلاح ولا فرق بين “الدينية” و “الإسلامية” فإنّ أولي النّهى يفقهون الفرق بين الأمرين، وأن تعديل المصطلح ليس بريئا، وأن الخوف من كل ما ينسب للإسلام دودة تسري في فكر الغرب وأتباعه، ولن يستريح لهم بال حتى ينقضوا عُرى هذا الدين، ولكن هيهات.. هيهات.. فللدين ربٌّ يحميه!!
الخلل يا سادة ليس في مناهج التربية ودروسها، بل الخلل الأعظم في فهم قيمتها وأهميتها، لأن محاربة الفكر المتطرف لن تكون إلا ببسط مفاهيم الإسلام كما جاء بها نبينا صلى الله عليه وسلم، وبسط المفاهيم لن يكون إلا بالزيادة في حصص المادة الأسبوعية، وإسناد مهام تدريسها لأهلها من خريجي المعاهد والكليات الدينية. وأن تُعظم التعظيم كلّه.
الخلل في الانصياع لأفهام بعض السقام ممن يطالبون بتعديل تفسير القرآن حتى يتماشى مع التزامات الدولة والمواثيق الدولية، كمطالبة أحدهم بتجاوز تفسير ”المغضوب عليهم” و”الضالين” في سورة الفاتحين بأنهم “اليهود والنصارى”.
وكسعيهم الحثيث لإقصاء دروس السيرة النبوية والحديث عن الغزوات النبوية لأنها تحمل فكرا داعشيا.. فأي فهم سقيم حوتْ تلك العقول!!!
الخلل في سياسة التهميش والإقصاء التي يعاني منها شبابنا والتي تجعلهم فريسة سهلة لكل تيار متطرف.
الخلل في (الآخر) الذي يفرض الوصاية على شعوبنا وكأنها قاصرٌ لا تملك من أمر نفسها شيئا.
الغرب لا يغير معتقداته، ولا يُدخل تحسينات على أبجديات حياته، ولا يتنازل عن خصوصياته حتى يُعجب العالم الإسلامي. فلِمَ يصرّ بعضنا على التنازل دوما عن ثوابت دينه حتى يقبله الآخر!!!