الأستاذية السادية الحلقة الأولى: العقد الديداكتيكي امحمد بن ادريس الخوجة

كان المدرس سمينا له شارب طويل عيناه جاحظتان، يحمل محفظة جلدية متآكلة، دخل لأول مرة في الموسم الجديد إلى حجرة الدرس رفقة تلامذته الجدد، وضع المحفظة على المكتب بعنف حتى انتفضت بعض التلميذات هلعا، أخذ يبرم شاربه وهو يزمجر.
ـــ تبا لقد سئمت هذه المهنة…كم عددكم؟ رددها للمرة الثانية، ثم قال:
ــ ألا تسمعون؟ فأراد أن يجيب أحد المتعلمين، لكنه أسرع بقوله:
ــ هل أعطيتك الكلمة؟ ثم أردف لا يمكن أن يتكلم أحد، وما عليكم إلا أن ترضخوا للتعليمات والقرارات، مفهوم…
أخذ يسأل المتعلمين عن معدلاتهم خلال السنة الدراسية المنصرمة، ولما انتهى توصل إلى أن مستوى المعدلات كانت متوسطة في الغالب، فعلق قائلا:
ــ كلكم بلداء أغبياء… لا أعلم كيف انتقلتم، أنتم لا يصلح معكم إلا العصا، ولا شيء غير العصا، ثم توجه نحو السبورة وأخذ طبشورا وناوله لأحد المتعلمين، آمرا إياه أن يدون تاريخ اليوم، لكن المتعلم اعتذر، بأنه نسي اسم الشهر، فأرغد المدرس وأزبد، وهو يقول:
ــ يا لكم من كسالى، سأعاني معكم كل المعاناة هذه السنة، يا إلهي منذ أن ولجت هذه المؤسسة وأنا ألتقي بتلاميذ مخبولين مجانين…هيا بسرعة مكانك، بعدها طلب منهم أن يخبروه عن مهن آبائهم، فقال الأول:
ــ مهنة والدي إسكافي، وهي مهنة شريفة و.. و.. قاطعه المدرس، فأضاف آخر:
ــ مهنة والدي سائق، ولم يسبق له أن دهس أحدا، و.. و.. قاطعه المدرس أيضا، وطلب من آخر أن يتكلم، فقال:
ــ مهنة والدي مساعد رئيس مقاطعة، فبدت على المدرس علامة الاندهاش فأسرع إلى التعليق بالدارجة:
ـــ “واش مخزني” فضحك الجميع، لكنه ضرب بيده على السبورة صارخا:
ــ أنا أحترم أهل السلطة، وعليكم أن تحترموهم، مفهوم.
بعد ذلك، قام بتغيير أماكن المتعلمين الذين آباؤهم لهم مهن مهمة، وأجلسهم في المقاعد الأولى، فوقع الارتباك بين المتعلمين، فنادت إحدى المتعلمات المدرس، لكنه طلب منها أن تتكلم من مكانها بسرعة.
فقالت: لا يمكنني أن أجلس بجانب ولد، فأجابها ساخرا:
ـــ يا لك من غبية، إن والده رجل أمن والأمن أمر ضروري، ثم أردف، إنني أنا المدرس والآن سننطلق إلى الدرس، وكانت الحصة مدتها الزمنية ساعة، ولم يبق منها إلا ربعها، لكن فتاة أرادت أن تتكلم، وكان والدها رجلا مثقفا يساير الواقع بمستجداته، فلما رآها المدرس ملحة، سمح لها بالكلام على مضض، فقالت:
ــ ألا تعمل بالعقد الديداكتيكي، فانفجر ضاحكا، حتى كاد يلقى على ظهره، ثم سألها وما معنى ذلك؟ فأجابت:
ــ إنه أسلوب يعطي للمتعلم حقه وكينونته للمشاركة في اتخاذ القرارات بمعية المدرس، ثم صبت عليه بوابل من المعلومات المتعلقة بفوائد التعاقد الديداكتيكي، والتي لم يكن له اطلاع عليها، لكنه أصر على أن ذلك غير ممكن البتة، بحجة أنه ينتقص من هيبة الأستاذ، وصرح لها بكل قسوة بأنه لا يتبنى ذلك الأسلوب، ثم أردف قائلا:
ــ لاشك أنك ضحية البيداغوجيا الحديثة الخبيثة رغم صغر سنك، أنا المدرس والمقرر والمربي ووو هل تفهمين؟ رن الجرس، طلب من المتعلمين أن ينصرفوا على أمل اللقاء في الحصة المقبلة، بالكاد يضبط أعصابه، لقد استفزه التدخل الأخير لتلك المتعلمة، فكيف ينتقم منها؟ ذلك ما أملته عليه ساديته.
ويتبع بإذن الله..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *