نشرت أسبوعية الأيام المغربية، في عددها (712) الصادر أمس الخميس 12 ماي 2016، حوارا مطولا مع المتشيع المغربي عبدو الشكراني رئيس جمعية “رساليون تقدميون” التي يعتزم الشيعة المغاربة تأسيسها.
حوار شمل العديد من النقط المتعلقة بمساره الشخصي والحركي، وبملف الشيعة والتشيع في المغرب.
وهذا الأخير هو ما يعنينا في هذه القراءة، حيث تعمد الشكراني تمرير العديد من المغالطات في قوالب مزيفة، إثارة للموضوع ولفتا للانتباه إليه.
وهذا ما سأحاول بيانه، بالنفخ في ركام الصوف المنفوش، وتفكيك السحب التي صنعها من غبار التشكيك ودخان التشويه والتزييف، وتجلية ما تحتها من حقائق ومغالطات.
من هو عبدو الشكراني؟
عبدو الشكراني متشيع مغربي ينشط في حزب اليسار الاشتراكي الموحد.
وهو عضو مؤسس للخط الرسالي 2012، ومؤسسته (مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر)2014، ورئيس اللجنة الحقوقية للخط، ومنسق مرصده الرسالي لحقوق الإنسان 2015.
والرئيس المفترض لجمعية “رساليون تقدميون”2016، التي يعتزم الشيعة المغاربة تأسيسها.
غلاف الملف والعنوان:
بإيعاز من الشكراني الذي يريد لفت الانتباه إلى قضية التشيع في المغرب بشتى الوسائل، عن طريق الرمي بفقاعات إعلامية كبيرة هدفها إثارة زوبعة حولها مهما كانت عواقبها، وذلك في إطار خطة محكمة تريد تسريب بعض المعطيات عن المشروع الشيعي بالمغرب بقَدَر، حتى يعتاد المغاربة على هذا الموضوع ويصبح مألوفا لديهم.
جاء غلاف الملف ملغما ومثيرا، حيث ضم صورة مركبة كبيرة للمتشيع المغربي عبدو الشكراني بلباس آيات الله في إيران من درجة العمامة البيضاء الخاصة بالمعممين من غير بني هاشم، للدلالة على الارتباط الوثيق بإيران وملاليها، الذي ظل يخفيه الشكراني وراء البدلة الرسمية وربطة العنق.
كما صدر الغلاف بعنوانين كبيرين وثلاثة أخرى صغيرة توحي بموضوع الحوار.
أولهما (لأول مرة بوجه مكشوف: حوار مطول مع عبدو الشكراني رئيس أول تيار شيعي منظم في المغرب)، والأمر ليس كذلك، فهناك تيارات شيعية منظمة بالمغرب سبقت هذا التنظيم.
ففي المغرب هناك تنظيم “هيئة شيعة طنجة” الذي أصبح يسمى “هيئة الإمام محمد الشيرازي”، وهناك تيار “المواطن الرسالي”، ثم تنظيم “الخط الرسالي” الذي ينتمي إليه الشكراني.
والعنوان الأبرز، جاء بخط عريض وباللون الأصفر، (الإعلان عن تأسيس “حزب الله” مغربي)، وهو عنوان ظاهره في المرحلة الراهنة التهويل الإعلامي للفت الانتباه إلى قضية التشيع في المغرب، وباطنه حقيقة مرة مفادها أن هذا من المخططات بعيدة المدى للشيعة المغاربة، سيرا على ما رُسم لهم من خطط إيرانية توسعية رامية لتصدير التشيع تحت عباءة الثورة، واستنساخا لتجارب شيعية مماثلة كما في لبنان واليمن وغيرهما.
أما بخصوص باقي العناوين الصغيرة فسيكون الحديث عنها ضمن القراءة العامة لهذا الحوار المطول، والذي سأختار منه فقط بعض المحاور نظرا لأهميتها وخطورتها.
مرجعية الشيعة المغاربة وعلاقتهم بإيران:
قال في معرض حديثه عن مساره السياسي، واختياره لمرجعية اللبناني محمد حسين فضل الله (المعتدل المنفتح) على حد تعبيره، بأن فكر فضل الله لقي قبولا وتجاوبا من الشارع المغربي، نظرا لتقارب الأفكار والتصورات.
وهذا غير صحيح فالمغاربة كانوا ولا يزالون سنيون مالكيون، لم ولن يقبلوا في تدينهم الأفكار الوافدة الدخيلة، وفضل الله هذا الذي ينتسب إليه الشكراني لا يجيز التعبد بالمذهب المالكي الذي اختاره المغاربة وارتضوه قاطبة، حيث أجاب عن سؤال: هل يجوز التعبد في فروع الدين بالمذاهب السنية الأربعة، بما فيها المالكي؟ قائلا: «لا يجوز التعبد بأي مذهب إسلامي غير مذهب أهل البيت، عليهم السلام، لأنه المذهب الذي قامت عليه الحجة القاطعة والله الموفق» (مسائل عقائدية ص110).
وبخصوص أنه كان يدعو للوحدة، وإلى الحب والانفتاح، وعدم الإقصاء، فيكفي دليلا على بطلانها كون فضل الله الذي يلقب بـ(خميني لبنان) المؤسس الفعلي لحزب الله اللبناني، الذي صنف مؤخرا منظمة إرهابية.
وفي نفس السياق يضيف الشكراني متحدثا عن خط مرجعية اللبناني فضل الله، قائلا: (… ولذلك تبنينا هذا الخط الشيعي، ونشتغل فيه من داخل ما يسمى بالخط الرسالي الذي أسس في سنة 2012).
وهنا كذب الشكراني نفسه ونسي أنه كان ينفي التشيع عن الخط الرسالي، فقد عرف هو ورفاقه الخط الرسالي تعريفا حربائيا، كما في الميثاق الرسالي، الذي جاء فيه: يقدم «الخط الرسالي» نفسه لا كتيار «سني» أو «سلفي» أو «صوفي» أو «شيعي» أيضا، بل يقدم نفسه كتيار إسلامي منفتح على الجميع، يستوعب في صفوفه كل الأفراد من مختلف الخطوط المذهبية).
ما اقصر حبل الكذب؟
ومن هذا الأخير، جوابه عن تاريخ التحاقه بالشبيبة الإسلامية، قائلا: (التحقت بها سنة 1979)، ليوهم القراء الكرام بأنه ابن الحركة الإسلامية، وأن له تاريخا وحمولة فكرية قادته للتشيع.
بينما الشبيبة الإسلامية انحلت وماتت قبل هذا التاريخ، ربما كان ضمن خلايا شيعية لا علاقة لها بالشبيبة.
ننتقل إلى عنوان آخر: “خطنا من مرجعية حسين فضل الله وهذه علاقتنا بإيران”، حيث أظهر الشكراني جانبا كبيرا من ولائه القوي لمراجع شيعة إيرانيين ولبنانيين، فعندما تحدث عن علي خامنئي وصفه بالسيد وقال حفظه الله بعد ذكر اسمه.
وكثيرا ما يردد هو ورفاقه في الخط أنهم يتبعون المرجع اللبناني محمد حسين فضل الله، وهذا مجرد افتراء، فكيف يصرح هو نفسه بأنه علماني يساري ويتبع فضل الله الذي كان شديدا على العلمانيين، ومن بعده ابنه جعفر فضل الله.
ومباشرة بعد هذا يغالط الشكراني محاوره نافيا أن تكون إيران دولة دينية وهذا كذب واضح، فساده وعوره علم على رأسه، ولا يحتاج إلى رد أصلا، فالجميع يعرف أن إيران دولة دينية يحكمها المرشد الأعلى، ولكن التبعية تعمي وتصم.
وأيضا عندما تحدث بعدها عن جمعية “رساليون تقدميون”، وحاول أن ينفي عنها التشيع في محاولة يائسة، حيث افتضح أمر الجمعية، والكل يعرف أنها جمعية شيعية يقوم عليها شيعة الخط الرسالي ومناديبه بالمدن المغربية، لكنها مجرد تقية مرحلية حتى يتحصلوا لها على ترخيص.
الشيعة وإمارة المؤمنين:
وإلى المحور المعنون بـ”نحن والملك”، والذي لف فيه الشكراني ودار واتقى ولم يقدم إجابات واضحة عن الأسئلة التي حاصره بها محاوره.
لأن التشيع يختلف في جذوره الدينية والثوابت المؤسسة عن إمارة المؤمنين، ولأن الشيعة عندهم روايات تطعن فيمن تسمى بهذا الإسم من غير علي رضي الله عنه، وتكفره.
حيث يعتبر الشيعة حكام المسلمين جميعًا حكامًا غير شرعيين، تجوز موالاتهم ومهادنتهم مداراة وتقية، ويسعون ما أمكن إلى تغييرهم والإطاحة بهم وفق مخططات بدأت تتكشف أوراقها في العديد من البلدان في الآونة الأخيرة.
ففي كتاب “بحار الأنوار” للمجلسي عن الصادق -كذبًا وزورًا-: “كل بيعة قبل ظهور القائم عليه السلام فبيعته كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع لها والمبايع له” (ينظر ماذا تعرف عن حزب الله؟ لعلي الصادق ص117)..
ويقرر الخميني أن التحاكم إلى غير أئمة الشيعة وإلى غير فقهاء الشيعة تحاكم إلى الطاغوت، ويعتبر كل حكومة غير شيعية حكومة جائرة ظالمة، يقول في كتابه (الحكومة الإسلامية): “والله يحاسب حكام الجور وكل حكومة منحرفة من تعاليم الإسلام وبأخذهم بما كانوا يكسبون” (ص79).
فعقيدة الشيعة الإمامية الاثنى عشرية -التي صرح الشكراني بانتمائه إليها- قائمة على اعتبار أن جميع الحكومات الإسلامية من يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الساعة -عدا سنوات حكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه- حكومات غير شرعية، ولا يجوز لشيعي أن يدين لهؤلاء بالولاء والإخلاص من صميم قلبه، بل يداجيها مداجاة ويتقيها تقاة، لأنها كلها ما مضى منها وما هو قائم الآن وما سيقوم منها فيما بعد حكومات مغتصبة..
شماعة الوهابية:
للخروج من النفور الذي يعانيه هو وشيعته، لا يمل الشكراني من تكرار أسطوانة مشروخة، تعلق فشل الشيعة المغاربة وإخفاقهم في مشروعهم التبشيري بالمغرب على شماعة الوهابية، محاولا إيهام الرأي العام المغربي أن صراعهم فقط مع السلفيين ممن يسميهم بـ(الوهابية)، بينما هو أكبر من ذلك بكثير لأن المغاربة يتصدون للمد الشيعي باختلاف مشاربهم، ولا يريدون تمزيق وحدتهم التي تساهم بشكل كبير في حفظ أمنهم واستقرارهم.
وهي تهمة تكررت كثيرا في جميع البلدات التي استهدفها المد الشيعي.
الشكراني والموقف من الصحابة:
(نحن من الشيعة الإثني عشرية) جواب صريح من دون تقية، نطق به الشكراني الذي قال بأنه لا يقبل كل ما ورثه المغاربة.
ويكفي لمعرفة عقيدة هؤلاء الشيعة في الصحابة نظرة بسيطة في كتبهم:
يقول القمي: “مما يدل على إمامة أئمتنا الإثني عشر أن عائشة كافرة مستحقة للنار، وهو مستلزم لحقية مذهبنا وحقية أئمتنا الإثني عشر” (الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين؛ ص:615).
يقول الشيعي مرتضى محمد الحسيني النجفي: “إن الرسول ابتلى بأصحاب قد ارتدوا من بعد عن الدين إلا القليل” (السبعة من السلف؛ ص:7).
وقد بينا في جريدة السبيل عقيدة الشكراني ورفاقه في الصحابة في محاولات سابقة أهمها المقال المعنون بـ”موقف الشيعة المغاربة من الصحابة”.
والتي ذكرنا فيها تدوينة للشكراني على صفحته الرسمية بتاريخ 16-11-2015، يقول فيها: “منبع الإرهاب: المدرسة المسماة الصحابة”.
وفيها أيضا، تدوينة أخرى، بتاريخ 26-11-2015، يقول فيها متحدثا عن مقتل الحسين: “…قاتليك من البدو الأعراب، من بني أمية وباقي جحافل الصحابة المنافقين الذين اردتوا عن دين جدك…”.
وفي هذا الحوار أيضا طعن وتهجم على الصحابي خالد بن الوليد رضي الله عنه سيف الله المسلول.
الشيعة المغاربة وسؤال الهوية:
يصرح الشكراني “أن الكثير من شيعة المغرب هم علمانيون بصدق وليس تقية”.
وهذه حقيقة فأغلب الشيعة المغاربة علمانيون، والتيار المتدين فيهم قليل يعد على رؤوس الأصابع، وهو ما يزيد مشكلة التشيع في المغرب خطورة، إذ الأفكار والإيديولوجيات المؤسسة لهذا الفكر في غاية الخطورة.
وعن إيمان الشيعة المغاربة بحق الشواذ جنسيا يقول الشكراني: “…نحن مع الحريات الفردية ولا يمكن أن نجرم أي حرية كيفما كانت”.
وهم يتوسعون في الحريات إلا حرية انتقادهم.
شيوعيون، علمانيون، يساريون، لادينيون، خليط متنافر الأطراف تجمعه علاقات ملتبسة متداخلة، ضمن المكون الشيعي بالمغرب.
في فكيف يكون العلماني شيعيا؟ وممثلا لمدرسة أهل البيت؟
وهل كان من أهل البيت علمانيون يساريون؟
أم أن هذه العلاقة مجرد اندساس مرحلي، ما إن تتقوى شوكة المتشيعين حتى يخرجوا من جبته ويلعنوه كما لعن إمامهم الخميني حزب تؤدة اليساري والليبراليين الذين ركب عليهم حتى نجاح مهمته وتقوي شوكته ليقلب عليهم الطاولة.