بين الشافعي والشاطبي

هل أحدث الشاطبي كما يزعم العلمانيون “قطيعة إبيستمولوجية حقيقية مع طريقة الشافعي والأصوليين الذين جاؤو من بعده”؟ ([1]).

في الواقع إن “الشاطبي لا يقوم ولا يقعد ولا يقدم ولا يؤخر إلا بأمثال الجويني والغزالي وابن العربي وابن عبد السلام والقرافي”([2])، وكل العلماء الأصوليين والسلف الصالح كما ذكر الشاطبي نفسه([3])، فإذا كان الشافعي قال: “ليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها”([4]). وقال بأن استنباط الأدلة يكون إما بنص قرآني أو سنة نبوية أو ما فرض الله على خلقه من الاجتهـاد وفي طلبه([5])، فإن الشاطبي يقـول: “إن القـرآن فيه بيان كل شيء من أمور الدين” والعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة، ولا يعوزه منها شيء”([6]) “وعلى هذا لا بد في كل مسألة يراد تحصيل علمها على أكمل الوجوه أن يُلتفت إلى أصلها في القرآن”([7]).

وقال: “وأيضاً فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها المعنوية وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال وهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات” ([8])، وقال مستشهداً بقول ابن حزم: “كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في الكتاب والسنة نعلمه والحمد لله ..”([9]).

وظل الشاطبي يلح ويؤكد دائماً على أن العقل تابع للنقل بعكس ما يريد العلمانيون، أو بعكس ما يتجاهلون فيقول: “إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعاً، ويتأخر العقل فيكون تابعاً، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل”([10]). “والعقل إنما ينظر من وراء الشرع”([11]).

ويقول في الاعتصام: “فالعقل غير مستقلٍ ألبتة، ولا ينبني على غير أصل، وإنما ينبني على أصل متقدم مسلم على الإطلاق… ولا أصل مسلم إلا من طريق الوحي”([12])  “لأن العقل إذا لم يكن متبعاً للشرع لم يبق له إلا الهوى والشهوة”([13]) .

ويضيف الشاطبي “وإذا ثبت هذا وأن الأمر دائر بين الشرع والهوى تزلزلت قاعدة حكم العقل المجرد فكأن ليس للعقل في هذا الميدان مجال إلا من تحت نظر الهوى فهو إذاً اتباع للهوى بعينه في تشريع الأحكام”([14]). (المدخل المقاصدي والمناورة العلمانية، د. أحمد إدريس الطعان).
——————————
([1])  الجابري ” بنية العقل العربي ” ص 540 وانظر:  باروت “الاجتهاد: النص الواقع المصلحة”  ص 107 مناظرة  مع د.الريسوني.
([2]) د. الريسوني “الاجتهاد النص الواقع والمصلحة” ص151.
([3]) انظر:  الشاطبي “الموافقات” 1/26 . بل إن الشاطبي خلافاً لكثير من العلماء كان لا يأخذ الفقه إلا من كتب الأقدمين ولا يرى لأحدٍ أن ينظر في هذه الكتب المتأخرة . انظر: الموافقات 1 / 86 .
([4])  الإمام الشافعي “الرسالة” ص 20.
([5])  انظر: “الرسالة للإمام الشافعي” ص21 ، 22 .
([6])   الشاطبي الموافقات 3 / 333.
([7])   الشاطبي الموافقات 3 / 339.
([8])  انظر: السابق 3/331 332.
([9])  السابق 3 / 335  .
([10])  انظر: الموافقات 1 / 78  وانظر: د . طه عبد الرحمن ” تجديد المنهج في تقويم التراث ” ص 117 و انظر: عبد الإله إحسيني ” ضوابط السياسة الشرعية ” بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا – شعبة الدراسات الإسلامية – جامعة الحسن الثاني – المحمدية – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – ابن مسيك المغرب ، إشراف د: عقى النماري 1420 هـ 1999 م  .
([11])  الشاطبي الموافقات 1/36 .
([12])  الشاطبي الاعتصام 1/45 . تصحيح الشيخ محمد رشيد رضا – مطبعة المنار بمصر  لا توجد أي بيانات إضافية .
([13])  الشاطبي الاعتصام 1/50 .
([14])  الشاطبي الاعتصام  1/52-53 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *