ماذا قال القرآن الكريم عن السنة (1): نور الدين درواش

تمهيد

ظهر بعد زمن النبوة الطعن والتشكيك في حجية السنة النبوية على يد بعض الفرق المنحرفة كالجهمية والمعتزلة، فتصدى لها العلماء في بدايتها ليضعف وجودها ويقل تأثيرها.
وكان في مقدمة من تصدى لهذا الفكر الإمام الشافعي من خلال الرسالة ثم توالت الردود سواء من خلال كتب الحديث أو المعتقد أو التفسير أو الفقه أو غيرها.

ثم تجدد في الآونة الأخيرة الحديث عن السنوية النبوية والطعن في حجيتها ولزوم تحكيمها، وبخاصة في وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة وعبر الشبكة العنكبوتية وحُشر في هذا الموضوع من لا يحسنه ولا يتقن، ممن لا علاقة له بالدراسات الإسلامية ولا بالتخصصات الشرعية، ولا صلة له بالعلم..

فتجرأ كل من هب ودب على الحديث في هذا الموضوع الكبير بدون عمق في البحث ولا تمكن في العلم إنما هي شبهات المعتزلة والجهمية والمستشرقين يبتلعها المشاغبون ليلوكوها ثم يجتروها متظاهرين بالإبداع في الطرح والجدة في البحث والإتيان بما لم يأت به أحد قبلهم.

إن البشرية اليوم قاطبة تتنادى بضرورة احترام التخصص ومراعاة الأهلية في كل فن؛ فلا يتكلم في كل علم إلا أهله وهذا منهج يدافع عنه في كل مجال إلا في المجال الديني الشرعي.

فإذا ما تحدث شخص في تخصص لا يتقنه كالهندسة أو الطب أو الكيمياء أو غيرها.. أُسكِتَ وأُخرِص وقٌمع ….

فإذا كان الحديث عن السنوية أو غيرها من التخصصات الشرعية فتح المجال على مصراعية لكل متطاول أو متطفل تحت شعارات براقة كحرية الفكر والتعبير والدين للجميع ولا كهنوت في الإسلام…

إن الحديث عن السنة النبوية وهل هي حجة أم لا؟ ليس مما يرجع فيه للآراء الشخصية والأمزجة الخاصة و لكن ينبغي أن ينظر في الأمر في ضوء الأدلة الشرعية التي توصلنا إلى الجواب عن سؤال:

هل تعبدنا الله عز وجل بوجوب الاحتكام إلى السنة النبوية والرجوع إليها أم لا؟

ولما كان أكثر الطاعنين في حجية السنة النبوية لا يتجرؤون على إسقاط حجية القرآن الكريم في الجملة؛ كان مناسبا أن نجمع الآيات التي تتحدث عن السنة النبوية وان نتأمل في معانيها ومدلولاتها وهداياتها لأنها باليقين تين لنا مراد الله تجاه هذه السنة .

وتتجلى أهمية هذا الأمر في أنه يزيل الغشاوة عن كل من أَسْقَطَ هذه الحجية بناء على شبهة عرضت له أو لُبِّس بها عليه.

أما المغرض الذي لا يؤمن بالله ولا بالقرآن ولا بالنبوة وإن تظاهر بالدفاع عن القرآن والإسلام نفاقا للناس وخوفا في سهامهم فمثل هذا سيفتضح أمره إذا ما وُوجه بالأحكام القرآنية المتعلقة بالتعامل مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد عالج القرآن الكريم هذه القضية في عشرات الآيات من وجوه عدة وبأساليب مختلفة حتى قال شيخ الإسلام ذَكَرَ اللَّهُ طَاعَةَ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعَهُ فِي نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِينَ مَوْضِعًا مِنْ الْقُرْآنِ”([1]).

المبحث الأول: الأمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم وبيان أنها من طاعة الله.
قد جاء القرآن بالأمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في عشرات المواطن

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “الَّذِي نَحْنُ مَأْمُورُونَ بِهِ هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَعَلَيْنَا أَنْ نُطِيعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَمَرَنَا بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ذَكَرَ طَاعَتَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ مَوْضِعًا مِنْ كِتَابِهِ”([2]).

وقد بوب الإمام الشافعي في كتابه الرسالة: (باب ما أمر الله من طاعة رسول الله)، وساق رحمه الله من الآيات ما لا يبقى معه شك في وجوب طاعة النبي صلى الله عليه سلم، ممن استسلم لحاكمية القرآن ووقاه الله شر الهوى والشيطان.

وأما من لم يرفع بالقرآن رأسا ولم يستسلم له ولم يحكمه في عقيدته وعمله فهل ننتظر منه أن يعظم السنة النبوية ويحكمها؟؟

نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.

الآية الأولى: قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [المائدة: 92].

يأمر الله تبارك وتعالى عباده بطاعته وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فلم يكتف القرآن بالأمر بطاعة الله سبحانه وتعالى وإنما عطف عليها طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأن “طاعة الله وطاعة رسوله واحدة، فمن أطاع الله، فقد أطاع الرسول، ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله. وذلك شامل للقيام بما أمر الله به ورسوله من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة، الواجبة والمستحبة، المتعلقة بحقوق الله وحقوق خلقه والانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه كذلك.

وهذا الأمر أعم الأوامر، فإنه كما ترى يدخل فيه كل أمر ونهي، ظاهر وباطن، وقوله: {وَاحْذَرُوا} أي: من معصية الله ومعصية رسوله، فإن في ذلك الشر والخسران المبين. {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ} عما أمرتم به ونهيتم عنه. {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} وقد أدى ذلك. فإن اهتديتم فلأنفسكم، وإن أسأتم فعليها، والله هو الذي يحاسبكم، والرسول قد أدى ما عليه وما حمل به”([3]).

قال الإمام الشاطبي: “وَسَائِرُ مَا قُرِنَ فِيهِ طَاعَةُ الرَّسُولِ بِطَاعَةِ اللَّهِ؛ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ مَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ، وَطَاعَةَ الرَّسُولِ مَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ مِمَّا جَاءَ بِهِ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ؛ إِذْ لَوْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ لَكَانَ مِنْ طَاعَةِ الله”([4])

يُتبع..


([1]) – مجموع الفتاوى: (1/4)

([2]) – مجموع الفتاوى: (22/320)

([3]) – تيسير الكريم الرحمن ص:222.

([4]) – الموافقات (4/321)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *