تقنين الوقف بالمغرب من ظهير 1913 إلى مدونة الأوقاف 2010

ظل الوقف بالمغرب لعدة قرون خاضعا لقواعد الفقه الإسلامي عامة والفقه المالكي على وجه الخصوص. وهكذا ساهم علماء المغرب، بموازاة مع التراكم الكمي والنوعي من الأملاك الوقفية، برصيد فكري قانوني وشرعي مهم لإيجاد حلول لما يستجد من نوازل في تدبير الأملاك الوقفية على شكل فتاوى ورسائل.
غير أن هذه النوازل تتسم غالبا بتعدد الأقوال وتضاربها أحيانا في نفس النازلة نظرا لتشتت فقه الوقف بين كثير من الأبواب، الشيء الذي نتج عنه صعوبة رجوع القضاة إليها لاختيار الأنسب منها لما يعرض عليهم من قضايا ومنازعات. وهكذا ظهرت الحاجة إلى ضرورة تقنين أحكام الوقف منذ وقت مبكر خصوصا بعدما ابتليت بلادنا بالاستعمار الفرنسي، وخشية أن تطال يده الأحباس الإسلامية كما فعل في الجزائر.
وقد نصت معاهدة الحماية على احترام المؤسسات الدينية والأحباس الإسلامية. كما صدرت في نفس الحقبة وفي زمن قياسي العديد من النصوص القانونية المنظمة للأوقاف، غير أنها اهتمت أساسا بكل ما يتعلق بالتدبير والتصرفات الجارية على الأوقاف. غير أن جانبا من أحكام الوقف بقي خارج دائرة التقنين خصوصا كل ما يتعلق بإنشاء الوقف وأثاره وطرق إثباته، فقد نص الفصل 75 من ظهير 1915 المتعلق بالقانون المطبق على العقارات المحفظة على أن تدبير الأوقاف يبقى جاريا بمقتضى الشريعة والضوابط الخصوصية والعوائد الإسلامية، أي الإحالة على الأحكام الفقهية الراجحة والمشهورة وما جرى به العمل من مذهب الإمام مالك.
وهكذا خضع استثمار واستغلال الوقف بالمغرب لعدة ظهائر، كما سبق ذكره، أصدرها السلطان العلوي مولاي يوسف أهمها ظهير 16 شعبان 1331 الموافق ل 31 يوليوز 1913 في شأن تحسين حالة الأحباس العمومية وهو يتكون من خمسة أبواب:
الباب الأول لبيان كيفية إيجار الأراضي والعقارات الوقفية بالمزاد العلني وواجبات والتزامات المكترين وشروط الفسخ…
الباب الثاني لبيان كيفية كراء الأراضي الخالية من البناء وبعض العقارات الخراب لأجل بعيد بشرط استثمارها بالبناء أو الغرس.
الباب الثالث لتنظيم المعاوضة النقدية للأملاك الحبسية عن طريق المزاد العلني ووفق شروط خاصة مع وجوب قيام الإدارة في أقرب وقت بشراء العوض بالثمن المحصل ليكون وقفا بدل الملك المعوض.
الباب الرابع لبيان كيفية بيع الغلل والمنتوج الفلاحي
الباب الخامس لبيان بعض الأوجه التي يمكن أن تصرف فيها أموال الوقف بصفة مخصوصة.
ومنذ ذلك الحين، لم تصدر أي نصوص قانونية أخرى تنظم الأوقاف، إلا ظهير 1977 في شأن الأحباس المعقبة والمشتركة ومرسومه التطبيقي سنة 1979، الذي جاء ليعالج إشكالية الأحباس المعقبة -الذرية- التي طرحت على معظم الدول الإسلامية وأدت إلى إصدار قوانين في بعض الدول تقضي بإلغاء هذا النوع من الأوقاف. وهذا القانون يسمح بتصفية بعض الأحباس المعقبة كلما استلزمت المصلحة العامة أو مصلحة المستفيدين ذلك، وتستحق الأوقاف العامة الثلث من كل حبس تمت تصفيته.
وفي سنة 2003، وفي إطار مراجعتها لهذه التشريعات، شرعت الوزارة، بإشراك علماء الشريعة والقانون والاقتصاد، في صياغة قانون جديد على شكل مدونة جامعة لأحكام الوقف تجمع شتات التشريع الحالي، وتوفر أدوات ووسائل قانونية ورقابية عصرية تمكن من المحافظة على الوقف وإدارته وتنمية وفق أنجع الطرق وأحسن الأساليب، وفق ما أكدته الوزارة على موقعها، وقد صدر هذا القانون في الظهير الشريف رقم 1.09.236 بتاريخ 23/02/2010 المتعلق بمدونة الأوقاف.
هذا؛ وقد أعلنت الوزارة الوصية على تدبير الأوقاف أن المدونة الجديدة مكنت من توفير تشريع شامل لمختلف أنواع وجوانب الوقف، روعيت فيه أحكام الشريعة الإسلامية مع التركيز على قواعد الفقه المالكي مع استحضار التجارب الفقهية والقانونية المنظمة للوقف في بعض الدول العربية، بهدف تمكين الوقف من أدوات قانونية فاعلة ومواكبة لظروف المرحلة الراهنة ومعالجة عيوب وقصور التشريعات السابقة مع المحافظة على استقلالية الوقف وخصوصيته والامتيازات التي يحظى بها، وبهدف توفير المزيد من الحماية للأموال الموقوفة مع إحداث جهاز رقابي على شكل مجلس أعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة يتولى القيام بافتحاص سنوي لوضعية التدبير المالي للأوقاف، ويعد تقريرا سنويا بنتائجه يرفع إلى الملك. كما يتولى إبداء الرأي والاستشارة في القضايا المتعلقة بالتدبير واقتراح كل ما من شأنه تحسين أساليب تدبير الأموال الوقفية والمحافظة عليها وتنمية مداخيلها. ويتكون المجلس من ممثل للمجلس العلمي الأعلى، وعالم ممن لهم دراية بشؤون الوقف، وخبراء محاسبيين ومستشارين قانونيين وقاض من المجلس الأعلى للحسابات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *