الذنوب في هذا الشهر المبارك مضاعفة، والسبب في ذلك: أن الاصطفاء والاختصاص موجب لمضاعفة الحسنات، ومضاعفة السيئات. ودليل ذلك النصوص الدالة على عظمته، وبيان عظم الثواب فيه، ورحمة الله عباده فيه، وفتح أبواب الجنة، وغلق أبواب النيران، وتصفيد الشياطين، واختصاصه بليلة هي خير من ألف شهر، فالحسنات فيه إذن مضاعفة، وإذا ثبتت مضاعفة الحسنات فذلك دليل على مضاعفة السيئات أو تعظيمها، فالتضعيف في حال الاختصاص والاجتباء يكون في الحسنات، ويكون في السيئات.
ثم إنه قد نص الدليل على عظم الذنب في رمضان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قوما معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل دماؤهم، فسأل عنهم؟ فقيل له: “الذين يفطرون قبل تحلة صومهم” (صحيح الترغيب 1/420).
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي وقع على امرأته نهار رمضان بأعظم الكفارات، وهي كفارة القتل والظهار: عتق رقبة، فإن لم يجد، فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، وغلظ الكفارة من غلظ الذنب، وقد استوجبها لما واقع حليلته (زوجته) في نهار رمضان، في الوقت المحرم، فدلَّ هذا على أن الذنب في رمضان ليس كغيره، وإذا كان هذا التشديد والوعيد والعقوبة في حق من انتهك الشهر مع حليلته، فكيف بمن انتهكه مع حليلة جاره أو مع أجنبية لا تحل له أو مع..؟
ومهما يكن الأمر فإن المسلم المستمسك بدينه المعتصم بحبل الله تعالى المتين لن يضل في معرفة الحلال والحرام، فثمة من يبين له حكم الله بصدق، فهذا شاهد، وشاهد آخر يجده في نفسه، مهما اختلف الناس، مهما كثر المتحايلون، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: “والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس”، فالفطرة الصحيحة والقلب السليم يدل صاحبه على الحق مهما تنازع الناس، فالحلال بيّن، والحرام بيّن، والحق أبلج، والباطل لجلج، والسنة جلية لا يزيغ بعدها إلا هالك.