هل يريد المهربون الدينيون منع المغاربة من الحق في الحياة؟ أم هو لبس للحق بالباطل؟ أبو أحمد ناصر عبد الغفور

قال تعالى حكاية عن إبليس الرجيم: “فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ”، “ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ”.

أقسم وتوعد بإغواء بني آدم وإضلالهم، فهذه مهمته ليس له مهمة غيرها، ولذكائه وخبرته الطويلة في الإغواء فقد اتخذ جنودا وأعوانا، ولم يكتف بجنود من جنسه بل اختار جنودا من الإنس -شياطين الإنس- كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة رضي الله عنه: “دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها”، قال حذيفة رضي الله عنه: يا رسول صفهم لنا، قال: “هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا” (متفق عليه) وفي رواية: “وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس”.
يقول الشيخ سليم الهلالي في كتابه -لماذا اخترت المنهج السلفي-: “لكيلا تستيقظ الأمة الإسلامية على وخز الإبر السامة المحقونة بالجراثيم الفاتكة التي تغرز في جسمها، وإمعانا في تضليلها وتعتيم الأمور عليها، وحجب الحقائق عن بصرها، فقد قام أئمة الكفر بإقامة مصانع داخلية، لإفراز سمومهم من الداخل فلا تظهر أعراض المرض الخبيث إلا بعد مدة طويلة، وحينئذ يَستعصي على الطبيب ويُحير اللبيب.
هذه المصانع التي تردد ما يلقى في سمعها من أعداء الله، وتفرز ما يحقنه بها أئمة يهدون إلى النار هي من جلدتنا، وتتكلم بلغتنا، وتزعم الحرص على أمتنا، والعمل على بعث حضارتنا.
ولذلك، فإن الذين غرسوا هذه الجراثيم في جسم الأمة الإسلامية هم من أبنائها.
ولكن الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم لم يترك في الأمر لبسا، فقد بينه بوحي من الله ولم يترك حدسا.
ففي حديث حذيفة وصف لهؤلاء النفر الذين صنعهم أئمة الكفر على أعينهم، وغذوهم بلبانهم…” اهـ.
قلت: إني والله، لأجد هذه الأوصاف تنطبق على العلمانيين الدعاة إلى كل رذيلة والصادُّون عن كل حميدة، أفكارهم انتشرت بين العباد انتشار السم في الأجساد.
وللأسف الشديد، بلدنا المغرب الذي اتخذ الإسلام دينا والقرآن نبراسا والبيت الحرام قبلة كان من ضحايا هذا الغزو الكاسح للعلمانيين الذين ما تركوا منبرا من المنابر إلا اعتلوه، فهذه قناة M”2″ قد اكتسحت بيوت المغاربة فأفقدت الغيرة من القلوب وزينت الرذيلة في النفوس..، وهذه جريدة “الأحداث” جعلت شباب الأمة بل حتى كهولها يلهفون خلف الشهوات بدون أدنى مسؤولية أو إحساس: فهذا ركن “من القلب إلى القلب”، وهذا “منتدى الأحداث”،…أركان شتى، منها من اختص في إلقاء الشبهات ومنها من تفنن في تزيين الشهوات والتنفير عن صراط رب العباد.
وهذا نموذج من منتدى الأحداث نقف معه في هذه السطور.
“حضور المهرجانات أحسن جواب على نداءات المهربين الدينين”: عنوان مقال لعبد اللطيف جبرو، أحد دعائم جريدة “الأحداث” التي خصصت له حيزا شبه يومي للدعوة إلى أفكاره العلمانية.
يقول في مقال نشر في العدد 3060:
“الصويرة هذه الأيام كغيرها من المدن.. أيام صيف المهرجانات الموسيقية والسهرات الفنية والتظاهرات الثقافية، تؤكد حقيقة من حقائق المغرب وهي أن الشعب المغربي يؤمن بالله ورسوله ويؤمن كذلك بنعمة الحياة التي وهبها الله خالقنا عز وجل.
الحياة هي أن نعبد الله وأن لا نحرم أنفسنا من متعة الحياة، والموسيقى نعمة ومتعة وفن من الفنون تساعد على تهدئة الأعصاب.. ولكن المهربين الدينيين يريدون منع المغاربة من الحق في الحياة وممارسة هذا الحق كما يحلو لهم..” اهـ.
يا له من تفنن في لبس الحق بالباطل!
هل التشبث بالموسيقى والأنغام والمهرجانات والسهرات الماجنة هي علامة التشبث بنعمة الحياة التي وهبها الله جل وعلا؟
وكيف يمكن أن تجتمع عبودية وإيمان بالله ورسوله وإيمان بنعمة الحياة على مفهوم العلمانيين في قلب واحد، قال تعالى: “مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ” الأحزاب.
لا ريب أن للإيمان مفهوم خاص عند بني علمان، فالذي عليه علماء المسلمين قاطبة، إلا ما شذ في مسمى الإيمان، أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان، يزيد بطاعة الرحمن وينقص بطاعة الشيطان. وأما العبادة فتذلل لله جل وعلا بفعل أوامره واجتناب نواهيه محبة وتعظيما.
فكيف يمكن فهم كلام هذا الدعي على ضوء هذين التعريفين سوى أنه تعمية وتضليل وقلب للحقائق وطمس للحق؟
فهذا كتاب ربنا وهذه سنة نبينا وهذه أقوال سلفنا كلها مليئة بالنصوص التي لا تحتمل أدنى تأويل في تحريم الموسيقى والغناء والرقص والعري.. ورغم ذلك يكابر العلمانيون بقولهم إن التشبث بهذه المحرمات رمز للتشبث بنعمة الحياة.
وبيانا للحق وطمسا للباطل وكشفا لتلبيس العلمانيين في هذا المجال، رأيت أن أخصص حيزا من مقالي لبيان حكم الغناء والموسيقى والمعازف، لعل الله ينفع به.
إن مما يحزن الفؤاد ما نراه منتشرا بين الأمة من آلات اللهو والطرب والغناء، في البيوت والأسواق والشوارع والطرقات.
وفي فصل الصيف تزيد حمى الغناء والسهرات، فتجد المدن تتنافس أيما تنافس في إقامة المهرجانات والحفلات منفقة في ذلك الأموال الطائلة.
فهذه مدينة الصويرة وهذه المحمدية وهذه السعيدية وأصيلة…كلها تصير في هذه الأيام محطات -فنية- بمفهوم العلمانيين: موسيقى صاخبة، أغاني ماجنة، رقص وشطح وكل ما يغضب الرب.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه القيم “إغاثة اللهفان”: “ومن مكايد عدو الله ومصايده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماع المكاء والتصدية، والغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة، وحسنه لها مكرا وغرورا، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه فقبلت وحيه، واتخذت لأجله القرآن مهجورا..” اهـ.

من الأدلة على تحريم الموسيقى والغناء:
من الكتاب:
1- قال تعالى: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ” لقمان.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: “لما ذكر الله تعالى حال السعداء، وهم الذين يهتدون بكتاب الله، وينتفعون بسماعه، عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب كما قال ابن مسعود: هو والله الغناء، قال الحسن البصري: نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير..”.
وقال الواحدي وغيره: “أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناء.. لأنه يلهي عن ذكر الله تعالى”.
من السنة:
1- عن جابر رضي الله عنه قال: “خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن عوف إلى النخل، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجره، ففاضت عيناه، فقال عبد الرحمن: أتبكي وأنت تنهى الناس؟ قال: إني لم أنه عن البكاء، وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة: لهو، ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة: خمش وجوه، وشق جيوب…” الترمذي.
2- عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحرَ والحرير والخمر والمعازف…” البخاري.
ويستفاد من خلال هذا الحديث تحريم الغناء بالمعازف من وجهين:
– قوله صلى الله عليه وسلم: يستحلون.
– وإقرانه له بما هو معلوم من الدين بالضرورة أنه محرم كالخمر والحِرَ أي: الزنا.
فهذه بعض الأدلة القاطعة من القرآن والسنة وكلام سلف الأمة في تحريم الغناء. فهل بعد هذا كله، يمكن أن ينطلي على عاقل قول العلمانيين بأن الإقبال على المهرجانات والغناء والسهرات هو تشبث بالحياة كما وهبها رب الأرض والسموات؟
ولا يسعني في الختام إلا أن أقول كما قال ربنا جل شأنه: “وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً، أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *