عملية واد امحاسر (25 نونبر 1912) ذ. إدريس كرم

نواصل نشر تقرير “منجان” في جولات غزوه لحوز مراكش وما لاقته قواته من مقاومة والفظائع الذي اعترف بارتكاب قواته لها أثناء ذلك.
واصلت القوات طريقها في بلاد السراغنة باتجاه القلعة حيث حلت بسوق حد فرياطة يوم 24 دون حوادث تذكر، في الليل وصلت معلومات بأن حركة قد تكونت ويزداد عددها وهي متجهة لدمنات لمعاقبة الدواوير التي استقبلت الفرنسيين يرأسها سي احمد بن العباس مقدم زاوية تامرملت الكلونيل منجان قرر اعتراضها من أجل تثبيت سلطاتنا في المنطقة.
لم يكن يتوفر للكولون من المؤونة سوى ما هو احتياطي، قافلة تموين طازجة لسبعة أيام قدمت من مراكش تنتظر في القلعة يوم 25، بسبب ذلك توجهت مفرزة بقيادة الكومندار منهوفن من الفوج السابع السنغالي وفصيلة 65 على وجه السرعة للقلعة لمرافقة القافلة المنتظرة بها كي تتوجه عند القوات الرئيسية في الجبهة والتي توجد تحت قيادة “منجان” والتي غادرت سوق حد فرياطا على الساعة السادسة والنصف صباحا نحو دمنات عن طريق اولاد خلوفا حيث ستصل الحركة المعادية.
في الساعة الحادية عشر أفادت الاستعلامات بأن الأعداء أكدوا على أن الحركة ستتوجه نحو تاودانوس على بعد أربع كلمترات من المدينة، الكولون مال نحو مشرع واد امحاسر (أربع كلم غرب تاودانوس) فاجتازه على الساعة 13 تحت حماية الخيالة الذين اتخذوا مواقعهم على الضفة اليمنى والفصيلة 75 التي كانت تراقب الضفة الأخرى.
شوهد الأعداء على المرتفعات يراقبوننا شرق ضريح الولي سيدي يحيى، بطرية بايير وفصيلة 65 اجتازوا المشرع بسرعة وأطلقوا النار عليهم من مسافة 3000م على الساعة 13و30 فتشتتوا مما جعل الكولون يواصل طريقه لاحتلال المرتفعات التي كانوا عليها بعد انجلائهم عنها وذلك من خلال الخيالة والمفرزة السنغالية الراكبة حيث تمركزوا على ربوة سيدي يحيى لتتبعهم باقي القوات في سرعة كبيرة لقطع الأمل عن الأعداء في الرجوع لها رغم عوائق سيول واد لخضر التي عرقلت حركتهم.
في الساعة 14 طوق الفرسان قمة الربوة فصيلة 65 المرافقة أطلقت النار على تجمعات الأعداء في الساعة 14و45 الذين فاجئوها في الوادي في اتجاه سوق الخميس، بطارية 75 بيير نجحت بصعوبة بالغة في اختراق روافد واد لخضر واستقر على الجانب الأيمن للفصيلة 65 فاتحة النار طبعا على الأعداء من موقعها لتأمينه.
ازواوى وسريتين جزائريتين حلوا مكان فصيلة 75 كوجون مع سرية جزائرية كإسناد بقيت في الخلف على الضفة الأخرى تحسبا لأي طارئ.
بعد إطلاق قذائف مدفعية ذات انفجارات مرعبة على المشاة المجتمعين بربوة صخرية في منحدر كونتيتي، المفرزة تراجعت على الساعة 16و30 لواد امحاسير حيث ليوطنا كولونيل جوزيف أقام معسكرا هناك.
العملية لم تكلفنا خسائر بشرية الذخيرة المستهلكة 280 قنبلة.
معركة جمعة انتيفة 27 نونبر 1912
يوم 26 نونبر مر بمعسكر واد امحاسر تم الاستيلاء على الشعير من الدواوير المجاورة قافلة التموين توجهت لدمنات لإحضار المؤونة تحت حماية مفرزة تمركزت على طول الطريق بين المعسكر والمدينة عبر مرتفعات تاودانو.
الكومندار مانهوفن أحضر قافلة التموين المنتظرة بالقلعة قوة الحماية كانت كبيرة مكونة من فرقة الكوم الثانية المختلطة ليوطنا كاريط القادم من بن اكرير.
الأعداء على ضوء نيران على المرتفعات في ليلة 25 و26 اختفوا تماما ليلة 26 بعدما وصلتهم إمدادات كبيرة وصلت 6000 رجل فيهم 1000 فارس توزعوا على مجموعتين في سكورة وسوق لخميس تأهبا لمهاجمة المعسكر في ليلة 26 و27 أي في بحر يوم 27.
الوضعية الموجودة كانت تفرض علينا الذهاب لمنازلة الحركة من أجل إبعادها عن دمنات باعتبارها أهم بروز في منطقة حركتنا ومفترق طرق هام وأساسي بالنسبة لتحركاتنا المختلفة إذ يستحيل التوجه للجبال في بلاد هي مؤقتا خارج سيطرتنا للقيام بعمليات بها.
قائد الكولون وضع كحد للعمليات في بلاد انتيفة واد لخضر، بدأنا نتصور أنه قد تكون هناك ضربة قوية تجعلنا نفاجأ بوجوب تراجعنا للخلف، فالحشد الكبير للأعداء لا يظهر كجماعة ملتحمة بل ينتشر في تجمعات بالدواوير والقصبات، إذ الكل فيها يقاتل من مكانه ضد كل نقطة ثابتة يصدر منها إطلاق النار.
لقد كون هذا المعطى امتحانا صعبا لقيادة الكولون الذي وجه للسراغنة عبر مناطق معادية لفخذات السراغنة التي ارتدت عن خضوعها لنا والتحقوا بالأعداء على طول سفوح الجبال وحاولوا تحريض سكان السهل على تكوين حركة لمقاتلتنا.
الأعداء انهزموا وبالإمكان تكرار هزمهم وتنشيط شعورهم باليأس ودفعهم نحو الجبل لمحاصرتهم واحتلال مركز الجماعة الذي تم إنشاؤه في 1885، وذلك من أجل السير في سهل واد لخضر لاختراق أراضي قبيلة السراغنة من سوق الجمعة لعنابرة حيث المعسكر المقام يوم 24.
هذه الحركة تتيح لنا اختراق نيران الأعداء عبر النهر المحفوف بحافة صعبة تتيح الفرصة للأعداء كي يشنوا علينا هجمات سهلة وهو ما تلخصه برقية رقم 26 نونبر 1912 بعثت للدار البيضاء من طرف قائد الكولون جاء بها.
(لا أستطيع مغادرة الناحية دون القضاء على هذه الحركة، أنا لا أستطيع محاربتها على الضفة اليمنى لواد لخضر دون أن يظهر مواطنونا للعيان وهم خارجون للدفاع عن مواقعهم المقترحة مما يدفعني لتطوير الهجوم ضد الأعداء حتى النهاية.
سأحاول يومي 27 و28 العمل داخل حدود دمنات والسراغنة بشكل يمكنني من الهجوم والرمي بعد ذلك بالقنابل على الخصوم لجعل عقابهم عبرة لغيرهم ونموذجا لما يمكن أن يتعرض له من يكرهنا ويناصبنا العداء والحرب ثم بعد ذلك أعود سريعا للقلعة).
ليلة 26 و27 مرت دون حوادث يوم 27 على الساعة السادسة صباحا أخذ الكولون طريقه تحت الأوامر التالية.
الفرسان المساعدون ما بين (600 و700 كلولي مسفيوة اسراغنة الرحامنة)، الكوم الفرسان فوج الاستعمار مدفعية 65 فوج الجزائريين فوج السنغاليين مانهوف المدفعية المحمولة فوج ازواوا وأخيرا فوج السنغاليين المكلف بحراسة القافلة، في التاسعة والنصف وصل الكولون لسيدي ادريس حيث دارت معركة يوم 23.
من المرتفعات لوحظت الحركة في الجنوب الشرقي بالجبل الموازي للاتجاه الذي يسير فيه الكولون كانت الأعداد تتكاثر، اجتاز الكولون بسرعة واد لخضر على الساعة العاشرة والنصف من غير أن يعترض من قبل الحركة.
فورا تم تقسيم الكولون لمجموعتين الأولى على اليمين تحت قيادة ليوطنا كلونيل جوزيف تتكون من فوج الاستعمار فوج الجزائريين فوج السنغاليين خيالة الكوم مدفعية الجبال والبادية أقل من فصيلة 75 كوجون والثانية على اليسار جهة الأعداء تحت قيادة ليوطنا كلونيل صافي مكونة من فوج ازواوا فوج السنغال المصاحب للقافلة وفصيلة 75 كوجون فرسان برطيزة في المقدمة.
في الساعة العاشرة والربع كان الأعداء يتجمعون على كديات مكون شرق تواجد الكولون وكان عددهم كثير يدل عليه صخبهم الذي كنا نسمعه بوضوح عند وصول الكولون بقسميه لضريح الولي سيدي علي بن عثمان فتبادلا المراكز وغيرا اتجاه سيرهما نحو اليمين للالتفاف على المرتفع البارز نحو شمال كديات مكون.
في الساعة 13 شرع الأعداء في النزول من أماكن تواجدهم وإطلاق النار على قواتنا الذين صبروا عليها لمزيد من استدراجهم للاقتراب بمواصلة سيرهم من غير توقف ولا مبالاة.
تعليمات المعركة التي سيخوضها كولون اليمين يجب أن تكون تدريجيا: الكوم في الأسفل كتيبة الاستعمار في الخط الأول كتيبة الجزائريين في الخط الموالي.
في الساعة 13و45 اتخذت بطاريتا 75و65 بسرعة مواقعهما قبالة كديات مكون وفتحوا النار من بعد 1800م على من فيها من الأعداء وفرسانهم الذين كانوا مستفزين من عدم ردنا على مصادر نيرانهم فواصلوا الرمي لأسفل المنحدرات التي تحتهم ومحدثين جلبة وصياحا يتعاظم مع تحركاتهم ورميهم.
فصيلتا الرشاشات الاستعارية والجزائريين وسرية المدفعية أمروا بالرمي من قرب في اتجاه أعلى المنحدر، وقد دامت المعركة ما يقرب من ساعة، إثرها أعطيت الأوامر لمشاة القبائل الموضوعين على الجناح الأيمن بالتقدم.
لقد ألحقت القنابل الفتاكة المتفجرة في صفوف الأعداء خسائر فادحة في جموعهم وإحباطا تاما لمعنوياتهم حيث تشتت من بقي حيا ليواصل الكولون خطواته للأمام نحو جمعة انتيفة حيث ترى بساتين أشجار زيتون الدواوير على بعد 200م إلى الشرق وكان بداية التحرك ذاك على الساعة 15و20 من قبل كل القوات بعدما كُون مفرزتين لخفرها من الجانبين الأولى الكتيبة السادسة السنغالية بقيادة الكومندار بيلانجي وفصيلة 65 و300 من برطيزة راكبة وجميع فرسان اصبيحي القناصة من أجل الاستيلاء على الكديات التي كان يسيطر عليها الأعداء قبل المعركة والممتدة نحو جمعة انتيفة.
استمرت القوات في إطلاق النار على المجموعات النازلة للمنحدرات للقتال أو الهاربة نحو بساتين زيتون جمعة انتيفة، زواوا الموجودين على اليسار وجزء من المدفعية نصبوا بطاريات المدفعية وبدأوا رمي هضاب الجهة اليمنى من أجل تسهيل عملية الاحتلال.
في الساعة 16 تسلقت مفرزة بعناء شديد مندر أحد المرتفعات تحت وابل نيران الأعداء لتطويق المرتفع وإزاحتهم عن طريق رمي قريب، السنغاليين استعملوا ضدهم الحراب والسيوف وجها لوجه وبمساعدة المدفعية والرشاشات تراجع الأعداء نحو الجنوب والشرق لتبدأ القوات في صعود المرتفعات المطلة على شمال المدينة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *