الصراع اليوم في كل البلدان الإسلامية صراع بين العلمانيين والإسلاميين، ويعتبر إسلاميا: كل إنسان يعتقد أن المجتمعات الإسلامية ملزمة بالرجوع إلى الإسلام فهمًا وتطبيقا، ويدعو إلى ذلك سواء من خلال العمل الجمعوي أو الحزبي.
ويعتبر علمانيا من يعتقد أن الإسلام متجاوز التطبيق مستحيل الرجوع، وأن على المجتمعات والحكومات في البلدان المسلمة أن تتبنى الديمقراطية وحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا وإن خالفت تعاليم الإسلام وشريعته.
ولأن الإسلام والعلمانية نقيضان، فلا بد أن يصطدما على مجموعة من المستويات، ويتصارعا صراع وجود.
وفي بلاد المغرب على المستوى السياسي بلغ الصراع الوجودي أوجه واتخذ عدة مظاهر فجة، تمثلت أقواها في المسيرة المتخلى عنها، حيث دخلت السلطة والدولة على الخط، لأجل ترجيح كفة الصراع لفائدة العلمانيين، مما يؤكد ما كانت بدأته قبل الربيع العربي من اعتقالات وتعسفات في حق الإسلاميين.
السلطة وعلمانيي مناهضة الإرهاب وحركة ضمير وحزب التحكم وفلول الاشتراكيين المتسلطة على حزب الوردة الذابلة، يقفون جبهة للحد من اكتساح الإسلاميين للمشهد السياسي، رغم انعدام أي تجاوب من طرف المواطنين.
الخطير في هذا الصراع هو موقف الدولة الذي بدا واضحا في تصرفات القياد ورؤساء الدوائر والباشوات والعمال، وضلوع هؤلاء في عملية تجييش المواطنين ضد حزب العدالة والتنمية، حيث يعطي الانطباع لدى المواطن المغربي أن الدولة تدعم العلمانية والعلمانيين الأمر الذي سيفقد الثقة في سلطتها ونفوذها، ويخل بالمصداقية والحيادية التي اكتسبتها في الانتخابات البرلمانية السابقة، فهل ستكون هاته المصداقية والحيادية من مقتضيات إنجاح الاستثناء المغربي فقط؟
وهل يمكن اعتبار تحركات الإدارة والسلطة لصالح الأحزاب الإدارية وعلى رأسها البام، بمثابة ثورة مضادة على الاستثناء المغربي، على غرار ما شهدته دول ثورات الربيع؟
هذا ما ستؤكده وقائع استحقاقات يوم الجمعة المقبلة.
لكن المعطيات على أرض الواقع تبعث على الخوف، وتجعل أيدي المغاربة على قلوبهم وأعينهم تترقب مرور الأيام حتى يطمئنوا على مستقبل بلادهم و سلامة مشهدهم السياسي من العبث واللعب القذر.
هذا المشهد السياسي الذي أخرجه الاستثناء المغربي من مهاترات وتلاعبات الفاعلين السياسيين، ليجد طريقه إلى الإصلاح ولو بخطى بطيئة يغلب عليها الإعياء والسقوط، نظرا للمقاومة الشرسة التي أبدتها القوى المسيطرة على دواليب الشأن السياسي.
من المتفهَّم أن يمانع المستفيدون من السلطة ويقاوموا الإصلاح، لأن ثرواتهم لا يمكن أن تنمو في جو صالح تتكافؤ فيه الفرص بين الجميع، ويخضع فيه الكل لقوة القانون وسلطته، دون ممارسة النفوذ والقوّة اللذين يخولهما القرب من مركز القرار الأقوى في البلاد.
إن الحقيقة التي يؤمن بها كل من له دراية أو علم بالمشهد السياسي المغربي، هي إيمان جميع المغاربة بإفلاس كل الأحزاب السياسية وفسادها، خصوصا تلك التي مارست السلطة وحكمت المغرب لعقود من الزمن، فلم يبق إلا حزب العدالة والتنمية التي تتضافر الجهود لشيطنته حتى لا يستحوذ على أصوات الناخبين، تلك الشيطنة التي امتدت لخمس سنوات، تخللتها بهلوانيات شباط ومزوار، والتي استنزفت نصف عمر الولاية المنتهية.
لكن المذهل هو أن ينتقل الصراع حول السلطة والمال من الحلبة السياسية إلى الحلبة الفكرية الإيديولوجية، ليقحم العلمانيون الدين والإسلام في التنافس الانتخابي، حيث نرى زعماء الأحزاب العلمانية يرفعون شعارات من قبيل: “لا لاستعمال الدين في السياسة”، “لا لأسلمة الدولة”، محاولين التأثير على الناخبين، غير مستوعبين حقيقة مفادها أن أغلبية الشعب المغربي لا يفصل بين الدين والسياسة، خصوصا وهم يَرَوْن الدولة تمزج بينهما، من خلال الوظائف التي تمارسها مؤسسة إمارة المؤمنين.
ورغم كل التلبيسات فالمعلوم واقعا أن حزب العدالة والتنمية يصرح قادتُه مرارا أنه ليس حزبا إسلامية، ويُصدِّق ذلك أن كل مطالبه لا علاقة لها بالشأن الديني الذي يعتبرونه في حزبهم وحكومتهم شأنا خاصا بأمير المؤمنين، بل خلال الخمس سنوات الفارطة تجنبوا كل انتقاد لوزارة الأوقاف رغم الحيف الذي ترتكبه ضد الخطباء بعزلهم وتوبيخهم، ورغم سكوتهم المطبق اتجاه انحياز وزارة الشؤون الإسلامية السافر إلى صف العلمانيين وتلبيتها لمطالبهم، الأمر الذي يجر على الحزب انتقادات كثيرة خصوصا من طرف باقي التيارات الإسلامية، ورغم ذلك كله يتهمون بأسلمة المجتمع وأخونة الدولة.
فأين تكمن هذه الأسلمة أو تلك الأخونة؟؟؟
صحيح أن مرجعية الحزب إسلامية هوياتية، لكن ممارسته للسياسة هي ممارسة تخضع بصرامة لمقتضيات الشأن الحزبي التي تفرض على زعماء وقادة الأحزاب ألا يؤسسوا أحزابهم على أساس ديني.
إن الأسلمة عند العلمانيين تعني رجوع المجتمع المغربي إلى منظومة القيم الإسلامية السامية التي بنى الإسلام عليها شريعته، والتي إذا ما عمت المجتمع تطورت مطالبه لتشمل نبذ العلمانية وإقامة الشريعة، الأمر الذي يراه العلمانيون خطرا على وجودهم ومصالحهم، لهذا يلتقون مع الغرب في حرب التيارات الإسلامية ومفاهيم الدين وأحكام الشريعة ويعتبرونها تطرفا مخالفا لقيم “الديمقراطية وحقوق الإنسان”، لا يلبث أن يفضي إلى الإرهاب في نظرهم.
والعجيب أن المغرر بهم في المسيرة المتخلى عنها رفعوا نفس الشعارات، وعندما سئلوا صرح معظمهم أن الذي كتبها هم المسؤولون من شيوخ ومقدمين ورؤساء جماعات ومقاطعات، الأمر الذي يؤكد أن السلطة والأحزاب تستهدف تقليص المساحة التي يطمح حزب العدالة والتنمية إلى حيازتها في الاستحقاقات المقبلة، خصوصا وأنه لأول مرة يغطي كل الدوائر الانتخابية على طول وعرض المملكة.
لا شك أن اكتساحه للمشهد السياسي يصيب خصومه بالرعب، لا سيما عندما تطغى على حساباتهم وتقاريرهم فرضية حصول العدالة والتنمية على الأغلبيّة، ويكادون يرونها واقعة لا محالة بعد أيام قلائل، إذا لم تتدخل القوى الخفية والظاهرة لاستمالة الناخبين حتى يصوتوا على حزب البام، أو على الأقل يصوتوا على أي حزب سوى حزب العدالة والتنمية.
لقد استباح خصوم العدالة والتنمية كل الوسائل وانتهكوا كل الأعراف وانتهجوا كل السبل للإطاحة به، بل دعا كثير من العلمانيين إلى حله وإقصائه من المشهد السياسي برمته، ولسان حالهم يقول: اقتلوا الإسلاميين حتى يرتاح العلمانيون!!!
وبعيدا عن هذا كله، نراهن على وعي المغاربة الذي لا يزال في تصاعد وتقدم مطردين، والذي يفرض عليهم التصويت على الأصلح ومعاقبة الفاسدين، وكذلك على يقظة ونزاهة مراقبي الصناديق الزجاجية، كما نراهن على أصحاب العقول الراجعة من بين أولئك الذين يشخصون مصلحة النظام، ليجنبوا البلاد والعباد الفتن والاضطرابات وذلك حتى لا نعيش ما يعيشه إخواننا في البلدان العربية، نسأل الله أن يفرج عنهم.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم الطالب