مراجعة البرامج والمناهج والكتب المدرسية الحسن بن الحسين العسال

إن بني علمان لم يكتفوا بما يسمونه “المساواة”، بل انتقلوا إلى مصطلح جديد، اخترعوه ليقضوا من خلاله مآربهم، وهو ما اصطلحوا عليه “بالتمييز الإيجابي”.

فمن منطلق “التمييز الإيجابي” كانت “سلمى” السالفة الذكر خالية من أي عيب؛ وكان سمير المسكين يعج بالعيوب مما احتاج معه إلى تخليته، ثم إلى تحليته.
هذه هي مراجعة البرامج والكتب المدرسية، وإلا فلا!

ورد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين ما يلي: “الدعامة السابعة من الميثاق: مراجعة البرامج والمناهج والكتب المدرسية والوسائط التعليمية”.
فهل تم تطبيق هذه الدعامة؟ وهل تم بالفعل أجرأتها؟
الجواب: لا، وإليك الدليل أيها القارئ الكريم مع بعض الأمثلة الطويلة، والتي أدعو الله ألا تكون مملة، لأن المقام يقتضي هذا الطول، لإثبات الدليل وإقامة الحجة.
على مستوى المناهج
في كراسة التلميذ -مثلا- المسماة “كتابي في اللغة العربية” /المستوى الأول، عدة عيوب منهجية:
1 -نصوص التعبير طويلة، وغير مشكولة، منذ أول حصة من السنة الدراسية إلى آخر حصة منها!
2- الكلمات القرائية غير مشكولة كذلك، والصورة المصاحبة لها مركبة، يجد التلميذ عناء، في العثور على صورها المعبر عنها بالكلمات، إن لم يكن من المستحيل، خاصة بالنسبة لتلميذ البادية، الذي يلزمه أن تكون تحت كل كلمة صورة مستقلة تعبر عنها.
3- عدم التدرج في أنشطة الكراسة، حيث يطلب من التلميذ -مثلا- في نشاط: “أقرأ وأستعمل”، أن يكتب سؤالا عبارة عن جملة منذ الأسبوع الأول من السنة الدراسية!
4- وفي نشاط: “أقرأ وأركب” يطلب منه ترتيب أربع كلمات للحصول على جملة مفيدة، وهذا مما يستحيل على تلميذ لم يمر بالتعليم الأولي. (وهنا أفتح قوسين لأقول إن أسرة التعليم العاملة في البوادي كانت تنتظر تغييرا على مستوى المناهج والكتب المدرسية يأخذ بعين الاعتبار خصوصية التعليم في البوادي وعوائقه ومشاكله).
5- تقارب بعض الحروف المتشابهة، في زمن التدريس، فتدريس حرف التاء لا يفصله عن الباء إلا حرف اللام. أو تتابع بعض الحروف المتشابهة، في زمن التدريس، مثل تدريس العين ويليه مباشرة الغين، والدال ويليه مباشرة الذال، والطاء ويليه مباشرة الظاء. وهذا يحدث بلبلة في ذهن التلميذ، فتختلط عليه هذه الحروف المتشابهة.
على مستوى الكتب
1- في كراسة التلميذ كتابي في اللغة العربية/المستوى الأول، وفي نص التعبير المعنون بـ “أصدقاء توتو وسلمى”، النص يتكلم عن اليمامة البيضاء، إلا أنها رسمت بالرمادي؛ وفي النص الملحق يتم الحديث عن اليمامة الصغيرة، إلا أنها رسمت على شكل الطائر “توتو”، وهو طائر يشبه الببغاء! وهذا التناقض الصارخ بين المضامين والرسوم المصاحبة لها كثير؛ مما يشوش ذهن التلميذ.
2- وفي درس قياس الأطوال من كتاب “الجيّد في الرياضيات” للمستوى الثاني،على التلميذ متابعة رسم قطعة ليصل طولها إلى 1 ديسمتر، إلا أنه إذا فعل سترسم القطعة فوق الكتابة المتممة للتمرين.
3- في كتاب “الأساسي في النشاط العلمي”، درس التعاقب الزمني للأحداث، التمرين 8، المطلوب من التلميذ ترتيب الصور، بملء البطاقات باللون المناسب، و”لمساعدة” التلميذ تم تلوين المربع الثاني باللون الأحمر، وحقه أن يلون باللون الأسود، وعوض مساعدته، تم إرباكه، بهذا الخطأ الذي لم يصحح في جميع الطبعات الصادرة لحد الآن، فعن أي مراجعة يتحدثون!
4- في دليل الأستاذ المستوى الثاني، “الجيّد في الرياضيات”، درس “معلمة الخانة”، تم الاقتصار على ثلاث حصص، ولا وجود لحصة الدعم وهي الرابعة، مع العلم أن حصص الرياضيات في المستوى الثاني أربع حصص.
5- وفي الطبعة الخامسة لسنة 1427هـ/2006م من كراسة التلميذ للسنة الأولى “الأساسي في النشاط العلمي” تم حذف ثماني حصص من درسي التوالد والماء، مما يثير استغراب التلاميذ أنفسهم، ويحدث البلبلة في القسم، فتلميذ يقول: “أنا عندي”، وآخر يقول: “أنا ليس عندي”. والمسؤولون ماذا عندهم؟
والسؤال المطروح إذن، أين مراجعة البرامج والمناهج والكتب المدرسية؟
بل أين اللجنة الساهرة على هذه المراجعة؟ والتي ينص عليها الميثاق في مادته 107، حيث يقول: “ولهذه الغاية ينظر في الأجهزة قصد تفعيلها أو إصلاحها لإحداث لجنة دائمة للتجديد والملاءمة المستمرين للبرامج والمناهج”.

التغيير الواضح الفاضح
أما التغيير الواضح لكل ذي عينين، وهو التغيير المراد إحداثه على مستوى القيم، والمستند إلى المادة الثانية عشرة، من حقوق وواجبات الأفراد والجماعات: “يعمل نظام التربية والتكوين على تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين، وتكافؤ الفرص بينهم، وحق الجميع في التعليم، إناثا وذكورا، سواء في البوادي أو الحواضر، طبقا لما يكفله الدستور”.
الناظر إلى هذا النص مجردا، دون وضعه في السياق العام، والظروف الاجتماعية والسياسية التي تمر بها بلادنا، ودون الأخذ بعين الاعتبار الهجمة الشرسة على قيمنا الإسلامية التي يشنها الغرب، وعلى رأسه أمريكا، على عالمنا الإسلامي، يبدو له هذا النص بريئا لا غبار عليه.. إلا أن هذا الانطباع يتلاشى بمجرد الاطلاع على كتب التلاميذ من حيث المضامين، وكذا من حيث الصور المصاحبة لها ليبدو له جليا ما المقصود بالمساواة؟ وما المقصود بتكافؤ الفرص؟

كيف تم تطبيق دعوى المساواة، وتكافؤ الفرص على مستوى المضامين؟
في كتاب التلميذ للسنة الأولى”كتابي في اللغة العربية”، وفي مادة التعبير تدور الحكايات حول شخصيتين محوريتين، هما: سلمى وسمير.
فسلمى دائما نظيفة ونشيطة ومطيعة لأمها ومحترمة لقوانين السير ومجدة في عملها، أما سمير فهو على العكس منها تماما؛ لأنه طفل مهمل، يرمي ملابسه وكتبه وأدواته أينما اتفق، “ويخرج، بمجرد عودته من المدرسة، مسرعا إلى الحديقة ليلعب، وأمه “لا ترتاح لتصرفاته”، “وأثناء لعبه، يسقط الكرة على الأغصان والزهور فتكسرها.
بل إنه أصاب أنف كريم بالكرة، ومرة “تناول موزة، ورمى قشرتها على الدرج”، وبعد عودته من اللعب داس قشرة الموز، فتكسرت قدمه؛ وبعد ذلك ندم على ما كان يفعله، وعاد إليه صوابه. لكن بعد الدرس الخامس إلى غاية الدرس الثاني عشر، وبعدما آب سمير إلى رشده، لم يعد التركيز على سمير باعتباره شخصية محورية! بل أصبح يُتناول ضمن مجموعة من الأصدقاء. عكس سلمى التي بقيت شخصية محورية تسلط عليها الأضواء طيلة اثنا عشر درسا، دون أن يذكر في حقها ولو عيب واحد.
وبعدما انتهت سلسة سلمى وسمير، تم الشروع في “سلسلة أحلام”: الطفلة العطوف الحنون الكريمة، خلال ثمانية دروس، تخللها الحديث عن أخيها بدر عندما تم ختانه، ولم يركز عليه هو الآخر كشخصية محورية.
وفي نص آخر: “شاهد الصغيران الفرسان يلبسون ملابس تقليدية، ويمتطون ظهور جياد أصيلة”، فانظر -أيها الغيور- إلى مكر العبارة: الخيول أصيلة، أما الملابس [جلباب وعمامة ونعل] فلا أصالة لها، بل هي مجرد تقاليد بالية عفا عنها الزمن، ولا يتم ارتداؤها إلا لجلب السياح، أو في بعض المناسبات، وليست من الدين في شيء، أما المعاصرة فبريئة من الجلباب والعمامة.. هذا ما يراد غرسه في أذهان فلذات أكبادنا.

على مستوى الصور
أما على مستوى الصور، فحدث ولا حرج عن التبرج والسفور، وعن التغنج في كيفية القيام والقعود، وهذا بالنسبة لطفلات في عمر الزهور.
وهناك مثال آخر في كتاب التلميذ “الجديد في الاجتماعيات”، المستوى الخامس، وفي أول درس من مادة التاريخ، والمعنون بـ: “حياتنا بين اليوم والأمس: السكن واللباس”.
ففي هذا الدرس وضعوا صورة شمسية لرجل يلبس جلبابا وسلهاما، وزوجته ترتدي النقاب والعباءة، وذيلوا الصورة بتاريخ التقاطها، وهو1920م، وبجانبها صورة ثانية لرجل بطاقية وجلباب، وزوجته بالنقاب والجلباب، وذيلوا الصورة بتاريخ التقاطها، وهو:1960م. أما الصورة الثالثة فتتضمن: شابا يلبس قميصا إفرنجيا، ويتكئ بصدره على شابة كاشفة عن شعرها، وهي تلبس سريدة وسروالا ضيقين، يصفان تقاسيمها أكثر مما يستران عورتها؛ والشابان يبتسمان لبعضهما.

خلاصة
لقد وجد بنو علمان تطبيق ما كانوا يدعون إليه، مدفوعين في ذلك من المستخرب القديم [فرنسا]، والجديد [أمريكا]. ومن أمثلة هذه الدعوة المشؤومة: أن أحد أشد بني علمان حقدا على الإسلام، ألا وهو جمال براوي، كان ضيفا على القناة العلمانية الثانية، فجعل ينفث سمومه على كل ما يمت للإسلام بصلة؛ ومما قاله واستشاط منه غضبا، أن ابنه أخبره بأن المدرس قال لهم: إن خير الألوان بالنسبة للمسلمين اللون الأبيض! فبدأ العلماني الحاقد، يزمجر ويرعد ويزبد، وينادي بحذف مثل هذه الأفكار من الكتب المدرسية، التي تربي الأبرياء على التطرف حسب زعمه، وما درى المسكين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي قال: “اِلبسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم” (رواه أبو داود والترمذي)، وفي رواية للنسائي والحاكم: “فإنها أطهر وأطيب”، عوض: “فإنها من خير ثيابكم”.
قال الشاعر:
إن كنت تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم
وانبرت إحدى العلمانيات حينئذ لتدافع عن الكفار حتى وهم مجرد رسوم، فيما كان يعرف بمادة “التربية الفنية”، حيث بدأت تدعو إلى “التسامح، وثقافة الاختلاف”، لا لشيء إلا لأن رسوم الكفار كانت فيها ملامحهم متجهمة، ورسوم المسلمين كانت على العكس من ذلك، فما كان منها إلا أن شنت هجومها الشرس على الإسلام، بدعوى أنها تحارب “التطرف”، ومن هنا دعت إلى تغيير هذه البرامج، لتتفق وأفكارها العلمانية، المستمدة من الثقافة الغربية الملحدة.
فلماذا كل هذه الغيرة على الكفار؟ ولماذا كل هذا الحقد على الإسلام؟
يقيمون الدنيا ولا يقعدونها على ما يعتبرونه، في عرفهم شكليات، وفي عرف البعض قشورا، ويتهمونك بكل المفردات التي يحلو لأمريكا أن تنعت بها المسلمين، إذا دافعت عن ثوابتك ومبادئك.
إن بني علمان لم يكتفوا بما يسمونه “المساواة”، بل انتقلوا إلى مصطلح جديد، اخترعوه ليقضوا من خلاله مآربهم، وهو ما اصطلحوا عليه “بالتمييز الإيجابي”.
فمن منطلق “التمييز الإيجابي” كانت “سلمى” السالفة الذكر خالية من أي عيب؛ وكان سمير المسكين يعج بالعيوب مما احتاج معه إلى تخليته، ثم إلى تحليته.
هذه هي مراجعة البرامج والكتب المدرسية، وإلا فلا!
ومن منطلق “المساواة” كانت سلمى تلبس مثل سمير، حذو القذة بالقذة.
ومن منطلق المساواة، كان درس “التاريخ”! وما أدراك ما التاريخ! التاريخ الذي يجب أن يتعلم منه النشء أمجاد الأجداد، كي يحذو حذوهم، ويعمل على إرجاعها، لأن أمة بلا ماض لا حاضر ولا مستقبل لها، جعلوه يدور حول تطور اللباس، ليغرس في أفئدة الناشئة ووجدانهم أن الحجاب ما هو إلا مجرد لباس عفا عنه الزمن، ولم يكن أبدا فريضة شرعية، أوجبها الله في كتابه العزيز، وحث عليها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة.
ومن منطلق “المساواة” أيضا، وفي درس التاريخ الآنف الذكر، أصبح الاختلاط، بل وملامسة الذكر للأنثى أمرا مشروعا، ومن مقتضيات العصر، وتطور الزمان، ومن متطلبات الانفتاح والتفتح والحداثة.
ولا أدري من أي منطلق تم تقليص حصص القرآن الكريم من ست إلى أربع حصص، والمدة الزمنية لمكون التربية الإسلامية [القرآن، العقيدة، الآداب] من أربع ساعات إلى ثلاث ساعات وربع، في السنتين الأوليين من التعليم الابتدائي.
أما تلك العيوب المنهجية، والأخطاء التي في الكتب المدرسية، والتي تشكل عائقا يحول دون تحقيق جودة التعليم، فلا حاجة لمراجعتها لأنها شكليات لا تهم الأسياد الغربيين -أصحاب القرار- من قريب ولا من بعيد.
أما مراجعة الوسائط التعليمية، والتي تحدثت عنها الدعامة السابعة من الميثاق، فلا ننعم منها، خصوصا في البوادي، وبصفة أخص في الوحدات المدرسية، إلا بطبشورة وسبورة، ومن كان محظوظا استعان بالوسائط التقليدية الأخرى، أما الوسائط الحديثة، يا أهل الحداثة! فإننا لم نجد حتى ريحها، وإن ريحها لمن مسيرة كذا وكذا.
وختاما أقول: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي بني علمان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *