إن أول ما يلاحظ هو حشو المقدمة بمفردات فضفاضة ومصطلحات لا يخرج القارئ معها بشيء سوى الحسرة على تعويم المصطلحات بشكل يوحي للقارئ غير المهتم أنه أمام نص تربوي، أما في الصفحة الخامسة نقرأ ما يلي:
“اعتبارا للفلسفة التربوية المتضمنة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، فإن الاختيارات التربوية الموجهة لمراجعة مناهج التربية والتكوين المغربية، تنطلق من:
-العلاقة التفاعلية بين المدرسة والمجتمع، باعتبار المدرسة محركا أساسيا للتقدم الاجتماعي وعاملا من عوامل الإنماء البشري المندمج.
– وضوح الأهداف والمرامي البعيدة من مراجعة مناهج التربية والتكوين، والتي تتجلى أساسا في:
– المساهمة في تكوين شخصية مستقلة ومتوازنة ومتفتحة للمتعلم المغربي، تقوم على معرفة دينه وذاته ولغته وتاريخ وطنه وتطورات مجتمعه”.
(قلت: فهل تتم معرفة الذات من خارج الدين؟
أم أن القصد هو الإشارة إلى تمكنهم من اعتماد فصل الدين عن موضوع الذات؟ والذي ستتولى الفلسفات المغرضة تناوله بما يخدم مصالح العلمانيين).
– اِعتماد مبدأ التوازن في التربية والتكوين بين مختلف أنواع المعارف، ومختلف أساليب التعبير (فكري، فني، جسديّ).
(قلت: التعبير الجسدي أي الإيماء والإيحاء بحركات الجسد وما يسمى بالرقص الإيقاعي أو كما يسمونه اكتشاف الذات من خلال الرقص وهذا ما سنعرفه أثناء الحديث عن مادة التربية الموسيقية والمدرجة بدءً من المستوى الأول أساسي) ثم نقرأ في نفس الصفحة دائما:
“- اعتبار المدرسة مجالا لترسيخ القيم الأخلاقية وقيم المواطنة وحقوق الإنسان”.
(قلت: هل تم إغفال ذكر القيم الدينية سهوا، أم هناك تمكن يجعل الحديث عن القيم طبعا من داخل الدين، وبالتالي لا مجال للتسرع وتوجيه الاتهام بالفصل بين الدين والقيم؟ هل هناك فعلا تعريف محدد للقيم متبنى من طرف هذه اللجان؟
يقول الدكتور * محمد الدريج:( نلاحظ سكوت الكتاب الأبيض عن موضوع القيم، بحيث لا يقدم تعريفا للقيم ….ولا يقدم أي مبرر على التقسيم الرباعي للقيم والمقتبس أصلا من الميثاق الوطني للتربية والتكوين) (1)، نعم هناك تقسيم رباعي منكر (بضم الميم) للقيم تم تفادي ذكره في الصفحة 5 لتطالعنا الصفحة 6 من أولها بما يلي:
“اختيارات وتوجهات في مجال القيم:
انطلاقا من القيم التي تم إعلانها كمرتكزات ثابتة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين والمتمثلة في:
– قيم العقيدة.
– قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية.
– قيم المواطنة.
– قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية”.
( قلت: لقد سبقت الإشارة إلى منهجية الحشو والتعويم ونلاحظها جليا في هذه الصفحة، فكيف تنسب المبادئ الأخلاقية للهوية والحضارة وفي نفس الوقت تأتي قيم العقيدة منفصلة عن قيم الهوية؟ عن أي هوية يتحدثون وأي قيم يقصدون؟ ومن أين لهم بهذا التقسيم ومن أقرهم عليه من علماء التربية بما فيهم غير المسلمين؟
فالدكتور عبد اللطيف محمد خليفة يعرف القيم بأنها: (عبارة عن الأحكام التي يصدرها الفرد بالتفضيل أو عدم التفضيل للموضوعات والأشياء، وذلك في ضوء تقييمه لها، وتتم هذه العملية من خلال التفاعل بين الفرد بمعارفه وخبراته وبين ممثلي الإطار الحضاري الذي يعيش فيه ويكتسب من خلاله هذه الخبرات والمعارف).
أما *هولندر فيعرفها بأنها (حالة غائية يسعى الفرد إلى تحقيقها، وإنها تقف كموجه أو معيار يسلك الفرد على أساسه)، وحسب المعجم الفلسفي (المثل والمبادئ التي توجه سلوك الناس وتنظمه) (2)، وفي معجم علوم التربية(..وتتكون القيم من مجموع معتقدات واختيارات وأفكار تمثل أسلوب تصرف الشخص ومواقفه وآراءه، وتحدد مدى ارتباطه بجماعته، وتشكل مجموع القيم المعتمدة النظرة إلى العالم)(3).
و يحيل المعجم التربوي على صناافة*كرات وول،( والتي تتضمن خمس مقولات كبرى هي: التقبل والاستجابة والتثمين والالتزام وتنظيم القيم والتميز بواسطة قيمة أو منظومة من القيم، ويعرف هذه الأخيرة:
– التميز بواسطة قيمة أو منظومة من القيم: للقيم موقع في سلم القيم لدى الفرد، فهي مرتبة في شكل منظومة منسجمة العناصر، منظومة تقوم بضبط سلوك الفرد وتأطيره لمدة طويلة لدرجة يصبح متآلفا ومتكيفا معها) (4).
أما فيما يخص الإطار المرجعي للقيم يورد الأستاذ *عبد الرحمان التومي قول الدكتور *عبد اللطيف محمد خليفة بعد قوله فخطاب الله سبحانه وتعالى هو (الفيصل في الحكم على الحسن والقبيح، والمباح والمحرم، والحسن ما وافق الشرع واستوجب الثواب، والقبيح ما خالف الشرع.. فكل أعمال الدنيا مقومة حسب نتيجتها في الدنيا والآخرة) (5) ثم يستطرد الأستاذ قائلا: (…وبالتالي فالحديث عن أي قيمة من القيم التي توجه الإنسان المغربي المسلم ينبغي أن يندرج في إطار نسقي عام وشامل مرجعيته شريعتنا الإسلامية، ومن المنطقي كذلك أن تكون القيم الشرعية هي نفس القيم التي تؤصل العمل التربوي ببلادنا فلسفة، وممارسة، مؤسسيا وبيداغوجيا.
ومن هنا لا يمكن تصور قيمة معينة أو فهمها بمعزل عن أساسها السليم، فهناك رباط يربط الكل في سياق واحد وهذا السياق موحد يشمل الكل، وأصله واحد هو الحق سبحانه؛ فالحديث مثلا عن قيم حقوق الإنسان كقيم معزولة عن قيم العقيدة الإسلامية هو خطاب إيديولوجي ظرفي يكرس واقع تخلفنا وتبعيتنا المطلقة للغرب وإملاءات البنك الدولي) (6).
كما يعلق الأستاذ* عبد الرحمان التو مي قائلا: (حقوق الإنسان بالمعنى الإسلامي حقوق مسؤولة، تحكمها ضوابط أخلاقية مقننة، وملزمة، وهي تختلف عن حقوق الإنسان الغربية من حيث شكلها، ومن حيث القيم التي تتضمنها، فإذا كان الإسلام يحرم الزنا ، فإن هناك بلدانا غربية صارت فيها ممارسة الجنس بل حتى إنجاب أطفال خارج الزواج، شيئا مقبولا بدعوى حقوق الإنسان). (7).
أما*عبد الباقي داوود فيقول : (و إذا كان الواقع المعيش يفرض التعامل مع فلسفات تربوية متنوعة، و نظريات و مدارس علمية تصب كلها في المجال التربوي، فان الرجوع إلى منظومة القيم الإسلامية هو الضامن لنا من عدم الانزلاق في متاهات الأهواء والنحل التي تفقدنا هويتنا الإسلامية، وبتحكيم هذا الإطار المرجعي، يمكن الاستفادة مما هو علمي و مطابق لمقولات العقل، بغض النظر عن جنسيته، وتفادي ما هو شبه علمي.)(8).
إذن فعلماء التربية و المهتمين لا يقبلون هذا التجزيء للقيم ويردون على ذلك عكس ما يحاول البعض إظهاره من أن الأمر محط إجماع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) : الكفايات تأليف محمد الدريج
(2): المعجم الفلسفي تأليف جميل صليبا
(3): معجم علوم التربية
(4) : نفس المرجع
(5):عبد اللطيف محمد خليفة، ارتقاء القيم
(6) : الكفايات مقاربة نسقية
(7) : نفس المرجع
(8) : عبد الباقي داود ، المدرسة المغربية والمنتوج القيمي الأخلاقي سلسلة التكوين التربوي العدد 10