تراهن المجتمعات والأمم على قطاع التعليم من أجل إخراج جيل بل أجيال تبني مجدها وتقودها نحو الحضارة، لترتقي بها درج التقدم والازدهار والرقي، جيل يحافظ على هوية بلاده ويدافع عنها لا يتنكر لها، جيل يحمل مشعل النمو الفكري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، جيل ذي أخلاق وقيم وفضائل يحمل رسالة شمولية من خصوصياتها تحقيق مقام العبودية ومقام الدعوة إلى الله ومقام إصلاح الفرد والمجتمع حتى يكون رحمة للعالمين اقتداء بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
ويندرج في سلك الراغبين في تحقيق هذا الهدف بلدنا المغرب الذي أصبح في ظل حكومات الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال يراهن لرقيه على قطاعات تدر المال وتهدم القيم، كقطاع السياحة (التي أصبحت ترتكز في نشاطها على الجنس والشذوذ..)، ومجال الفن -يظهر ذلك جليا في الاهتمام المتزايد بإقامة المهرجانات-، بينما جعلت الصحة والتعليم من آخر اهتماماتها.
تدني مستوى التعليم!
“يترك 25% من تلاميذ المدارس الدراسة قبل السنة الخامسة، ويبقى فقط 10% حتى السنة الحادية عشرة”
يعرف مستوى التعليم في المغرب تدنيا كبيرا سواء على مستوى البرامج الموضوعة أو المستوى الدراسي عند التلاميذ، فالمتتبع للمقررات الدراسية الموضوعة يجدها تفتقد لمقومات التعليم البناء الذي يكون كفيلا ببناء الشخصية الإسلامية بسبب ما تضمن في هذه المقررات من تلقين القيم الغربية وقيم المواطنة والذي كان على حساب القيم الإسلامية..، هذا من حيث المضمون أما من حيث الشكل فإن كثرة الدروس مثلا لها دور كبير في عدم ضبط المعلومة من طرف التلميذ على الوجه الصحيح، فالمعلم ملزم بإكمال المقرر ولو كان ذلك على حساب التلاميذ لأن مدة الشرح ستكون محدودة.
ثم إن نتائج التلاميذ تعتبر خير شاهد على المستوى المتدني الذي أصبحت تعيشه المدارس التعليمية، حتى أن بعض المدارس تضطر لنقل التلميذ إلى المستوى الأعلى بمعدل ضعيف جدا قد يصل في بعض الأحيان إلى ثلاثة على عشرة، مما يجعل المغاربة يلجئون إلى التعليم الخاص الذي ينهب ميزانيتهم المصابة بعجز مزمن جراء هزالة الدخل الفردي.
التعليم الخاص ونشر القيم الغربية
تعرف المدارس الخاصة إقبالا كبيرا رغم التكاليف الباهضة للتسجيل فيها، والأمر في ذلك يرجع إلى الحالة المتدنية للتعليم بالمؤسسات الحكومية، والاهتمام المتزايد بالتلميذ في المؤسسات الخاصة، مما ينتج عنه التفوق في الدراسة، لكن هذه المؤسسات هي بدورها لا تعنى بتلقين التلاميذ القيم الصحيحة للحفاظ على هويتهم، وتربيتهم على الأخلاق الإسلامية النبيلة للحفاظ على دينهم، وذلك لتبعيتها للبرامج والمقررات الغربية المستوردة التي تحمل القيم العلمانية والفكر المادي الإلحادي في الكثير من دروسها، بالإضافة إلى تربية التلميذ على التنكر والانسلاخ من القيود الشرعية المؤسسة لسلوك المسلم التعبدي وسلوكه كفرد داخل المجتمع.
كما تعنى أغلبها بتلقين تعاليم النصرانية من أن الآلهة ثلاثة، الله الأب والله الابن والروح القدس، وأن عيسى عليه السلام ابن الله، وتربي أبناءنا على الاحتفال بأعياد النصارى.
استمرارية تبعية التعليم بالمغرب لمخططات الاحتلال الفرنسي
وترجع هذه التبعية لمخطط التعليم الفرنسي الفرانكفوني الذي وضعه الاحتلال، والذي كان على حساب الهوية المغربية الإسلامية وبالأساس لمحاربة اللغة العربية لأنها من أهم الوسائل لفهم القرآن والإسلام.
لذا، فإن السياسة اللغوية في النظام الامبريالي الفرنسي عرفت تخطيطاً دقيقاً تمثل في تشجيع التلقين باللغة الفرنسية، والتقليل من مساحة التلقين باللغة العربية، وعدم اعتبار هذه الأخيرة لغة علم، مع الاحتفاظ بها تدريجياً كلغة للتواصل اليومي فقط.
يقول “ج هاردي” (منظر “البيداغوجيا” الاستعمارية بالمغرب، ومدير التعليم العمومي بالمغرب في العشرينيات): “وهكذا فنحن ملزمون بالفصل بين تعليم خاص بالنخبة الاجتماعية، وتعليم لعموم الشعب: الأول يفتح في وجه أرستقراطية مثقفة في الجملة توقفت عن النمو الفكري بسبب تأثير العلوم الوسيطة.. إن التعليم الذي سيقدم لأبناء هذه النخبة الاجتماعية تعليم طبقي يهدف إلى تكوينها تكويناً منظماً في ميدان الإدارة والتجارة” (التعليم بالمغرب العربي، ص 17، نقلا عن مجلة البيان).
وبهذا نعلم تاريخ الاهتمام المتزايد الذي تحظى به اللغة الفرنسية في المدارس الخاصة، هذا الاهتمام الذي يكرس تبعية البلاد والعباد للمحتل الفرنسي، ويخدم أهداف التيار “الفرانكفوني” الذي يرمي إلى مسخ الهوية الإسلامية لبلدنا المغرب، يقول “هاردي” بخصوص هذا الأمر: “اللغة الفرنسية التي بواسطتها سنتمكن من ربط التلاميذ بفرنسا”(1).
وفي مقابل الاهتمام باللغة الفرنسية تم تهميش اللغة العربية وحوربت مشاريع تعريب التعليم وفي ذلك يقول الدكتور المهدي المنجرة خبير المستقبليات في أحد حواراته: “لا أقبل من أي أحد أن يقول إنها قضية “بيداغوجية”، وأن لنا مشاكل، وأن التعريب صعب، وصعب أن نستعمل اللغة العربية في تعليم الكيمياء والبيولوجيا. فهذا كلام لا أساس له؛ لأن التجارب في العالم بأسره برهنت أنه بدون الاعتماد على اللغة الوطنية، وبدون اللغة الأم في تعليم العلوم لن يكون هناك تقدم حقيقي، وأستطيع أن أقدم لك نماذج من كوريا وتايوان واليابان وماليزيا والصين وغير ذلك”.
التعليم والفضائح الجنسية
يعاني التعليم في المغرب من مشاكل أخرى كثيرة، ومن أخطر هذه المشاكل انتشار الجنس والشذوذ في صفوف التلاميذ والتلميذات، بل أحيانا بين المعلم أو الأستاذ وتلميذاته، فمن حين لآخر نقرأ في الجرائد مثل هذه الفضائح، كفضيحة موقع بلوغ الذي أنشئ لنشر صور تلميذات في أوضاع مخلة بالحياء، وكذلك معلم سلا الذي كتبت عن فضيحته جريدة المساء..
ويرجع هذا المشكل إلى الكثير من الأسباب أهمها:
– التعليم المختلط بين الذكور والإناث.
– ضعف الوازع الديني عند الأطر التعليمية وكذا التلاميذ بسبب ضعف التكوين الشرعي الذي تعاني منه الأسر وكذلك المقررات الدراسية؟
– انعدام المراقبة من طرف المؤسسة التعليمية، ومن طرف أولياء الأمور الذين تركوا المسؤولية للمدرسة والمربين.
– تلقي شحنات جنسية قوية في البيوتات عند مشاهدة الأفلام و”الفيديو كليبات” الغنائية والبرامج “الستارية”(2)، فيكون إفراغ ذلك مع الخليلات في المدارس.
ومن أبشع الصور التي ابتليت بها الأماكن المحيطة بالمدارس الأوضاع المخلة بالحياء التي يتلبس بها التلاميذ والتلميذات (خصوصا في مداخل العمارات)، بالإضافة إلى اكتظاظ الملاهي والمقاهي المعروفة بترويج المخدرات والشيشة بالتلاميذ والتلميذات خصوصا تلك القريبة من بعض المؤسسات التعليمية..
فهل ستأخذ الوزارة المعنية الإجراءات اللازمة للحد من هذه الفواحش؟
أم أنها ستكتفي بستر الفضيحة كما هو الحال في الكثير من المدارس؟!
إحساسا بالمسؤولية
فإذا كانت مؤسسات التعليم والتي تحمل على عاتقها تربية الأجيال مع تقويم سلوكم وبناء شخصياتهم المحافظة على القيم العالية والهوية الإسلامية، هي مكان لإفراز مثل هذه الظواهر الشاذة، فلنعلم أن جيلا ممسوخ الهوية فاقد القيم والأخلاق هو ما ستفرزه لنا هذه المؤسسات والبرامج المتبعة فيها!
فمتى سيحظى التعليم بالمغرب بالاستقلالية التامة عن البرامج الغربية خصوصا الفرنسية؟
ومتى سيصبح القائمون على قطاع التعليم قادرين على وضع مقررات تخدم الهوية المغربية الإسلامية، وتخرج جيلا قادرا على التغلب على التحديات التي تواجهه في ظل نظام عالمي جديد تسيطر عليه اللوبيات الاقتصادية اليهودية، وتنهشه عولمة(3) لا تعرف قيمة لدين أو خلق؟!!
وهل التعليم في المغرب قادر على مواجهة النظام الأخلاقي الجديد الذي يروجه العلمانيون باسم الحرية؟
وأخيرا هل ستعي الحكومة المغربية أن الاهتمام بقطاع التعليم هو سبب للخروج من الكثير من المشاكل؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على أن يعمل الاحتلال بعد ذلك على الفصل بين العرب والبربر في استعمال اللغة العربية، عن طريق تشجيع استخدام اللهجات البربرية إلى جانب الفرنسية كلغة للتدريس.
(2) هذا ما جنته الأسر التي أدخلت الصحون الهوائية بيتها دون رقيب أو وازع ديني يحدد سلوكها في الاستفادة من مثل هذا الجهاز.
(3) العولمة هي محاولة سيطرة قيم وعادات وثقافات العالم الغربي على بقية دول العالم، وإذابة خصائصها، وتهميش تميز دين الإسلام، ويكفي لبيان خطرها أن عقلاء الغرب يدعون لمحاربتها.