لا أحد يجادل في أن جسم التعليم في وطننا العزيز منخور متآكل، حيث أن الأوبئة توالت عليه للحد الذي أصبحنا نعجز عن تمثل الحلول القمينة برده إلى سابق مستواه، فهذا هو “جنون اللامبالاة”، وتلك “حمى الإملاءات” وهذه “انفلوانزا الإعتباطية” …
للمعترض أن يعترض ويقول: “هذا من قبيل العدمية والتشاؤم”، غير أن الملموس يصدع بالحقائق والوقائع البادية، ولنا في أصوات المتتبعين والعاملين أكثر من دليل على صحة أقوالنا.من المعقول جدا، وفي ظل الأوضاع التعليمية المتردية أن تبرز محاولات ومحاولات تلتمس الحلول وتستشرف المقترحات. من هذه الحلول ما ظهر في السنتين السابقتين تحت مسمى “منتديات الإصلاح”، وهذه السنة عادت المنتديات لتحمل موضوع “الشراكة” ويكون شعارها “من أجل شراكة استراتيجية إنمائية مستدامة” ، في تحليل لهذا الشعار نخرج بتساؤلات مشروعة وبسيطة نوردها كما يلي:
1- هل عدمت الوزارة وسائل الإصلاح.
2- هل استنفدت جميع الحلول والمخططات لتسعى وراء شراكة أو شراكات.
3- هل وقفت الوزارة الوصية والحكومة معها عند حدود مسؤوليتها بالشكل الذي يمكنها من رفع جودة التعليم كما كان شعار النسخة الثانية من المنتديات ؟
أسئلة وغيرها كثير تنم عن لامبالاة وضبابية في التعامل مع ملف يشكل عصب المجتمع ومركز تحولاته. فالوزارة وللأسف لا تعير هذا القطاع ما يلزم من العناية والجدية، اللهم ما كان من الدوريات والمنشورات والمذكرات ذات الفحوى السطحي البعيد عن عمق ما ينتظره المواطن من إصلاح.أضف إلى ذلك سياسة الأذن الصماء التي ينهجها المسؤولون عن المنظومة كلما تعالت أصوات الباحثين والمهتمين والعاملين بضرورة التغيير. لكن وما إن يلوح في الأفق تقرير خارجي وتظهر معه ميزانية محترمة حتى تقوم الدنيا ولا تقعد، وتتجند الطاقات الخفية، وتسخر الوسائل المعلومة والمجهولة فينطلق العنان للشعارات المزلزلة، ثم بعد هدوء العاصفة تعود حليمة لعادتها القديمة ولتبقى دار لقمان على حالها. وحمدا لله هذا هو حال ومآل المنتديات.
إن أي إصلاح أو أي تغيير لا بد أن تتوفر فيه شروط نوجزها كما ترى:
1- الإصلاح ينشأ من الحاجيات الفعلية للقطاع.
2- الإصلاح يجب أن يلامس اللب، لا القشور حتى يكون أعمق.
3- الإصلاح الشمولي لمنظومة التعليم يمر عبر قناة العاملين به، العارفين بخباياه القريبين من حلوله.
4- الإصلاح ذو أبعاد آنية، متوسطة، وبعيدة المدى، ولهذا الغرض وجب التراجع وفورا عن مجموعة من القرارات، والابتعاد عن الحلول الترقيعية.
5- الإصلاح خير يجب أن يشمل جميع القطاعات، إن على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو السوسيوثقافي. آنذاك يمكن أن نتكلم عن الإصلاح.
لئن كان الإصلاح في ظاهره مبادرة طيبة، فواقع الحال يفند هذا الطرح رغم ما يمكن أن تحمله المقترحات من معقولية لأن ذلك سيكون من باب الصدفة فقط. أما بخصوص الشراكة والجودة، فهذه شعارات رنانة طنانة سرعان ما يذهب بريقها، لأن الشراكة يجب أن تبرم مع الطالب والتلميذ والأب، هؤلاء الشرائح فقدوا الثقة، وفي كل شيء. والجودة عباد الله لا بد لها من ثمن ولابد لها من سبل، إذ كيف نريد الوصول للجودة ومدارسنا وثانوياتنا، بل جامعتنا تتردى في جحيم العقم والضحالة؟ فيا أيها المنادون بالإصلاح، ويا زعماء الإصلاح، تصالحوا مع أنفسكم وأبنائكم وبني جلدتكم حتى تقيموا شراكات هادفة وتبلغوا الجودة الموعودة، وإلا سينطبق عليكم قول الشاعر:
ذهبت إلى العطار تبغي شبابها *** وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر.