عندما تكتشف الأمة الفجوة الهائلة التي تفصلها عن الركب العالمي المتطور، وعندما تتكالب عليها أشد الظروف وأقساها، وعندما تذلهم أيامها وتحيط بها الأزمات وتحل بها النكبات، فلا عاصم لها عندئذ بعد الله إلا التعليم، وعندما نقول التعليم نعني العلم الذي حض عليه الشارع الحكيم والذي تكون ثمرته خدمة الدين بالدنيا، ولا تحسبنَّ أن مجرد خروج كل مَن هُم في سن التعليم إلى مدارسهم كل صباح يعني سلامة الوضع التعليمي.
إن التعليم والإصلاح وجهان لعملة واحدة محورهما هو الإنسان وغايتها بناء الفرد والمجتمع من أجل تحقيق مقاصد الشرع، وكذا تنمية مستدامة بكفاءة عالية تتسع فيها خيارات الحياة من كل الناس.
إن التعليم أهم مخصب لأنشطة البناء والتنمية، وإن مستوى جودة التعليم يؤثر تأثيرا مباشرا في صلاح المجتمع، وفي النمو الاقتصادي وعامل الانتاج الكلي، فتأثير جودة التعليم في معدلات التنمية البشرية المستدامة يأتي من مدى نجاح النظام التعليمي في بناء وتنمية المهارات والكفاءات والطاقات البشرية القادرة على العمل والانتاج وتشغيل مؤسسات المجتمع بكفاءة واقتدار ومايعرف بالمردود التنموي للتعليم. فكلما ارتفعت معدلات الجودة في التعليم زاد مردوده التنموي وبالتالي تمكن المجتمع من تحقيق معدلات أعلى من الوعي والتنمية والتقدم.
إن عناصر الجودة النوعية في النظام التعليمي تكمن في مواد التعليم ومناهجه وطرائقه وتقنياته ، وغاياته وأهدافه واستراتيجيته، وكفايات العاملين في قطاع التعليم خاصة المعلمين، وعمليات وأساليب وأدوات التقويم التي تقيس مدى تحقق الأهداف المنشودة، وتلقي الضوء على أي خلل أو وهن في البناء المؤسسي، ثم إن جودة التعليم تعتمد على كيفية التمدرس وليس على زمن التمدرس.
كما أن الجودة النوعية هي القيمة المضافة لتحصيل التلميذ نتيجة لوجوده في المدرسة، وقد تترتب مجموعة من الأزمات والفجوات إذا ضيعت الجودة النوعية في التعليم مثل فجوة المعرفة وفجوة التعليم وفجوة الكفاءة والتقوقع، وعدم بناء وتنمية المهارات والكفايات والطاقات عند الموهوبين.
لقد أفرز ضعف الجودة النوعية في التعليم مشكلات مثل: الدروس الخصوصية التي أساءت إلى مستوى الثقة والتعاون بين الأسرة والمدرسة، وأصبحت تمثل عبئا ماديا ونفسيا على كاهل الأسر، وتستنفد المجتمع وطاقاته وتستنفد السيولة وتقتل دور المدرسة بالكامل، بالإضافة إلى شيوع قيم غير تربوية وغير أخلاقية في الممارسات التعليمية مثل الغش الفردي والجماعي في الإمتحانات والممارسات الشاذة، وإفراغ التعليم من مضمونه السلوكي الشامل، والإقتصار على إكساب المعارف والمعلومات وإهمال القيم والأخلاق الإسلامية وشحذ المهارات، وشيوع البطالة الظاهرة والمقنعة في صفوف الخريجين، وانفصال المدرسة عن الحياة وعدم إدراك وحدة المعرفة وتكاملها، وعدم تحقيق الفروق الفردية وتمكين المتعلم من اكتشاف ذاته لشيوع الأدوار التسلطية للمعلمين.