إن أول ما يطرق بال القارئ المسلم وهو يقرأ الكتاب الذي سمته الوزارة بالأبيض -والحقيقة أنه كتاب أسود ولكن جرت العادة عند القوم تسمية المسميات بغير أسمائها كخطوة أولى في مسيرة التضليل- ما هي مكانة الدين في هذا المشروع؟ البعيد عن الشرع طبعا.
الملاحظ أن حتى المفردات لم تسلم من اعتداءات المعتدين- إن مفردة الدين، كانت هي أول تسمية سبقت تسمية الأخلاق لتأتي بعدها تسمية التربية الإسلامية، والغريب أن هذه التسمية هي أيضا مهددة بالانقراض لأن الوزارة اقترحت اسما جديدا هو الحضارة الإسلامية، طبعا ففي مرحلة موالية سيتم تدريس شرع الله عز وجل على أنه نصوص وأخبار تحِيل على حقبة من التاريخ، كما هو الشأن بالنسبة للحضارة اليونانية وغيرها، إن هذا ليس ادعاء بمعرفة ما يجري في المستقبل معاذ الله، ولكن استقراء لمن يسير الغوغاء على نهجهم، ظنا منهم إن مرحلة ما يسمونه عصر الأنوار عند الغرب قد حلت عندنا، لذا فهم ينسقون مع منظريهم في الداخل والخارج، ولكن كل هذا لن يصمد كثيرا فوعد الله حق، ويكفينا سرد واقعة حدثت في زمن الاحتلال زمن الحديد والنار وبتوقيع الكفار، ومن باب وشهد شاهد من أهلها.
“قامت فرنسا بتجربة عملية، انتقت فيها عشر فتيات جزائريات مسلمات، أدخلتهن الحكومة الفرنسية في مدارسها، ألبستهن الثياب الفرنسية، ولقنتهن الثقافة الفرنسية، وعلمتهن اللغة الفرنسية، فأصبحن كالفرنسيات تماما.
وبعد أحد عشر عاما من الجهود هيأت لهن حفلة تخرج رائعة دعي إليها الوزراء والمفكرون والصحفيون، ولما ابتدأت الحفلة فوجئ الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهن الإسلامي، فثارت ثائرة الصحف الفرنسية، وتساءلت: ماذا فعلت فرنسا في الجزائر بعد مرور مائة وثمانية وعشرون عاما؟ فأجاب “لاكوست” وزير المستعمرات الفرنسي: “وماذا أفعل إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟”.
نقدم هذا الجواب مع أسطر فوق مائة وثمانية وعشرون عاما لعميان البصر والبصيرة والذين يسمون أنفسهم بالمنظرين ولنقرأ مقدمة الجزء الثاني من المشروع والمعنون بتنظيم الدراسة في التعليم الابتدائي الصفحة 15. ومن مستجدات الإصلاح التربوي دمج التعليم الأولى في منظومة التعليم الابتدائي عند تحقيق تعميم هذا الأخير في 2005 بغية تمكين شريحة عمرية مهمة من ولوج المدرسة في سن مبكرة ابتداء من السنة الرابعة، يتمحور برنامج السنتين الأولى والثانية من السلك الأساسي أي التعليم الأولي حول مجموعة الأنشطة المناسبة لنمو الطفل، الوثيقة صدرت بتاريخ2001، وقد مرت خمس سنوات ولم يعمم التعليم الأولي فهو لازال تحت رحمة التعليم الخصوصي، هل هذا التأخر عرضي كالمعتاد؟
الجواب لا أبدا، لأن تدريس الأمازيغية لم يبدأ بعد في المغرب ومع ذلك خصص غلاف زمني لهذه المادة في غياب المدرسين المتمكنين من الأمازيغية، وبعد ذلك تم تكوين أفواج محدودة وأيضا مع غياب مقررات، لماذا لم يبدأ تعميم التعليم الأولي ولو بشكل مرحلي في مدن معينة.
لا يمكن ذلك، لأنه يتعارض مع المخطط، فظاهرة الاغتراب والتي أعد فيها أحد الأساتذة الجامعيين بحثا قيما يفضح فيه بعظا من مظاهر الانحلال الخلقي والإباحية من خلال نصوص مقررات دراسية -والتي سنتطرق لها في موضع آخر إن شاء الله- من المفروض أن تجعل من المغاربة بدون هوية وإذا فكروا في البحث عنها فبعيدا عن الدين، وبالضبط في الفكر الغربي، لأنه تقرر منذ الطفولة أن معرفة اللغة الفرنسية تكسب النجاح وتعزز الثقة بالنفس من خلال مردودية النقط المحصل عنها نتيجة ارتفاع المعامل، وبالمقابل فإن فئة أخرى لم تلوث مبكرا تزرع فيها شعورا خاطئا، وهو أنه من العيب جهل معاني مفردات فرنسية وكذا نطقها، في حين أن معرفة معاني كلمات وآيات القرآن الكريم أمرا غير ذي بال.
ثم ينتقل أغلبهم إلى الساحة المزيفة بأن تكون مادة اختيارية -هنا يبدأ وحش الاغتراب في التهام الصنفين، سواء الذين تعلموا الفرنسية أو الذين لم يظفر بهم الاغتراب بعد ، فئة ترى أنها محظوظة لأنها تعلمت الفرنسية مبكرا وأن الفرنسية سبيل للنجاح والتفوق، حيث تشجيعات الأساتذة وتأثير ذلك على المعدل ومن تم تشجيعات المجالس أو الإدارة، وفئة تتحصر على جهلها بهذه اللغة وعدم تعلمها مبكرا، وأن تعلم اللغة الفرنسية والتفكير بواسطتها ومعرفة العالم من خلالها سبيل للنجاح، والتعثر الدراسي سيفعل فعلته بهذه النظرة التي ستكرسها المدرسة من خلال باقي الخطوات التي عرفها مسلسل الإجهاز على التربية الإسلامية.