سيارات الأجرة الصغيرة ناقلات الأوكسجين لمجال الجسد الحضري ولكن… امحمد الخوجة

لأول مرة تخرج مقالاتي عن جادتها المعهودة لتعالج موضوعا اجتماعيا بعدما كانت جل مقالاتي تتعلق بمجال التربية والتعليم نظرا لتكويني الذي كان يفرض علي ذلك، وردا لجميل ذاك القطاع الذي من خلاله درست وتكونت دونما حاجة للمنحة الجامعية التي حرموني منها فشمرت عن ساعدي وتوجهت صوب الاعتماد على النفس بمعونة رب العباد سبحانه.
يتعلق الأمر بميدان حيوي داخل الميدان الحضري، أهله أناس بسطاء في الغالب الأعم، لا يعون ولا يعرفون قيمة عملهم، ومع جهلهم وعدم مطالبتهم بحقوقهم التي تجعل منهم مواطنين يتمتعون بكل الحقوق التي ينبغي على الدولة أن تمتعهم بها، فكم مرة أنقذك سائق سيارة الأجرة إلى مكانك المطلوب؟ ولولاه لطردك رب العمل، وكم مرة أوصلك في الوقت المحدد؟ ولولا ذاك السائق لحرمت من اجتياز المباراة؟ وكم مرة أسهم ذاك السائق في إنقاذ حياة فتاة كانت متسكعة في الشوارع؟ وكم مرة تاهت بك الطريق فوجهك سائق الطاكسي؟…
إنها بحق مهنة تنقل الأوكسيجين للجسد الحضريّ، ولكن…
هل يعلم السائقون المساكين كم يستهلكون من البنزين في اليوم داخل المدار الحضري؟ لقد اشتغل صاحب هذا المقال مدة كسائق لسيارة الأجرة، وعلم أن ما يسهم فيه السائق على المستوى الاقتصادي يفوق بكثير ما يسهم به بعض من يتبجحون ويظنون أن مهنهم مهمة لسير الحياة بشكل عادي داخل كيان الدولة.
قد يستهلك السائق في اليوم ما يقارب عشرين لترا من “الكازوال” والمقدر ثمنه ب 10دراهم تقريبا ولو علمنا أن مدينة فاس مثلا، تستوعب 3000 سيارة أجرة، فيكون الناتج المستهلك من البنزين هو 600.000 درهم في اليوم، ناهيك عن زيت المحرك الذي يبلغ ثمنه حوالي 200 درهم، وقد يحتاج المحرك كل أسبوع تغيير الزيت، أضف إلى هذا قطع الغيار ووو…
على العموم إن سائق سيارة الأجرة يسهم بشكل كبير في دوران دواليب الاقتصاد المغربي، ويلعب دورا لوجيستيكيا ومع ذلك فإنه لا يحظى باهتمام من طرف المسؤولين، بل إن السائق يتعرض لتعسفات كثيرة ومتنوعة ومتشابكة، بعضها من طرف رجال الأمن وبعضها من طرف الزبائن وبعضها الآخر من طرف الدولة ككل، هذه الأخيرة -أي الدولة- لجأت إلى إحداث ما يسمى بالبطاقة المهنية للسائق، والتي تخضعه لتكوين مهني إجباري، مع العلم أن هذا التصرف لا يعلم جل السائقين فائدته ونفعيته، ومع ذلك فإنهم يلبون الطلب بكل أريحية، والواقع ربما يجرهم إلى فرض ضرائب الأرباح عليهم، وإن كان ربحهم جد هزيل، لا يفي حتى بالحاجيات الأساسية اليومية.
ولعل السؤال المطروح هنا، ما فائدة تلك البطاقة؟
كان من الأولى أن تتحقق للسائق كثير من المطالب، والتي من بينها تمتعه بحق التطبيب المجاني، والاستفادة من صندوق الضمان الاجتماعي وهلم جرا. وأما تلك البطاقة فكان من باب أولى أن تترك لآخر وقت ممكن، على غرار باقي المهن التي تثبت الحقوق لمزاوليها أولا ثم في النهاية يمكن أن تطالبهم بما يجب عليهم.
إن هذه المهنة طالتها أيادي خفية بل وقوية، وصارت تحتاج إلى تنظيم كما كان الأمر عليه في السابق، لقد كان سائق الطاكسي في مدينة فاس خصوصا له مؤهلات خلقية ومهنية، ولا يمكن أن يزاول هذه المهنة حتى يثبت سجله العدلي نظافة سيرته الشخصية، وكان هناك مطبوع يتضمن جميع المعلومات المتعلقة بالمدينة من شوارع وأزقة وصيدليات…، وبتجربة شخصية لقد قمنا بحفظ ذلك المطبوع عن ظهر قلب، وكانت اللجنة التي تجري الاختبار آنذاك، تتألف من سبعة أشخاص، يمثلون إدارات معينة كإدارة الجمارك والأمن ومراقبة الطرق..
أما اليوم وخصوصا حينما كان يتولى -السي شباط القيادة- فقد عرف هذا القطاع فوضى عارمة، وأصبح يلج هذا الميدان كل من هب ودب، دونما حاجة لاجتياز الامتحان، فاستشرت المعاناة، وأصبح الزبون في شكوى دائمة، وصار السائقون القدامى مرتبكين ومتهمين أيضا.
وهنا يطرح السؤال مرة أخرى عن أي تكوين نتحدث والسائق لا يعرف حتى أهم شوارع المدينة؟؟؟ مهزلة والله.
وما فائدة التكوين أيضا في غياب حماية السائق من النشل والسرقة و”الكريساج” والواقع يشهد أن صاحب هذه الكلمات أصيب بجرح كبير على مستوى الرسغ حينما تعرض لطعنة من طرف مجهول لاذ بالفرار بعد تنفيذ العملية، بل الأدهى من هذا أن سائقا لسيارة الأجرة دهسته سيارة رباعية الدفع، حينما أراد أن يحتج واقفا أمامها فوقع ما وقع وتناسى الأمر وكأن ما دهس ومات كان مجرد حشرة مضرة ارتاحت منها البلاد والعباد.
من جهة أخرى، إن هذا القطاع ينبغي أن يستفيد أهله من المأذونيات “لكريمات” والتي تتوزع على من لا علاقة له بالقطاع، كالمغنيين والراقصين والفنانين… ويترك من قضى مدة تزيد عن 30 سنة يتسول في الطرقات حينما يفقد العمل بسبب المرض أو العاهة المستديمة التي قد تلحقه نتيجة ذاك العمل المضني.
إن العار يلحق بالسائق حينما يحاول الحصول على مأذونية لا لشيء سوى لأنه مجرد سائق تافه، لا يقدم أي خدمة لهذه البلاد ولقد تعرض صاحب هذه الكلمات أيضا، لوابل من السب والشتم والوعيد من طرف رجال الأمن، حينما حاول أن يحصل عن مأذونية تقيه شر الفقر مع إعالة الوالدين ومتابعة الدراسة بالمستوى الجامعي.
سيقول القائلون إن سائقي سيارة الأجرة كلهم ليسوا في المستوى المطلوب، ونرد عليهم لو كانوا يجازون على قدر الخدمات التي يقدمونها لاتفقنا معكم ولكن ما دام دخل السائق أصبح لا يكفيه حتى لتسديد دين “مول الحانوت” على رأس كل أسبوع فقولكم مردود عليكم.
مع أن ثمن أقل رحلة لازال هو 4 دراهم نهارا وليلا 6 دراهم فقط وهذه التعريفة هي أرخص تعريفة في المغرب ومكرسة منذ أوائل التسعينيات، ومنه نقول إنه من العجيب من يمنع السائق من حمل شخص آخر، وكأن هذا السائق هو وحده من يطلب الاستزادة في الرزق، مع العلم أن المدرس يدرس في مدارس الدولة ثم يدرس في المدارس الحرة وقد يشتغل “بالسوايع” والطبيب له عيادة خاصة كما أنه يشتغل مع شركات ومؤسسات، والموظف السامي يتقاضى أجره السامي بغير حساب، وإذا ما ارتحل من أجل العمل رتبت له الغرف في الفنادق وحجزت له الأماكن الفخمة مجانا، لكن حينما يتعلق الأمر بمواطن بسيط كسائق الطاكسي يريد الاستزادة في رزقه نعارضه بشدة، ونحاول أن نطبق عليه “القانون”، ذاك القانون الذي لا نستند عليه حينما لا يمنحنا رئيس المقاطعة وثيقة هي من حقنا، إنها مفارقات عجيبة والله.
نعم نعرف أن هناك سائقين ليسوا في المستوى المطلوب، ولكن سبق وأن أشرنا إلى أن المسؤولين هم السبب في ذلك لأن اختيار السائق ينبغي أن يخضع لمواصفات عدة وتكوين قبل بدء العمل، مع العلم أن هناك سيارات أجرة يملكها مسؤولون يتمتع سائقوها بحرية تامة، وقد يتمنعون في تقديم الخدمات التي لا تخدم مصلحتهم فتجدهم في بعض المحطات لا ينقلون الركاب إلى للوجهة التي تدر ربحا أكثر.
قطاع سيارات الأجرة قطاع مستهدف وتحيط به لوبيات تخدم مصالحها بالأساس، لذا أجهزت تلك اللوبيات عن بلقنة القطاع بخلق نقابات عديدة لنهج سياسة “فرق تسد” والسائقون مجرورن نائمون “فدار غفلون” يتصارعون فيما هو لا يجدي نفعا بل يطالبون بأتفه الأمور كمطالبتهم بعدم الإلزام بحزام السلامة الذي هو في الواقع يحميهم من الصدمات وعواقب الحوادث الوخيمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *