الانفتاح الاقتصادي والتبعية للغرب

الاقتصاد هو عصب الحياة وبدونه لا يمكن تحقيق التنمية في أية دولة من الدول.. لذلك فالبقاء يكون للأقوى اقتصادياً، والأقوى اقتصادياً هو من يملك القدرة على التخطيط ويوكل الأمر إلى الأكفاء ويحقق تنوع مصادر الدخل، حتى لا يبقى ضحية مصدر اقتصادي واحد قد يقاطع أو يستبدل أو يرخص أو يستولى عليه.
وفي إطار تسارع ظاهرة العولمة الاقتصادية وانتشار العديد من “الشركات العملاقة والمتعددة الجنسيات” التي أصبحت ميزانياتها تتعدى مئات المليارات من الدولارات، هدفها نشر القيم الاقتصادية الرأسمالية في العالم، كالحرية الاقتصادية، وجعل الأسعار خاضعة للعرض والطلب، وعدم تدخل الحكومات في النشاط الاقتصادي، وفتح الأسواق، وربط اقتصاد الدول النامية بالاقتصاد الغربي، وجعله يسير وفقاً للنموذج الغربي في المجالات الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، وتحرير أسواق المال والتجارة العالمية وزيادة حجمها، وزيادة الإنتاج والنمو الاقتصادي العالمي، وحل المشكلات الإنسانية المشتركة، ومن تمة هيمنة الدول الغربية على الاقتصاد العالمي، والتحكم في مركز القرار السياسي العالمي، وفرض السيطرة العسكرية والثقافية على الشعوب.
ولتحقيق هذه الأهداف جند الغرب أدوات عدة كالمنظمات الاقتصادية الدولية، والشركات متعددة الجنسية، وأدوات الاستثمار الأجنبي غير المباشر، والاتحادات الاقتصادية الدولية، والعقوبات الاقتصادية، ووسائل الإعلام والاتصال المختلفة ومنها شبكة المعلومات الدولية.

عادة الاستهلاك والانفتاح الاقتصادي
يذكر علماء الاقتصاد أن من الأمور التي تحدد طبيعة الاستهلاك مستوى الدخل الفردي والتطور الاقتصادي، ولا شك أن دخول أنماط استهلاكية جديدة عبر الغزو الاقتصادي وحرية التجارة وثورة الاتصالات وانتشارها تحت مسمى الانفتاح الاقتصادي ساعد على الترويج لها وقبولها. ويدخل مع هذه الأنماط ما يناسبها من التسميات والمصطلحات وطريقة التطبيق سواء أكانت في الجانب المعيشي أو في اللبس، فغزت شركات الملابس والمأكولات.. الأجنبية مدننا كشركة “Diesel” و”Etam” و”Mango” و”Mac Donald’s” و”Mega mall” ..وغيرها، وكلها تشجع اللباس الغربي العاري.
وللإشارة فإن هذه الدُّور التجارية لم تغز المغرب إلا بعدما تم تهيئة سلوكيات المواطنين المغاربة على مستوى ثقافة اللباس والعادة الاستهلاكية بفعل الغزو العسكري والفكري الذي صاحب الاستعمار، وكذا سياسة مسخ الهوية عبر الأفلام والمسلسلات والقنوات الإعلامية عامة.
ونجد هذا واضحا في تغيير مستوى وطرائق التفكير لدى الشباب واستبدال مفاهيم محلية موروثة في الأسماء والتعابير بغيرها غريبة لتصبح فيما بعد ثقافة الأجيال القادمة، ولنا أن نتخيل بعد أعوام كيف سيصبح الوضع إذا ما هجمت علينا أصناف أخرى من الشركات المتعددة الجنسيات والأنماط الاستهلاكية التي تؤدي في أضعف أحوالها إلى بقائنا أمة مستهلكة ليس اقتصادياً فحسب بل ثقافياً أيضاً.
وللأسف الشديد فإن العلمانيين الذين أشبعوا أسماعنا بالحديث عن المحافظة على الموروث والذي لا يتجاوز في نظرهم الرقصات الشعبية والأهازيج والفولكلور، والغناء والطقوس التي تعمق الطبقية وتقسيم الناس، ومظاهر التفسخ والخرافة والشعوذة.. هؤلاء وأمثالهم لا تهتز لهم شعرة إذا ما أجلبت جحافل الغرب بخيلها ورجلها لتدك تراثنا الحقيقي في اللغة والأخلاق والقيم وآداب الأكل واللبس، وتجردنا من الفضيلة، بل يتسابقون للتبشير بها.

ثقافة المحاكاة (عقدة النقص)
يذكر ابن خلدون في مقدمته أن “المغلوب يقلد الغالب” وهذا يصدق تماماً اليوم في ما نشاهده في حياتنا الاقتصادية، فمن المعروف أن اقتصادنا يعد في ذيل القائمة، سواء من حيث مستوى دخل الفرد، أو من حيث الاستقلال الاقتصادي والقدرة التصنيعية واتخاذ القرار اتجاه الدول الغنية، ويظل العامل المشترك هو الوقوع تحت الضغط والسيطرة الاقتصادية للدول الغربية، ونرى هذا واضحاً وجلياً في التدخلات الاقتصادية عبر المنظمات الدولية، والشركات عابرة القارات والنظريات الفجة التي لا تتناسب مع واقعنا.
وأخيراً نخلص إلى أن تأثير الاقتصاد في الثقافة سريع وكبير وهو ما يستدعي رؤية واضحة تعتمد على اعتزاز بالذات واستقلالية في القرار وخطط علمية، وبدونها ستظل ثقافتنا عرضة في مهب الريح.
إذا اعترفنا بهذا الواقع المرّ يجب أن ندرك أن التعاليم الربانية في الاقتصاد والقناعة والحصانة أمام غزو الشهوات، هي القادرة اليوم على تغيير الإنسان، وهذا التغيير هو السبيل الوحيد لتغيير نمط الاستهلاك المهلك. لكن المبادئ لا تعمل في فراغ، بل علينا أن نوفر الشروط والأدوات لجعلها فاعلة، وهذا يستوجب علينا أولا الاعتراف بسيادة ثقافة الاستهلاك، ثم إيجاد قنوات معينة لتوفير البدائل الفعالة في ظل هذه السيادة. أما التنكر لهذه السيادة والاستغراق في الحلول الحالمة لا يمكن أن يدخل في إطار الإيجابية أبدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *