معراج الأمل عبد الحكيم فرحي

 

تمر بالنفس في اليوم الواحد فصول شتى؛ فهي دائمة التلون والتغير ولا تثبت على حال، تكون في كامل اتزانها وتعقلها، وتبلغ درجة عالية في الحكمة… لكن يحصل في لحظة من اللحظات أن تزل إلى دَرَكِ الحضيض، ويحيط بها الضعف والهوان من كل جهة وناحية، لا تُقَدِّم ولا تُؤَخِّر من أمرها شيئا لما أُشربت هواها، الذي يصير سلطانها وموضع سِرِّهَا ونَجْوَاها، بعد أن كان من ألد أعدائها..

وتصير لا تأتمر إلا بأمره ولا تنتهي إلا بنهيه، يريها الباطل حَقًّا، والحقَّ باطلا، ويزهدها في الحق حتى تكف عن إتيانه، ويزين لها الباطل حتى تظل حبيسة أركانه، ويصبح الحق عندها مشوه الصورة، والباطل بارز المعالم، فتغوص في لجج الهوى ما شاء الله لها أن تغوص،” تغرق تارة وتنجو أخرى، ولا ترى أمامها شيئا، بعد أن عشِيَ بصرُها وطُمِسَتْ بصيرتُها، فظلت مُنْقادة في سيرها، وليس لها من أمرها ما تقدمه أو تؤخِّره، وتخشى إن صارت عَصِيَّة الطَّوعِ أن ينالها من سيدها عقاب أو تعزير، أو تحل بها نازلة عذاب..

فتيأس من هذا المصير المشؤوم، بقلب مكلوم، وتَجُرّ أذناب خطاها حسيرة كئيبة، وقد التحفت بالحزن، وجعلت الهمَّ إزارا ودِثَارا، واتخذت من البكاء وسادا تَحِنُّ إليها كلما اضطرمت نار الأسى في أحشائها، فتُبردها بالدمع إلى أن يجف من المُقَل وقد نحث على خدها ممرا يعبر فيه، عسى أن يخفف ذلك من هول ما نزل بها، فيعلوا نَشِيجُهَا مُدوِّيًا في الآفاق إلى تنمحي تلك الصورة القاتمة التي خيَّمت عليها، وينجلي الضباب الذي حجب عنها الرؤية لزمن..

فتفتح عينيها على أول شعاع نور تهتدي به، وتتمسك بخيوطه لتحيك منها بارقة أمل تنير تلك الدروب المظلمة، بارقة أمل تَلُوحُ في الأٌفُقِ لتجعل منه روضا باسما في يوم ربيعي؛ يَعبق بالشذى، ويَفوح بالأريج، يُسفِرُ الأملٌ على نور الفجر، بعدما طالت ظلمة الليل القاتمة، وترمق مخايل السعادة بعدما كانت مُخَنْدَقَةً في سراديب الحزن والكآبة، وتنهل من مَعِين العِزِّ والشَّرف بعدما اسْتَبدَّ بها العَطشُ في صحراء الذل المقفرة، وتصير ترى كل شيء حولها على حقيقته، بعدما زالت كل الأقنعة، وتوارت خلف الحجب تلك الخيالات الخادعة..

فشراب اليأس وإن كان مُرًّا مذاقه، يظلُّ ماء الأمل نَمِيرًا عذبًا زلالاً، فأنت تحيا بالأمل بعدد أنفاسك، كما تموت باليأس كلما لاحت مخايله، واستبدَّت بخواطرك، حتى تغدو عظام نفسك رميما، تنتظر من يبعث فيها ينبوع الحياة.. فحِكْ بالأمل في كل يوم لبوسا لا يبلى، يقيك من حَرِّ الألم وقَرِّ الحُزْن، وكن كالندى أو قطر المطر، وانثر قطرات الأمل في كل صقع تنزل به، ليكون لك فيه جميل الذكر والأثر الحسن، لتحيا مع من حولك بالأمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *