الصحافة اليوم من شر ما ابتليت به الأمة حين تولاها قوم لا خلاق لهم، انعدمت فيهم كل مقومات الصدق والنزاهة والأمانة إلا من رحم الله، والمتأمل في واقع الصحافة يجزم بأنها ما كانت إلا لغرض دنيء وقصد حقير. ومن غرائب الصدف أن يأتي هذا المقال متزامنا مع تصريح مجنون البيت الأبيض ترامب في يوم تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية حيث قال بأنهم أكثر الناس خداعا على وجه الأرض.
والحكمة تأخذ أحيانا من أفواه المجانين ويعمل بها العقلاء. ومناسبة القول ما تنشره الأقلام المأجورة والصحافة المرتزقة من مقالات وحوارات وتقارير موازاة مع قرار منع النقاب، لتدعو هذه المنابر في سفالة ووقاحة إلى قطع الرقاب، وإقامة محاكم تفتيش، وإبادة كل من تلبس النقاب، ومن يخيطه ومن يبيعه ومن يدعوا إلى لباسه ومن يدافع على الحق في ارتدائه.
مع ما تخطه أيديهم المشؤومة من سموم قاتلة، وما تلفظه عقولهم المأفونة من تعسف في تأويل القضايا وتقرير الأحكام الجائرة، وما تبثه نفوسهم المسكونة بحب الخنا والانحلال والرذيلة وكراهية الستر والحياء والعفاف والفضيلة.
فكتبوا مستغلين صدور قرار منع النقاب يطعنون في لباس الستر والوقار والفطرة نقابا وحجابا بأقذع النعوت وأبشع الأوصاف وأقذر الكلمات، والطعن في شريعة الحجاب التي أقرها رب العالمين. وينشرون الأكاذيب والمغالطات والقصص المختلقة والأحداث المفتعلة في صورة تنعدم فيها أبسط معايير العقلانية والحداثة والديمقراطية والتحضر وغير ذلك من المعزوفة المتآكلة التي يتغنون بها صباح مساء. وبشكل يؤكد أن القوم لا يملكون لو ذرة من الصدق والأمانة…
لقد صدر قرار منع النقاب من جهة لم تفصح عن حقيقتها ولا حقيقة دوافعها، لكن صحافة الزندقة والانحلال لم تدخر جهدا في تبرير هذا القرار الجائر، والذي لقي استنكارا واستهجانا واسعا من قطاعات عريضة ومختلفة من أبناء الوطن. وصارت تدافع عن القرار وإعطائه المصداقية والمشروعية؛ وفي ذلك إشارة إلى الشعور بالحرج من هذا القرار الذي يضرب عرض الحائط كل القوانين والمواثيق الشرعية والكونية والاجتماعية والتاريخية… ومحاولة لتبرير قرار طائش، وكأنه ابن لقيط يحتاج لنسب.
في فقه النكاح هناك زواج يسمى زواج التحليل؛ وهو باطل وصاحبه ملعون، وصورته أن زوجا يطلق زوجته ثلاثا فتحرم عليه حتى تتزوج رجلا غيره. فيقرر إرجاعها فيبحث عمن يتزوجها بنية طلاقها حتى تحل لزوجها الأول. ويسمى هذا الرجل بالمحلل (الحلال فتح الحاء واللام وتشديدها) بلهجتنا ويسمى في الجاهلية ب(التيس المستعار). ويسمى الزواج بالتحليل. وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل، والمحلل له». سنن الترمذي.
وسئل بكر بن عبد الله المزني عن رجل يطلق امرأته البتة قال: «لعن الحال، والمحلل له، أولئك كانوا يسمون في الجاهلية التيس المستعار» ( سنن سعيد بن منصور).
هذا حال أكثر الصحافة اليوم. كلما صدر قرار وقانون يصادم القيم والأخلاق والدين إلا وقامت قومة تيس واحد تحلله، وتبحث له عن نسب، وتمنحه قبلة الحياة.هذه بعض مهامها القذرة فشاهت الوجوه.