إتحاف الكاتب بكتاب «صنعة الكاتب» (2/2) بقلم لطيفة أسير

من المباحث المثمرة والغنية جدا بالكتاب (“صنعة الكاتب”؛ للباحث الدكتور فهد بن صالح محمد الحمود)، الحديث عن ركائز الكتابة والتي حددها المؤلف في تسعة محاور وهي: الاستمداد، الفكرة، الهدف، لمن نكتب، المعنى، اللفظ، الأسلوب، المحو، والانفعال.
1- الاستمداد: يكون بطريقتين: المعرفة النظرية حيث ساق الكاتب كلاما نفيسا عن أهمية القراءة بالنسبة للكاتب ودورها في تكوينه وتنشئته تنشئة فكرية ناضجة حتى يكون كاتبا بالأصالة لا كاتبا بالوكالة. والطريق الثاني التجارب الحياتية، والتي يمكن أن تُطعّم حال افتقارها بالقراءة أو الاطلاع على تجارب الآخرين. كما ذكر الكاتب أنواع المعرفة الواجب على الكاتب معرفتها والإلمام بها وشروطها كتنويع ثقافته العامة وتقوية ملكته اللغوية وتوسيع معرفته الأدبية والاجتماعية والحياتية. وامتلاك ثقافة شرعية تحميه من الوقوع في المحاذير الشرعية، وجود رؤية خاصة للكاتب، وأخيرا أن تكون الكتابة عربية الحروف والروح.
2- الفكرة: يقصد أن الكاتب يجب أن يُخضع موضوع الكتابة لتفكير ممنهج دون أن يفقده عفويته المطلوبة في العمل الإبداعي. فقيمة الكتاب بما يحمله من أفكار وبما يوحي به من أفكار للقارئ. مع محاولة إغناء الفكر بالقراءة الكثيرة لأن الأفكار الجيدة تحتاج لثقافة عظيمة وتوظيفٍ أجود. كما أن الاستعانة بالله واللجوء إليه مجلبة للأفكار وعون على الكتابة. وقد قدم المؤلف في ختام حديثه جملة نصائح وتوجيهات لتوليد الأفكار وحسن تنظيمها وصياغتها.
3- الهدف: التأكيد أن الكاتب يجب أن يحدد الغاية من ممارسته لفعل الكتابة ويجدد طرح السؤال على نفسه: لماذا أكتب؟ لأن تحديد الهدف يجعل أسلوبه في الخطاب واضحا، ويضمن وصولا سلسا لذهن القارئ. وقد عرض الكاتب لبعض أهداف الكتابة وفصّل فيها تفصيلا غير مملّ وهي: (إثارة الشعور/ المعرفة / الإمتاع/ التفكير) وجُلّها تصبو لتحقيق ما أسماه الكاتب باللذة الفنية لدى القارئ.، كما أشار عرَضا لأهداف أخرى غير نبيلة تنزل بالكاتب ولا ترفعه ولو بعد حين منها: الشهرة، التفاخر، التعالم، الرغبة في الحضور الإعلامي والسلطة والتميز والكسب المادي.
4- لمن نكتب؟: تحدث الكاتب هنا عن الفئة المستهدفة في الكتابة، إذ (لا توجد كتابة لا تخاطب أحدا وإلا تحولت -كما يقول نزار- إلى: جرس يقرع في العدم). فاستحضار طبيعة المخاطب عون للكاتب على النجاح في كتاباته، وهذا لا يعني أن يكون أسير رغبات القراء ولكن يحاول جذبهم إليه بطريقة لا تفقده خصوصيته ولا تقيده أو تحرمه حرية الإبداع. كما أشار المؤلِّف إلى بعض العوامل الخارجية التي قد تحول بين القارئ والكاتب كدُور النشر.
5- الانفعال: (وهو الشرارة التي توقد النّار) و(العنصر المحرك في كل الأعمال الكبيرة). ونجاح الكاتب في نقل انفعاله للقارئ رهين بجملة من الاعتبارات كما أن إخفاقه قد يكون راجعا لقصور في لغة الكاتب أو ضعف لدى المتلقي أو القارئ. و(الأصل في الشعور أن يكون نابعا من نفسه، وهو الذي يثمر الكتابة القوية).
6- المعنى: أي العناية بمحتوى الكتابة، والكاتب البليغ هو الذي يحسن تفكيك المعنى وتقسيمه فلا يقع في تراكم المعاني والإبهام. ولا يسرف في المحسنات البلاغية بشكل متكلف يجعل الكتابة مجرد صناعة لفظية. وصفات المعنى ثلاث: الوضوح والسّداد ثم الشرف أي أن لا يكون المعنى (مبتذلا وسخيفا أو مشتملا على فضول الكلام). أما طرق أخذ المعنى فقد حصرها الكاتب في روافد ثلاث وهي: الابتكار والبداهة والشهرة. ولكل مقام تفسير وبيان يغني عن أيّ مقال.
7- اللفظ: لأهمية اللفظ في الكتابة بسط الكاتب المقال فيه لأن (الألفاظ كالثياب للمعاني، وبقدرها تجمل المعاني في العيون). وجماع البراعة فيها قائم على توفر أوصاف متعددة منها: الفصاحة، الصراحة، العزة، الرشاقة والبساطة لا التبسيط.
8- الأسلوب: في هذا المبحث تحدث د. فهد عن ماهية الأسلوب وسبل اكتساب الكاتب لأسلوبه الخاص. لكنه لم يُفضْ في بيان حدّ الأسلوب، واختار الحديث عن تجلياته وصفاته الرئيسية كالحديث عن فعاليته وقوة إقناعه، ومراقبة النبض العام للنص وحسن التركيب. وفي الأخير عرض وصَفات أسلوبية متفرقة.
9- المحو: ويقصد به عملية تنقيح الكتابة وتهذيبها وتشذيبها لإزاحة الإضافات غير الضرورية (وقد يكون التصحيح والإلحاق أعسر وأصعب من ابتداء الكتابة). قال يزيد بن المهلب: (إذا كتبت كتابا فأكثر النظر فيه، فإنما هو عقلك تضع عليه طابعك).
بعد تفصيل الحديث في ركائز الكتابة، انتقل المؤلف للحديث عن مفاتيح الكتاب بذات البيان والاستدلال والمتعة ـ فبدأ باختيار موضوع الكتابة ثم العنوان حيث بيّن معايير اختيار العنوان، وانتقل للحديث عن مقدمة الكتاب أو ما أسماها بالافتتاحية وهي جواز سفر للكتاب. وعن الرغبة وسبل إحيائها لحظة انطفاء وهج الكتابة تحدث المؤلف ثم بين أهمية اختيار الوقت والمكان المناسبين للكتابة ثم ضرورة تخلص الكاتب من بعض العادات التي قد تكون عائقا أمام الكتابة.
وفي ختام الكتاب وجه د. فهد رسالة بديعة النظم غزيرة النفع لأرباب صنعة الكتابة يبين فيها قدرهم ومقامهم في المجتمع، واستحثهم على العمل الجاد الدؤوب من أجل التفاني في أداء رسالتهم .
وبعدُ أخي الكاتب/ القارئ..
هذه صورة مصغرة لكتاب عظيم النفع، بتوجيهاته ونفائسه ومراجعه وإضاءاته التي تمهد السبيل لكل شغوف بالكتابة ليبذل جهده من أجل تجويدها والإفادة من أربابها حتى يربأ بنفسه عن هذا الغثاء الذي ملأ الساحة الأدبية. وإذا كان التأليف والتصنيف رزقا -كما ذكر الكاتب- فإن هذا الكتاب رزق عظيم أفاء الله به على الدكتور فهد، وكتب له القبول بين كل من تصفحه واطلع عليه، وهو كما كان يُقال عن كتب المتقدمين (يستعين به الطالب المبتدي، ولا يستغني عنه الرّاغب المنتهي).
فجزاه الله خير الجزاء ونفع بعلمه العباد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *