“الجنس مقابل النقط” عنوان على حالة فساد أخلاقي وانحراف اجتماعي في جامعة عبد الملك السعدي أبطالها أستاذ وطالباته؛ لكن هل هذه حالة عابرة وواقعة عين لا عموم لها؛ تحتاج فقط إلى تحقيق وحكم وعقوبة وتأديب وينتهي الأمر؛ أم أنها نموذج لمعضلة مستشرية في المجتمع في مملكتنا الشريفة؟؟
فعلى أرض الواقع نصل إلى اليقين من خلال المعطيات ودون عناء أن وسم “الجنس مقابل النقط” له أخواته العديدات فهناك “الجنس مقابل الغذاء”، و”الجنس مقابل الدواء”، و”الجنس مقابل الوظيفة”، و”الجنس مقابل الحرية”، و”الجنس مقابل الصفقات العمومية”، و”الجنس مقابل المداخيل السياحية” و”الجنس مقابل الإذعان” و”الجنس مقابل المعلومة” لكن أكثرها شيوعا هو “الجنس مقابل القوت” و”الجنس مقابل المتعة”.
فالجنس هو أحد أضلاع المربع المؤثر على كل المستويات المجتمعية: الجنس والدين والمال والسياسة.
جولة في أحياء الدار البيضاء أو آگادير تثبت لك أن “تنور” الشهوة المتسيبة قد فاض؛ وانطلق بعده طوفان الجنس؛ حتى إنك لتَصْدُق إن قلت إن: “الجنس أصبح خبز المغاربة اليومي”، في الأحياء الشعبية كما في الأحياء الراقية، في الفنادق والڤيلات المجهزة كما في بيوت الدعارة والشقق المفروشة والملاهي الليلية؛ باختصار الجنس أصبح ظاهرة يومية لا تخطئها العين ولا تحتاج إلا تتبع المخبرين.
أما على المستوى الخارجي فالفضائح المغربية في ميدان الزنا والدعارة مستشرية تجعلك في خجل عندما يُتحدث عن العفة.
وقد كتب الله لي أن زرت تركيا مرات ولا يمر يوم من زياراتي إلا وكلما خرجت للشارع يصادفني العِرض المغربي المستباح؛ يتداول بين أغلب الجنسيات في سوق الجنس؛ لا تدخل مقهى ولا تركب طائرة ولا تمشي في شارع إلا وتسمع اللهجة المغربية فتلتفت لترى بائعة هوى مغربية تبحث لتقتات من ثدييها؛ وترى في وجهها الفقر يتراقص من تحت أكوام ألوان المساحيق التي تؤثث محيا شابات فقدن كرامتهن في بلادهن وألجأهن غياب العدالة الاجتماعية إلى الفساد؛ ففضلن السفر بعيدا ليبحثن عن قوتٍ ودواء وسكن يؤدين مقابله لحظات جنس محرمة.
الأمر نفسه في دبي ولبنان بل تجاوز الحد فوصل إلى التايلاند.
في الحقيقة لا أريد أن أبدو مبالغا في العَرض؛ فالشريفات العفيفات كثيرات يملأن البيوت المطمئنة؛ ويشغلن المدارس والمؤسسات؛ لكن رغم هذا فالمعضلة موجودة؛ بل أحس أني قصرت في التوصيف إذ الأمر أكثر استفحالا؛ فالظاهرة المعضلة لا تحتاج إلى أدلة إثبات يُتمحل في إيجادها؛ إذ الأرقام ناطقة بالحقائق؛ فَلَو أخذنا عدد المولودين ضحايا الجنس في المستوصفات والمستشفيات؛ -بله الذين يولدون في السر-؛ المصرح به من طرف الجمعيات المتخصصة لتبين أن الظاهرة تحتاج إلى حالة طوارئ واستنفار عام.
فاستنادا إلى نتائج بحث ميداني قامت به جمعية “إنصاف” سنة 2011؛ نجد أن 153 طفلا يولد يوميا خارج مؤسسة الزواج أي من سفاح؛ وقد سبق للسيدة عائشة الشنا رئيسة جمعية التضامن النسوي وهي إحدى أهم الناشطات في هذا الميدان؛ أن قدمت تصريحا خطيرا يفيد أن حوالي 500 ألف طفل مغربي وُلدوا خارج مؤسسة الزواج بين سنتي 2003 و2009، من طرف 200 ألف “أم عازبة”، وأنه يولد يومياً 100 طفل خارج إطار الزواج، وأن 24 طفلاً يُتخلى عنهم في الشارع يوميا.
في ست سنوات فقط يولد لدينا نصف دولة الإمارات من الأطفال المغاربة ضحايا الزنا والثورة الجنسية في المغرب؛ فكيف سيكون حالنا في المستقبل القريب؟؟
إن الغريزة الجنسية شيء جِبِلّي فِطري مثلها مثل غريزة الجوع؛ تُوَلّد الحاجة التي لا تهدأ إلا بالتلبية والإشباع؛ وكما أن الله نظم سبل إشباع الحاجة إلى الطعام؛ وسنّ الأحكام التي تحرم أصناف المأكولات والمشروبات؛ مثل الخمر والخنزير.. وأحكاما تنظم سبل الحصول عليها من بيع وشراء وزراعة وصناعة؛ ووضع آدابا للأكل والشرب؛ فكذلك سن أحكاما تضبط إشباع الغريزة الجنسية التي تعتبر من أهم الغرائز التي بفضلها يحفظ النوع البشري فوق هذا الكوكب.
وهذه الأحكام يمكن الاصطلاح على تسميتها “منظومة العفة الإسلامية”؛ والتي تضم مجموعة هائلة من الأحكام الشرعية منها ما يتعلق بالنظر، ومنها من يتعلق باللباس، ومنها ما يتعلق باللقاء بين الجنسين، ومنها آداب الاستئذان، ومنها الأحكام التي تضبط العلاقات بين الرجال والنساء الأجنبيات عنهم، ومنها ما يضبط الزواج والعلاقة الجنسية بين الزوجين وغير ذلك من الأحكام والشرائع التي تتدخل في التفاصيل الدقيقة من أجل سلامة المجتمع والفرد من التسيب الجنسي الذي يهدد أهم نواة فيه وهي الأسرة سواء الممتدة أو النووية.
ولما كان الإسلام دين أخلاق بنيت أحكام منظومة العفة الإسلامية على أساس أخلاقي فريد يعلي من شأن الحياء والتعفف والحشمة؛ ويزدري التهتك والتفسخ وينهى عن البذاءة والفحش في الكلام.
والمتتبع لتاريخ الأمة ومنها مغربنا الحبيب يلحظ بما لا يدع مجال للشك، أن منظومة العفة هذه كانت مستحكمة في النسيج الاجتماعي؛ بل كذلك السياسي؛ فلم يكن الملوك والسلاطين يسندون وظائف تدبير الشأن العام إلى الأشخاص الذي يتلبسون بأسباب الفسق أو ما يسمى لدى العلماء بخوارم المروءة؛ كما أن الفاسق كانت تسقط عدالته فلا تقبل شهادته، ولا يوظف فيما يندرج في الولايات العامة-، ويدخل في هذا الحكم بالأساس من كان لا يتورع عن الفحشاء والمنكر المتعلق بالجانب الجنسي-.
ومع تفشي العلمانية وإقصاء الدين وشريعته من أغلب مناحي الحياة؛ وأهمها سن القوانين؛ انطلقت فوضى جنسية صعب على الراتق جمع فتقها، بل أصبح مَن يتحدث عنها من العلماء والفقهاء والسياسيين يَحذرون من هجوم العلمانيين؛ ويتلطفون في العبارات مخافة الإرهاب العلماني؛ حتى وصلنا إلى هذه الفوضى الجنسية العارمة المهددة للوجود المغربي من حيث هو مجتمع مسلم لازال يتشبث أفراده بهويتهم ودينهم.
فما الذي يجعل الدولة برجالها ومسؤوليها لا تضع على الطاولة ملف التسيب الجنسي وآثاره وأرقامه وملفاته الفرعية المتعلقة بالأمراض المتنقلة جنسيا والأطفال المتخلى عنهم والذين يغذون ظاهرة أطفال الشوارع وكذا أمهاتهم ضحايا الزنا؛ والنساء في وضعية صعبة جراء الحمل من سفاح؛ وغيرها كثير؟؟
لماذا تبقى هذه الملفات الخطيرة “طابوهات” لا يتحدث عنها إلا تحت عناوين كرامة المرأة وحقوقها وحقوق الطفل وحمايته؛ والتي تُعالَج فيها الآثار وتبقى الأسباب المباشرة المنتجة للظاهرة مسكوتا عنها؟؟
الأسباب يمكن إجمالها في أمرين اثنين:
أولا: لأن القضاء على الأسباب يحتاج إلى عدالة اجتماعية صارمة، تتطلب توزيعا عادلا للثروات، وهذا التوزيع العادل للثروات يحتاج إلى إصلاح سياسي عميق تحُول دون حصوله شراسة البنيات السفلى التي تقف عليها البنية العُلوية للنظام السياسي والاقتصادي المغربي؛ وهذا يتطلب بدوره إرادة سياسية ذاتية كبرى للنظام أو ظروفا اجتماعية ضاغطة ملجئة له إلى اتخاذ إصلاحات سياسية واقتصادية عميقة.
ثانيا: لأن موضوع تصريف الشهوة الجنسية مرتبط ارتباطا وثيقا بالحرية الفردية التي يريد العلمانيون فرض مفهومها الغربي اللائكي على المغاربة؛ حتى إنك لتجد منهم من يدعو إلى شيوعية الجنس مثل عبد الصمد الديالمي الذي يروَّج له كباحث جنساني مغربي؛ ومنهم جمعيات تطالب بتعديل القانون الجنائي ورفع العقوبة عن الزنا، امتثالا لمفهوم الحرية الفردية الذي يعتبرونه كونيا، وتماشيا مع حرية المرأة في جسدها.
فهذان السببان يمنعان الدولة من وضع ملف التسيب الجنسي على طاولة المعالجة رغم أن الملف هو أهم من ملفات كثيرة تنفق فيها الدولة الميزانيات الكبرى وتسن لها القوانين كملفات تشغيل الأطفال القاصرين وملفات “زيرو ميكا”.
إن التسيب الجنسي اليوم بات مهددا للأمن العام والصحة العامة، والتماسك الأُسَري، ومشوها للسمعة المغربية وملطخا لعرض نسائنا وبناتنا؛ فمتى يعرف هذا الملف معالجة شجاعة وحقيقية؟؟
نأمل أن يتحرك الجميع.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
إبراهيم الطالب