قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ”.
وقد صرح أهل العلم -رحمهم الله تعالى- بأنه لا تجوز رواية الحديث الموضوع إلا مقروناً ببيان حاله، فإن كان ضعيفاً وليس بموضوع لم يجز الجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، ولا تجوز نسبته إليه، ولكن يروى بصيغة من صيغ التمريض كرُوي وقيل ونحوهما.
قالوا ذلك تحذيراً من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ورواية ما يخشى ويرى أنه كذب.
وفي أيام رمضان تكثر المواعظ والدروس والمحاضرات الدينية التي تعنى بالصيام، غير أن بعض الخطباء والوعاظ لا يتحققون من درجة الأحاديث فيروون كل ما يجدونه في الكتب وينسبونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
لذا أحببت أن أنبه على بعض الأحاديث التي تتردد على الألسنة وتشتهر، وهي غير صحيحة، وبالله التوفيق.
الحديث:) إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، نظر الله إلى خلقه، وإذا نظر الله -عز وجل- إلى عبد لم يعذبه أبدا، ولله في كل ليلة ويوم ألف ألف عتيق من النار(.
– درجته: موضوع. في سنده عثمان بن عبد الله الشامي أحد الوضاعين، ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، فقال: “موضوع فيه مجاهيل، والمتهم به عثمان”.
قال العلامة الألباني -رحمه الله- في سلسلة الأحاديث الضعيفة: موضوع.
فمثل هذا الكلام لا ينبغي أن يروى على أنه حديثا، بله أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
الحديث: )شهر رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر(.
درجته: منكر: لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال العلامة الألباني -رحمه الله-: ضعيف.
فعزاه في الجامع الصغير لابن شاهين في ترغيبه والضياء عن جرير ورمز له بالضعف. وبين سببه المناوي في شرحه فقال: أورده ابن الجوزي في الواهيات، وقال: لا يصح، فيه محمد بن عبيد البصري مجهول .
قلت: ومعناه أيضا لا يصح فكيف يتوقف صيام شهر كامل على إخراج الزكاة، وهذا التداخل بين هذين الفريضتين لم يقل به أحد من أهل العلم.
الحديث: )أول شهر رمضان رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار(.
درجته: منكر، أخرجه ابن أبي الدنيا في “فضائل رمضان” رواه العقيلي في “الضعفاء الكبير” ، وابن عدي في “الكامل” ، وفي سنده رجلان: أحدهما منكر الحديث، والآخر متروك.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: وهو حديث ضعيف أخرجه ابن خزيمة وعلق القول بصحته.
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله- في “السلسلة الضعيفة والموضوعة”: منكر.
الحديث: )خمس تفطر الصائم وتنقض الوضوء :الكذب والغيبة والنميمة والنظر بالشهوة واليمين الفاجرة (.
درجته: موضوع، ذكره ابن الجوزي في “الموضوعات” .
وقال ابن أبي حاتم في العلل: “سألت أبي عن هذا الحديث فقال :هذا حديث كذب” .
وقال العلامة الألباني -رحمه الله- : موضوع.
الحديث: (الصائم في عبادة ما لم يغتب(.
درجته: منكر، رواه ابن عدي في “الكامل” وقال عنه: منكر.
وفي سنده عبد الرحيم بن هارون أبو هشام الغساني وهو ضعيف كذبه الدراقطني، وقال أبو حاتم: مجهول لا أعرفه”. وقال الشيخ الألباني -رحمه الله- في “السلسلة الضعيفة والموضوعة”: منكر.
الحديث: (لكل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصوم).
درجته: ضعيف، رواه ابن ماجة وغيره من حديث أبي هريرة، ورواه ابن الجوزي في “العلل المتناهية في الأحاديث الواهية”، من حديث سهل بن سعد، وقال عنه: هذا حديث لا يصح.
وقال فيه العلامة الألباني -رحمه الله- في “السلسلة الضعيفة والموضوعة”: ضعيف.
الحديث: (صوموا تصحوا).
درجته: ضعيف، قال الحافظ العراقي: رواه الطبراني في “الأوسط”، وأبو نعيم في “الطب” من حديث أبي هريرة، بسند ضعيف.
المهم أن هذا الحديث وإن روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، إلا أنه لا يصح منها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم شيء، ولا يعني ذلك بطلان معناه لأن الأطباء يتحدثون كثيراً عن فوائد الصيام الصحية، وهو أمر مشاهد ومعروف، بل الصيام من الأساليب التي يستخدمها بعض الأطباء لعلاج بعض الأمراض، ولكن هنا ينبغي التنبيه على أمرين:
الأول: أن المحدثين يهتمون ببيان صحة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهل هو ثابت عنه من ذلك الطريق أم لا، عن طريق تمحيص السند والمتن معا.
وقد يكون معناه صحيحاً، أو صح موقوفاً عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، إلا أن صحة المعنى أو ثبوته عن الصحابي شيء، وصحة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم شيء آخر.
فلا ينبغي أن ننسب للنبي صلى الله عليه وسلم إلا ما صح عنه بقول الفحول من أهل الحديث، والله تعالى أعلى وأعلم.