لماذا تخلق المادة الموت ثم تخاف منه؟ ذ. عادل خزرون

 

لقد فشل المُلحدون في استيعاب فكرة الموت، وفشلوا عما ستكون الحياة بعد الموت؟ وعجزوا عن استيعاب أن الموت هو القنطرة التي تقلنا إلى الحياة الأبدية، وانزعجوا جدًا من مواجهة الموت، وأكبر عقبة في حياتهم مشكلة الموت، حتى أنهم قد يلجأون للانتحار للتخلص من رهبة هذه اللحظة التي تقلقهم، فشوبنهاور الذي ادعى الشجاعة وقال إن الحل الوحيد لمشاكل الإنسان هو الانتحار، لم يجرؤ على الانتحار، بل عندما انتشرت الكوليرا في برلين أسرع بالفرار منها وهاجر بعيدًا.

ومثَّل الموت مشكلة المشاكل للمُلحدين، فما أبشع الموت من منظار ماركسي، فالموت هو الظلمة الطاغية والنهاية المآساوية والفناء الذي لا يحمل أي نوع من الرجاء، ومما يذكر هنا أنه عندما صُدم “كارل ماركس” بموت ابنه كتب إلى صديقه “لاسالي” يقول: “لقد هزني موت ابني هزة عنيفة، وإني أشعر بفقدانه، كأنما حدث ذلك بالأمس فقط. أما زوجتي فقد انهارت تمامًا تحت وطأة الضربة القاصمة”(1)، و”تاليران” في مواجهة الموت كان يصرخ “إنني أقاسي ويلات اللعنة”(2)، و”ميرابو” كان يهمس قائلًا: “هيا إليَّ بالمُخدر.. حتى لا أفكر في الأبدية”(3)، وشارل التاسع ملك فرنسا كان يصرخ: “يا للدماء.. يا للمذابح.. يا للمشورات الرديئة التي أتبعتها.. لقد ضعت للأبد”(4)، و”توماس باين Thomas Paine” صاحب كتاب “عصر العقل” قال في لحظاته الأخيرة: “آه إني على استعداد أن أدفع كل العوالم – لو أُعطيتها – في سبيل سحب كتابي “عصر العقل” آي يا رب ساعدني، يا يسوع المسيح أعني، كن معي. أنه الجحيم بعينه أن تتركني وحيدًا”(5) وكان يصرخ “يا رب ساعدني. اللهم ساعدني. يا يسوع المسيح ساعدني”، و”ياروسلافسكي ” هتف وهو على فراش الموت أمام ستالين قائلًا: “أحرقوا كل كتبي. أنظروا. أنه هنا ينتظرني. أحرقوا كل مؤلفاتي”(6).

و”فولتير Voltiare” قبيل موته بثلاثة أشهر أخذ يعاني من تبكيت الضمير، حتى أن زملاءه أقرُّوا بأن موته كان أشد فظاعة من موت أي شخص آخر، وقد طلب قسًا وأظهر رغبته في الرجوع لله، وكتب إقرارًا يعلن فيه رفضه للإلحاد والمُلحدين، وكان يقول لمن يحيط به من المُلحدين “أذهبوا.. انصرفوا.. ما أحقر المجد الذي جلبتموه لي”، وكان يلتمس الرحمة أحيانًا فيقول: “لقد هجرني الله والبشر وليس أمامي سوى الجحيم. يا سيدي، أيها المسيح. يا يسوع المسيح”، وأحيانًا أخرى كان يجدف على اسم الله المبارك، وقال للطبيب الذي يعالجه أنني مستعد أن أعطيك نصف أملاكي لو جعلتني أعيش ستة أشهر، وعندما قال له الطبيب: يا سيدي لا يمكنك أن تعيش ستة أسابيع، قال فولتير: “سأذهب إلى الجحيم”، ومات بعد فترة وجيزة(7)..

وقال “فرنسيس نيوبورت Francis Newport”: “إنني أعلم بوجود إله، لأنني أتأثر دائمًا بتأثيرات غضبه. كما أنني أعلم أيضًا بوجود جحيم لأني قد تناولت الآن في قلبي عربون ميراثي هناك. قد أهنتُ خالقي، وأنكرتُ مخلصي. قد انضممت إلى صفوف المُلحدين والكافرين، وظللت في هذا الطريق رغمًا عن تبكيت ضميري المتكرر -إلى أن صرخ- أثمي متطلبًا دينونة الله العادلة. إلى أين أنا ذاهب؟ إني محكوم عليَّ بالهلاك الأبدي، قد أصبح الله عدوًا لي وليس لي معين..”، ثم صرخ بأنين يُمزق الأحشاء -كأنه قد خرج عن نطاق البشر- قائلًا: “يا لها من آلام لا تُطاق -آلام الجحيم والهلاك!- ومات كذلك”(8).

هذا هو موت المُلحدين الفظيع المُزعج، أما الإنسان المؤمن فهو واثق عند موته، مهما كانت آلام الجسد، فالذين جازوا في عذابات رهيبة جراء إيمانهم كانوا يتمسكون بهذا الإيمان للنفس الأخير، فيقول “ريتشارد وورمبراند”: “حينما كنت بين جدران السجن.. كنت أسمع أنين البعض في لحظاتهم الأخيرة، وكنت أصغي إليهم في النهاية وهم يرددون {هو الله. الله موجود} وما أحلى أن تنتهي حياتنا وهذا التأكيد العظيم على شفاهنا مشيرًا إلى اليقين الثابت في أعماقنا”(9)، كما يقول أيضًا: “وأولئك وسط العذابات والاضطهادات في قلب السجون، إذ بالله يُشرق عليهم بنور الإيمان في ساعاتهم الأخير فيهتفون {الله الله وليس سواه}”(10).

ويقول: “نيافة الأنبا موسى” أسقف الشباب: ” اللانهائية.. حقيقة منطقية. لاشك أن العقل محدود. بينما الأرقام غير محدودة، وأقصد رقم “اللانهاية” فإذا ما حلقنا بالفكر في آفاق المستقبل لنحصي سنوات ما بعد سنة 2003 سوف نقول 2004 ثم 2005 ثم 2006 لنصل إلى “مستقبل لا نهائي غير محدود” هو “الأبدية” إذ يستحيل أن تحد حدودًا للأرقام، أو نهاية لها. فإذا ما رجعنا بفكرنا إلى الأعوام الماضية فسوف نقول 2002 ثم 2001 ثم 200.. وسوف نصل أيضًا إلى ماضي سحيق لانهائي.. هو “الأزلية” إذًا هناك كائن أزلي (لا بداية له) أبدي (لا نهاية له) وهذا الكائن اللانهائي هو الله، مهندس الكون الأعظم، واجب الوجود، الحياة المانحة للحياة، والخالق الذي خلق الكل.. فالله الأصل، علة كل المعلولات، وأساس كل الموجودات.. الوجود الأول، واجب الوجود، وخالق الجميع” (11).

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) ريتشارد وومبراند -ترجمة د. عزت زكي- جواب المسيحية على الإلحاد الشيوعي ص:149.

(2) المرجع السابق ص:161.

(3) المرجع السابق ص:161.

(4) المرجع السابق ص:161.

(5) المرجع السابق ص:161.

(6) ريتشارد وومبراند -ترجمة د. عزت زكي- جواب المسيحية على الإلحاد الشيوعي ص:41.

(7) راجع نورمن أندرسون؛ العقل والإيمان طبعة 1955م ص:101،102

(8) راجع نورمن أندرسون؛ العقل والإيمان ص:102.

(9) جواب المسيحية على الإلحاد الشيوعي ص:129.

(10) جواب المسيحية على الإلحاد الشيوعي ص:131.

(11) جريدة وطني 27/4/2003م القيامة والعلم ص:4.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *