عظم جرم من قنّط العصاة من رحمة الله تعالى:
إذا كان القنوط من رحمة الله تعالى من أعظم الكبائر، فتقنيط الغير من رحمته سبحانه لا تقل شأنا وربما تكون أعظم جرما، فعن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلا قال والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال من ذا الذي يتألى على أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك.”([1]).
(يتألى: أي يحلف. والألية على وزن غنية: اليمين).
قال النووي: وفي الحديث دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها. وقال الألباني: وفيه دليل صريح أن التألي على الله يحبط العمل أيضا كالكفر وترك صلاة العصر ونحوها.”([2]).
وفي رواية عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ الْيَمَامِيِّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ يَا يَمَامِيُّ لَا تَقُولَنَّ لِرَجُلٍ وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ أَبَدًا، قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّ هَذِهِ لَكَلِمَةٌ يَقُولُهَا أَحَدُنَا لِأَخِيهِ وَصَاحِبِهِ إِذَا غَضِبَ، قَالَ: فَلَا تَقُلْهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلَانِ كَانَ أَحَدُهُمَا مُجْتَهِدًا فِي الْعِبَادَةِ وَكَانَ الْآخَرُ مُسْرِفًا عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَا مُتَآخِيَيْنِ فَكَانَ الْمُجْتَهِدُ لَا يَزَالُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى ذَنْبٍ فَيَقُولُ يَا هَذَا أَقْصِرْ فَيَقُولُ خَلِّنِي وَرَبِّي أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا قَالَ إِلَى أَنْ رَآهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ اسْتَعْظَمَهُ فَقَالَ لَهُ وَيْحَكَ أَقْصِرْ قَالَ خَلِّنِي وَرَبِّي أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا قَالَ فَقَالَ وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ أَبَدًا …قَالَ فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمَا مَلَكًا فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا وَاجْتَمَعَا فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي وَقَالَ لِلْآخَرِ أَكُنْتَ بِي عَالِمًا أَكُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي خَازِنًا اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّار”،ِ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ.
فلنحذر من هذا الأمر الجلل، فكم من إنسان يقنّط غيره من رحمة الله بكلمة يراها خفيفة على لسانه لكنها عظيمة عند ربه، نحو قوله: “لا غفر الله لك” أو”لا تستحق الجنة” وغيرها، فلنتق الله في أنفسنا وفي غيرنا.
———————————–
([1]) رواه مسلم في كتاب البر والصلة باب:” النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى”، ح رقم: 2621.