يمثل حد الردة إشكالا كبيرا عند من قرروا حرية العقيدة، ذلك أن الأصل في إعلانات حقوق الإنسان والمواثيق الغربية والقوانين الوضعية في هذا الشأن أن الإنسان لا يعاقب على ما يصدر عنه من رأي، ولا على ما يدين به من دين، وجواز تغيير الدين منصوص عليه في المادة الثامنة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ووفق باحثين في علم الشريعة، ففي الإسلام لا يجوز للمسلم أن يخرج من دينه، وإذا خرج منه وجب إقامة الحد عليه بعد استتابته، وعلى هذا سارت الأمة طيلة القرون السالفة، ولم تثر فيها مشكلة الردة ولم يشكك أحد في حدها، حتى جاءت الإعلانات الغربية التي تجيز حرية الارتداد وتكفله للإنسان وتجعله من حقوقه التي لا يؤاخذ بها.
مؤلف كتاب (الاستدلال الخاطئ بالقرآن والسنة على قضايا الحرية ونقده) الذي وطأ بهذه المقدمة خلص إلى أن هذا القول أحدث قبل مئة سنة على يد طائفة تسمى بـ”القرآنيين”، كان ظهورهم بالهند وحظوا بدعم من الإنجليز، أنكروا السنة النبوية كلها وبالتبع الحدود المثبتة عن طريقها، كالرجم وحد الردة. ومن أبرز وجوههم أحمد برويز (1903-1975) الذي قال بالتخيير بين الكفر والإيمان مستدلا بقوله تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
وقد تسرب هذا المذهب إلى مصر عن طريق طبيب مصري يدعى محمد توفيق صدقي، وكان من أصدقاء محمد رشيد رضى، ونشر له في مجلة “المنار” مقالة بعنوان (الإسلام هو القرآن وحده) وصحح فيه إنكار حد الردة، والتخيير بين الكفر والإيمان.
مؤلف الكتاب المذكور اعتبر أن لوثة القرآنيين اتكأ عليها المنحرفون المعاصرون لإبطال الشريعة، لأن تفصيلات الأحكام الشرعية هي عن طريق السنة، وبإبطالها تبطل الشريعة، يقول عبد المجيد الشرفي: “اعتبار السنة مصدرا من مصادر التشريع كان مرده حاجة المجتمع الإسلامي الناشئ إلى إضفاء المشروعية الدينية على الحلول والنظم التي ارتضاها وفرضتها ظروفه التاريخية” حدود الاجتهاد عند الأصوليين والفقهاء38.
أما غير القرآنيين فللمدرسة العصرانية في مصر، موقف أيضا من حدّ الردة، وقد ثبتت نقول عن محمد عبده ومحمد رشيد رضا، تدل على أنهما كانا ينفيان حد الردة.
وقد أورد مؤلف البحث المذكور أدلة على هذا الحكم من القرآن والسنة وإجماع الصحابة وعلماء الأمة من سائر المذاهب الفقهية، بتعاقب الأزمان ومن مختلف الأمصار، على قتل ولي أمر المسلمين للمرتد، سواء كانت ردته مقرونة بالمحاربة أم كانت مجرد ردة، ومن ضمن العلماء الذين أوردهم في بحثه علال الفاسي رحمه الله الذي قال في (مقاصد الشريعة الإسلامية) “وقع إجماع المسلمين منذ إنشاء المذاهب الفقهية على قتل المرتد”، ووهبة الزحيلي الذي نص في الفقه الشافعي الميسر على أن “العلماء أجمعوا على وجوب قتل المرتد”.
تجدر الإشارة إلى أن الشيخ الدكتور المغربي القاضي برهون له مؤلف في مجلدين بعنوان (تحصين الأمة وحماية الملة بإقامة حكم الردة، مناقشة مجموعة من المفكرين الإسلاميين حول قضايا علمية وسياسية شرعية) ناقش فيه بتفصيل هذا الموضوع.