اتسم أسلوب عرض الدراسات المتعلقة بالشذوذ الجنسي بذكر أبرز العوامل المؤثرة فيه، ومن ذلك دراسة الدكتور أحمد الشهري (1431هـ) والتي حملت عنوان “الانحراف الجنسي بعد البلوغ وعلاقته بالتعرض للاعتداء أثناء الطفولة”، حيث رمى منها إلى تحقيق عدة أهداف من أهمها: التعرف على الخصائص الاجتماعية والديمغرافية والشخصية والأسرية والاجتماعية للمنحرفين جنسيًا، وعلاقة هذه الخصائص بأنواع الانحراف الجنسي السالب (المفعول به)، والموجب (الفاعل)، والسالب والموجب، بالإضافة إلى التعرف على خصائص جرائم الانحراف الجنسي المختلفة وخصائص مرتكبيها، من خلال قراءة وتحليل مضمون عدد من القرارات الشرعية الصادرة من محكمة الرياض الجزئية. كما هدف إلى التعرف على العوامل من مستويات عدة كالبيئي والاجتماعي والأسري والشخصي، التي يمكن أن تؤدي إلى تبني الفرد السلوك الجنسي المنحرف، بالإضافة إلى التعرف على علاقة تعرض الطفل للاعتداء الجنسي في الطفولة والتوجه الجنسي المنحرف بعد البلوغ. وقد قام بتطبيق دراسته على المنحرفين جنسيًا من ممارسي اللواط بنوعيه،السالب والموجب،في مدينة الرياض، فخرج بنتائج عديدة من أبرزها:
أن غالبية عينة الدراسة من العزاب بنسبة 87%، وأكثرية تلك العينة هم من الفئة العمرية (16-20) سنة بنسبة 36,3%، وكان غالبيتهم باتجاه الجنس المنحرف الموجب بنسبة 28,6%، في حين جاءت أعلى نسبة للجنس السالب في المرحلة العمرية (26-30) سنة، ومن (31 سنة فأكثر) بنسبة 10%، وأن غالبية أفراد عينة الدراسة ينحدرون من أسر كبيرة مترابطة، وأن ترتيب المنحرفين جنسيًا داخل هذه الأسر الأوسط، وأن غالب حالات المتشبهين بالنساء ينتمون لأسر ميسورة الحال ماديًا، كما أن غالبية أفراد عينة الدراسة أشاروا إلى تعرضهم لنوع من أنواع الإيذاء أو الاعتداء أو التحرش الجنسي في طفولتهم.
وتوصلت الدراسة أيضا إلى مدى تأثير الإعلام على توجه أفراد العينة تجاه الانحراف الجنسي. أما بالنسبة لآباء أفراد العينة فقد ظهر منهم مَن يعاني مِن فقدان الهوية الجنسية والانحراف الجنسي بشكل عام بنسبة 14%.
أخيرًا أشارت الدراسة إلى أن غالبية أفراد العينة يشعرون بعدم الرضا بشذوذهم الجنسي ويرغبون في العلاج والتوبة. في حين كانت دراسة ندى البحيري (1432هـ (“اتجاهات طالبات جامعة الملك سعود نحو الشذوذ الجنسي بين الفتيات والعوامل المؤثرة فيها”،لم تكتف بالعوامل بل تعرفت على توجه الفتيات لهذا الفعل، وقد أجرتها على بعض الطالبات في جامعة الملك سعود، فخرجت بعدة نتائج، أهمها: أن الطالبات المتزوجات كن أكثر معارضة للشذوذ الجنسي من العزباوات، وأن الفتيات اللاتي لا يوجد لديهن وقتا للفراغ كن أكثر معارضة للشذوذ الجنسي من غيرهن، كما كشفت عن أثر وسائل الاتصال بشكل عام على الاتجاه نحو الشذوذ الجنسي.
*كاتبة وباحثة في قضايا الأسرة والمجتمع
شبكة الألوكة، اقتباس بتصرف
تحليل:
يلاحَظ، من خلال المقال، أن:
– معرفة دوافع الانحراف الجنسي ومسبباته تطلب دراسة حالة المنحرف في المكان والزمن، حيث الحديث عن: الديمغرافية والجغرافية والواقع الاجتماعي والسيكولوجيا والسياسيات والقوانين والاقتصاد والتاريخ… إلخ؛ هذا هو الكلّ البحث الذي يجب أن يستحضره الباحث في قضايا المجتمع، وإلا سيعتبر نتائج الجزء حقيقة مطلقة.
– الأسرة تطلب الاهتمام، عند تكوينها. أما عند غيابها، فهي تدفع إلى مزيد من الانحراف والانخلاع عن طبيعة المجتمع. فقد ظهر من خلال المقال كيف يمكن لنوع التربية الأسرية أن يؤثر على شخصية الفرد ويؤسس القابلية للانحراف عند الكبر، وكيف يمكن للعازب أن يصبح منحرفا خارج أسرة يصرف فيها طاقته الجنسية بانتظام وانضباط.
– المنحرف جنسيا لا يكون راضيا على نفسه، وهذا دليل آخر على شذوذ السلوكات الجنسية المنحرفة، فهي ليست سلوكات طبيعية كما يزعم “الحداثويون”، وإلا لكانت مقبولة عند فاعليها من باب أولى.
– الدراسات السوسيولوجية لا تقود إلى تبني خيارات “الميوعة” و”السيولة” و”ما بعد الحداثة”، كما يدّعي دعاة “الحداثوية”. بل رأينا كيف أنها تؤدي إلى: معرفة مدى أهمية الأسرة لتنظيم النشاط الجنسي والحفاظ على طبيعته، العناية بتربية الأبناء تربية سليمة، عدم تحميل التدين مسؤولية ما ينتشر من انحرافات بقدر ما يجب تحميلها للسياسات (بما فيها الدينية ومدى تأثيرها وتحقيقها للمطلوب)… إلخ.