النشاط الجنسي للإنسان بحث معرفي في الطبيعة والانحراف (1) محمد زاوي

 

مدخل:

يعتبر موضوع “النشاط الجنسي” من أهم المواضيع التي تثير الكثير من المواقف المتناقضة، والكثير من الاضطرابات لدى ناشئتنا وشبابنا، وخصوصا في زمننا هذا، حيث اخترقتنا الإشكاليات الزائفة، والتي ليست هي إشكالياتنا حتما، فيما يخص مواضيع الحرية، والحريات الجنسية منها خاصة. لا بد، إذن، من تصور النشاط الجنسي تصورا سليما، حتى تعيه كافة فئات المجتمع كما هو، ومن ثم تتعامل معه كما هو مطلوب تاريخيا، وكما هو مطلوب في مجتمعات إسلامية يعتبر الدين عنصرا بارزا من عناصر “ثقافتها الوطنية”.

ومن مسؤوليتها التوعوية والتعليمية، ارتأت جريدة “السبيل” أن تتناول عبر حلقات موضوع “النشاط الجنسي للإنسان” بشكل مفصل”، فيزيولوجيا واجتماعيا وسيكولوجيا. وذلك، قبل أن تبين لقرائها الكرام تهافت آراء ومواقف “الحداثويين” الذين يستغلون “العلوم” إياها، استغلالا إيديولوجيا، بهدف تفكيك الأسرة وقيمها.

أولا: فسيولوجيا النشاط الجنسي

النشاط الجنسي بين الرجل والمرأة: حاجة مشتركة وقابلية متبادلة

ليس هناك أي تفاوت فسيولوجي بين الرجل والمرأة على المستوى الجنسي، هكذا تقول نوال السعداوي (نأخذ هنا بتخصصها كطبيبة في سيكولوجيا وفيزيولوجيا النشاط الجنسي، لا بالكثير من مواقفها النسوانية والحداثوية) وتؤكد ما يلي:

– فالمرأة تثار كما يثار الرجل.

– ولها أعضاء تناسلية كالرجل.

– وتحتاج الجنس غريزيا كما يحتاجه.

– وتصاب بالبرود الجنسي مثلما يصاب هو بالضعف الجنسي.

– وتثار في مناطق بعينها مثله.

– وتمرض جنسيا كما يمرض.

– وتساهم في عملية الإخصاب مثله…

تستحضر نوال السعداوي كل هذا وغيره لتحرر الرجل من خوفه من المرأة، فتكون الفسيولوجيا مدخلا له ليتخلص من الاضطرابات النفسية التي تؤثر على سلوكه الجنسي.

تقول نوال السعداوي: “والسؤال الذي يجب أن يسأل الآن هو: لماذا يحدث هذا (أي الخوف من جسد المرأة) للرجل أكثر مما يحدث للمرأة؟

وقد أجاب بعض العلماء على هذا السؤال إجابات علمية قاصرة منها أن الرجل هو الطرف الإيجابي في الجنس وهو الذي يبدأ وهو الذي ينتصب وهو الذي يفعل وعليه يقع عبء الفعل ومسؤوليته، أما المرأة فهي الطرف السلبي الذي يستقبل عضو الرجل فقط، وهي لا تفعل شيئا ولا تنتصب ولا يقع عليها عبء الفعل. لكن هذه الإجابة قاصرة لأنها تثبت أن المرأة ليست طرفا سلبيا في الجنس وأنها إيجابية كالرجل، ولا بد أن يحدث لها انتصاب في البظر وإثارة كالرجل، وأن تصبح عضلاتها الجنسية قادرة على الممارسة الجنسية الكاملة حتى تصل إلى قمة اللذة (الأورجازم) كما يصل الرجل، وأن أي نقصان في كفاءتها الجنسية يسبب لها درجات متفاوتة من البرود الجنسي والذي يقابله الضعف الجنسي عند الرجل.

إذن يمكن القول إنه من الناحية البيولوجية والفسيولوجية فإن المرأة كالرجل في حاجة دائمة إلى كفاءة جنسية معينة، وإلا تعرضت للإحساس بالنقص والبرود الجنسي”(1).

المرأة والرجل متساويان إذن في حاجتهما إلى “الكفاءة الجنسية”، وهو ما حاولت أن تؤكده نوال السعداوي مبرزة ما يلي:

– العلاقة بين العضوي والنفسي:

لا يطرأ أي تحول على العضوين الجنسيين لكل من الرجل والمرأة (قضيب الرجل، وبظر المرأة) إلا بعد إثارة، ولا تحدث أي إثارة إلا بتأثير عدة عوامل نفسية. فما يثار به الناس يختلف من فرد لآخر، وذلك حسب ما تم تخزينه في اللاشعور الخاص بكل فرد على حدة.

لا تهمنا هنا دراسة العوامل النفسية المؤثرة في النشاط الجنسي، بل الأهم هو معرفة علاقتها بما هو عضوي. فهي تؤثر فيه، ويؤثر فيها أيضا.

يثار الإنسان حسب ما هو مخزن في لا شعوره (2)، فتنطلق الإشارات العصبية من المخ متجهة نحو الحبل الشوكي، ثم نحو القضيب أو البظر. (3)

تتم هذه العملية بشكل سليم، وكذلك تمر الممارسة الجنسية إذا كان الإنسان قادرا عليها. وبقدر ما يكون مستعدا لذلك، فإنه يكون أكثر قدرة على بلوغ “الذروة الجنسية” حيث الشبق والراحة النفسية المطلوبة.

هكذا يؤثر النفسي في العضوي، وهكذا يؤثر الثاني في الأول.

– الجهاز العضوي للنشاط الجنسي:

للوصول إلى علاقة جنسية سليمة، يكون الإنسان رجلا أو امرأة في حاجة إلى:

جهاز هرموني سليم، وجهاز عصبي سليم، ضخ دموي سليم، جهاز عضوي سليم، بروستات سليم (لا يعاني من الالتهاب)… (4)

فجسم الإنسان كل لا يتجزأ، وبالتالي فسلامة العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة من سلامة الجهاز العضوي ككل. وكلما اختل عضو من هذا الجهاز، إلا وكان ذلك مؤثرا على تلك العلاقة.

كل هذا معتبَر، ولكننا مطالبون بعده بتحديد الأعضاء التناسلية لكل من الرجل والمرأة. إنها الأعضاء والأجزاء المعنية بالعلاقة الجنسية بشكل مباشر، وهي التي ستجد تفصيلها في الجدول أسفله (5):

 

الأعضاء التناسلية للمرأة الأعضاء التناسلية للرجل
1-المهبل:

له فتحة في أسفل الجهاز، يتجه حتى عنق الرحم، بواسطته تخرج دماء الحيض، يستقبل القضيب عند الجماع، عن طريقه يخرج الطفل عند الولادة…

2-الرحم:

عضو أجوف مركزه في الحوض، تنمو فيه البويضة، تمتد من أعلاه قناة تدخل بواسطتها الحيوانات المنوية لتلقيح البويضة.

3-الثديان:

أعضاء متممة للجهاز التناسلي للمرأة، لها تأثير كبير في إثارة المرأة، عضوان مهمتها توفير التغذية للطفل…

1-الخصيتان:

تحتويان على السائل المنوي، وتوجدان داخل الصفن (على شكل كيس).

2-القنوات:

ومنها القناتان الناقلتان اللتان تنقلان السائل المنوي من الخصيتين إلى الحويصلين.

وقناة الإفراز التي بواسطتها يترك السائل المنوي الحويصلين بعد الإثارة.

ثم مجرى البول وهو قناة تقذف بالسائل المنوي إلى الخارج.

3-الحويصلان:

مرتبطتان بالقناتين الناقلتين، ويبقى فيهما السائل المنوي إلى أن يأتي موعد استعماله.

4-القضيب:

به أجسام تجويفية، به نسيج إسفنجي ينتفخ باندفاع الدم إليه، يحتوي على حشفة (قطعة لحمية) مغطاة بغلفة (ثنية من الجلد)…

5-غدد:

تفرز عدة سوائل من مهامها: “تسهيل إفراز السائل المنوي وقذفه إلى الخارج”.

 

لقد لاحظت أيها القارئ أن السائل المنوي لم يكن عبثا، وأن البويضة لم تكن كذلك أيضا. فلو كان الجنس متعة لا غاية منها غير المتعة، لما كان هذا الجهاز بكل هذا التقعيد. ولكن الغاية هي أن يستمر النوع البشري، وأن يستمر عمل الإنسان على الأرض.

– إمكانية اختلال الكفاءة الجنسية:

جسم الإنسان مهدد بعدة أمراض جنسية، منها:

مرض فقدان المناعة المكتسبة، الهربس، التهاب مجرى البول الجنسي، السيلان، السفيلس أو الزهري، القرحة الرخوة، الورم البلغمي الحبيبي التناسلي، الورم الحبيبي المغبني، تآليل التناسل، المليساء المعدية، التهاب الكبد الفيروسي، فطريات وطفيليات الجهاز التناسلي… (6)

كل هذه الأمراض تنتقل جنسيا، أي عبر الجهاز التناسلي، ولذلك سميت جنسية.

وكلها تؤثر سلبا على كفاءة الإنسان الجنسية، فتجعله مهدِّدا لسلامة الآخرين بالأمراض التي يحملها إذا دخلوا معه في علاقة جنسية ما.

ليس هذا هو المقصود باختلال الكفاءة الجنسية فحسب، وليس هذا هو ما انتبهت إليه نوال السعداوي في كتابها المذكور. ولكن الاختلال المقصود بشكل أساسي هو عدم قدرة الإنسان على ممارسة الجنس مع جنسه الآخر، وذلك عندما يصيبه الضعف الجنسي وفقدان السيطرة على نفسه أثناء الممارسة الجنسية.

إن اختلال الكفاءة الجنسية غالبا ما ينتج عن نوعين من الأسباب: عضوية أو نفسية.

فأما العضوية كأن يختل الجهاز الهرموني أو الجهاز العصبي أو أحد الأعضاء أو القنوات المسؤولة عن الضخ الدموي أو البروستات… إن اختلال أي عضو في الجهاز العضوي للنشاط الجنسي ليهدد الكفاءة الجنسية للإنسان بالاختلال، وهذا ما يبقى مجهولا عند الكثيرين. وعوض أن يلجؤوا إلى الطب لإيجاد حل لمشاكلهم الصحية، يقصدون التفاسير الخرافية والتقليدية للتعويض عن نقص يجدونه في واقعهم المخيف.

وأما النفسية فمردها إلى ما يحمله الإنسان في لا شعوره من أفكار خاطئة تتحول إلى مخاوف عظيمة، وكذا ما يحتفظ به في لا شعوره من عقد ومركبات نقص واضطرابات نفسية مرهقة. فكثيرون هم الرجال الذين يخافون من جسد المرأة، وكثيرات هن النساء اللواتي تخفن من جسد الرجل. وإن خوفا من هذا النوع ليتحول عند كثير من الرجال إلى ضعف جنسي، كما يتحول عند كثير من النساء إلى برود جنسي.

هذا، وتبقى العلاقة بين النفسي والعضوي قائمة دائما. فكل ضلال عن العلاج العضوي قد يدفع بصاحبه إلى مزيد من الاضطراب والانهزام والتأويلات الخاطئة لأمراضه العضوية البسيطة، وكل اضطراب نفسي قد يؤدي بحامله إلى فشل في الممارسة الجنسية واختلال في الكفاءة الضرورية لإتيانها… (يتبع)

الهوامش:

(1): نوال السعداوي، الرجل والجنس، كتب عربية، ص 119-129.

(2): سنناقش النشاط الجنسي من الناحية السيكولوجية لاحقا.

(3): -الدكتور ياسر بدران، أستاذ جراحة المسالك البولية والضعف الجنسي.

(4): نفسه.

(5): هذا الجدول هو ترتيب لما وجدناه في كتاب “كل شيء في الجنس”، ص 11-12.

(6): محمد علي البار، الأمراض الجنسية: أسبابها وعلاجها، دار المنارة، الطبعة الثانية، 1986.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *