تحور مكانة الإمام والخطيب في عهد الوزير التوفيق (ع.إ)

 

لا بد لمن يجري عملية تقييم موضوعية لتجربة أحمد التوفيق وهو على رأس وزارة سيادية كوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن يستحضر تدبير وتسيير الحقل الديني وسط عاصفة من التهديدات الكبيرة لعقيدة وتدين المغاربة. خاصة خطر التشيع أو خطر العلمنة والإلحاد أو خطر التطرف. لكن في مقابل هذه التحديات لا يمكن أن تفهم استغلال حجم هذه المخاطر لتبرير “قولبة وتنميط” حقل كامل مع إهدار لحقوق العاملين تحت لوائه من خطباء وأئمة وقيمين، دون أن يحرك أحد ساكنا بدعوى خصوصية هذا الحقل.

وفي هذا السياق لابد أن نذكر بأحد أهم الأفكار التي نوقشت بخصوص تدبير الحقل الديني في عهد الوزير أحمد التوفيق، وهي أنه لا يمكن التهويل من حجم المخاطر التي تهدد الأمن الروحي المغاربة وإغفال حقوق الأئمة والخطباء والقيمين الدينيين حتى يصبح المغرب أمام قاعدة من العاملين في الحقل الديني لا يتمتعون بالفاعلية اللازمة للإيمان بمشروع متكامل ينشر هوية الإسلام وقيمه داخل المجتمع، كمسؤولية ملقاة على عاتق الخطباء والأئمة والقيمين الدينيين.

ولكن قبل الخوض في تجربة التقييم لابد من طرح ما يقوله وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، في مقدمة دليل الخطيب، التي تعتبر بمثابة طريقة الاشتغال التي وضعها الوزير نصب أعينه للإشتغال عليها وهو على رأس الوزارة: “دعت الضرورة في هذا العصر إلى الانتقال بالأخلاق الموروثة من صيغة الاقتراح الإرشادي إلى صيغة التقنين التعاقدي، عمل تحيين يقوي جانب الأئمة والخطباء والوعاظ، ويحمي المساجد من التشويش الذي ينافي الطمأنينة التي يتطلبها عامة الناس.

فالأئمة والخطباء والوعاظ أهل وفاء وصفاء في هذه الأمة المغربية، والشكر لله على ذلك، وهم أهل التربية العظمى، التربية على الوحدة والوسع الفكري والأخوة الإيمانية والحس السياسي المنطلق من الأخلاق الثوابت في الدين.

فعسى أن يعم بهذا الدليل وتتقوى بتذكيراته وإشاراته همة الأئمة والخطباء والوعاظ، وهم يجتهدون في مهمتهم النبيلة”.

ولكن سجلت عدد من التوقيفات في حق خطباء بالمغرب لأسباب تطرح علامات استفهام كبيرة، مما قد يؤدي لعدم التفاهم من قبل المتابعين للشأن الديني بالمغرب ونية الوزير التي أوضحها في نظرته الإصلاحية بالمقدمة المذكورة سلفا. وهو ما تناوله رضوان بنشقرون رئيس المجلس العلمي السابق لجهة الدار البيضاء في تصريح سابق للصحافة بمطالبته “السلطة بالكف عن التدخل المباشر في المنبر وأهله” بذريعة عدم قراءة خطبة واردة من الإدارة الوصية أو تناول موضوع مسلم به كتحريم الربا أو الخمر أو الشذوذ “أو انتقاد نظام ظالم كالنظام الصهيوني الظالم للشعب الفلسطيني”. وقال بنشقرون للجزيرة نت  على المسؤولين “أن يكونوا أعقل وأعلم بالمنهج النبوي، بعيدا عن التعصب لفكر معين أو توجه خاص”.

وتساءل بنشقرون عما يضر السلطة من تناول الخطيب لـ “ظاهرة مرضية أو انحراف اجتماعي أو توجه سلبي لبعض الجهات” أو “تقرير شيء له أصل في الكتاب أو السنة أو إجماع العلماء أو المشهور من الأحكام الفقهية، أو استنكار محرم شائع أو فاحشة منتشرة، ولو خالف ذلك توجه وزير أو مسؤول”. مشددا على أن وزارة الأوقاف تنتهج سياسة قوامها “بث توعية دينية حقيقية ترقى بالناس فعلا إلى الأمن الروحي والاجتماعي والاستقرار السياسي”.

كخلاصة، إن هذا الواقع لا ينسجم تماما مع ما يعلنه الوزير التوفيق من خارطة طريق لتدبير الحقل الديني بالمغرب وحماية الأمن الروحي للمغاربة، ما يفرض الجلوس بشكل مستعجل لهذه الملفات وحلها، فهذا مستقبل المغرب؛ ومستقبل الشعب المغربي الذي لا يقبل الانتظار ولا التأجيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *