حصص التربية الإسلامية.. المدة الزمنية والقيمة التربوية عبد الصمد إيشن

الدولة في حاجة لكي تفهم أن مصلحة المغرب استراتيجيا تتجلى في تحصين الأجيال القادمة من الانحراف السلوكي والأخلاقي الذي يدمر كل شيء: الحاضر والمستقبل، وهذا ما يمكن تجنبه بمداخل تربوية واضحة في المسجد والمدرسة والأسرة والإعلام..

 

يكفي أن نذكر بأن مادة التربية الإسلامية قد خصها الملك محمد السادس بالحديث في خطاب ملكي له وأنها ذكرت بشكل منفرد في تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد لنؤكد على أن التمكين لهذه المادة تجاوز الحديث عن الحضور الشكلي لها إلى الحضور الفعلي في المقررات الدراسية الموجهة للتلميذ المغربي.

بعد كل هذا لم يعد ممكنا التراجع عن هذا الاختيار التربوي الأصيل وفتح المجال أمام الحملات الرخيصة التي يقوم بها بعض المشوشين لإبعاد كل ما يبث بصلة لتراثنا وديننا من المدرسة العمومية والتعليم المغربي.

أبرز المداخل التي يمكن أن نشجع من خلالها الحضور الفعلي لمادة التربية الإسلامية في مسار التكوين والتعلم للتلميذ هو مراجعة المدة الزمنية التي نخص بها المادة خلال الأسبوع في سلك الابتدائي والإعدادي والثانوي.

ما يجعل البعض يتردد في هذا الإجراء هو فهمه الضيق للقيمة التربوية لمادة التربية الإسلامية في حياة المتعلم المغربي، والاقتصار على فهم المادة على أنها تعليم العبادات (وضوء، صلاة، صيام، حج، زكاة،..) فقط للتلميذ. لكن الحقيقة، هي أن التربية الإسلامية بمثابة المنبع المتفرد والفريد لكل القيم والأخلاق الحميدة التي تربي النشأ على حب الوطن وحب الناس والاجتهاد والبذل والعطاء، عوض الخمول والفوضى والكسل.

وفي هذا الصدد لابد أن نوضح الأهمية الاستراتيجية لمادة التربية الاسلامية باستحضار القصة الطريفة المعروفة والتي تقوم أن الصين في الماضي بنت سورها العظيم لمنع دخول الأعداء، لكن في الأخير دخلوا على الصين وغزوها، وذلك بسبب رشوة بسيطة للحراس، وبذلك تفطن أصحاب الحكمة في الصين لتربية الحراس نفسهم لا تشييد الأسوار فقط، لأن الأسوار مهما كانت عالية وحراسها بأخلاق فاسدة، لن تفيد في منع الأعداء من اقتحامها.

لهذا من يظن أن تربية التلميذ المغربي على تخصصه وتقنياته ومهاراته فقط دون تربية روحه على الأخلاق والقيم السليمة التي تنهل من ديننا الإسلامي الحنيف، ستمنحنا جيلا محبا لوطنه ولشعبه، فإنه واهم، لأنه سنسقط في حكاية أهل الصين وسورهم العظيم.

الاهتمام بقيم وأخلاق التلميذ المغربي عبر تدريسه مادة التربية الإسلامية بشكل مستمر هو صمام أماننا جميعا، دولة ومجتمعا.

الوصول لهذه الغاية لابد أن يمر من تحسين الوضع الحالي الذي يخصص ساعات هزيلة للمادة تنقص مع انتقال التلميذ من مستوى دراسي لآخر. ما يعني أن نوفر الوقت الكافي للأطر والمدرسين لمنح التلميذ فوائد وخلاصات مادة التربية الإسلامية في القيم والأخلاق والمبادئ الحميدة وإن اقتضى الحال في ذلك تذكيره يوميا بهذه الباقة التربوية عبر حصص التربية الإسلامية.

الأهداف السابقة المذكورة بذل فيها جهد محترم من قبل الوزارة الوصية، وذلك بشهادة ذوي الاختصاص الذين أكدوا أن منهاج مادة التربية الإسلامية عرف تغييرا على مستوى الهندسة المنهاجية، حيث تم الانتقال من منهاج المكونات في التعليم الابتدائي والوحدات التربوية في الإعدادي والتأهيلي إلى منهاج المداخل؛ وهو منهاج تأسس على فلسفة جديدة، لكنه فتح نقاشا واسعا تناول طبيعة مفرداته، والمقاربات الديداكتيكية الملائمة لتنزيله.

وإذا كان المنهاج الجديد لمادة التربية الإسلامية قد جاء في سياق تطوير مناهج التعليم وبرامجه لتواكب التحديات الآنية، وتتجاوز الاختلالات المرصودة سابقا؛ هذا المنهاج الذي استحسنت عدة جوانب فيه، ومنها تحديد مفهوم مادة التربية الإسلامية، والقيم التي تبنيها عبر جميع الأسلاك والمستويات.. حيث أكد على أنها “مادة دراسية تروم تلبية حاجات المتعلم الدينية التي يطلبها منه الشارع، حسب سيروراته النمائية والمعرفية والوجدانية والأخلاقية وسياقه الاجتماعي والثقافي. ويدل هذا المفهوم على تنشئة الفرد وبناء شخصيته بأبعادها المختلفة الروحية والبدنية، وإعدادها إعدادا شاملا ومتكاملا”.إلا أن سرعة صدور هذا المنهاج وشموليته لمختلف المستويات والأسلاك، أنتج نقاشا حول طبيعة مداخله ومفرداته، والمقاربات الديداكتيكية لتنزيله، ومدى الاستفادة مما راكمته المادة من وثائق ومقاربات.

باختصار الجهد من طرف الغيورين على مادة التربية الإسلامية مستمر لكن الدولة في حاجة لكي تفهم أن مصلحة المغرب استراتيجيا تتجلى في تحصين الأجيال القادمة من الانحراف السلوكي والأخلاقي الذي يدمر كل شيء: الحاضر والمستقبل، وهذا ما يمكن تجنبه بمداخل تربوية واضحة في المسجد والمدرسة والأسرة والإعلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *