محمد سالم بايشا*: التعليم مجال إجماع لا مضمار للصراع الأديولوجي

1ــ أثير مؤخرا نقاش حول المخالفات التي تضمنتها مقررات دراسية.. من المسؤول عن مراجعة المقررات الدراسية؛ وكيف يتم ذلك؟

بداية أشكر منبر السبيل على الدعوة، وكذا على مواكبة قضايا التربية والتعليم والهوية التي تشكل أساسا لتنمية أي مجتمع.

بالنسبة لموضوع المناهج والبرامج والكتب المدرسية.هناك محطات يمر منها إعداد الكتاب المدرسي والمصادقة عليه قبل طبعه وتوزيعه. وقبل تناولها يجدر بنا أن نقف على التحولات التي شهدها إنتاج الكتب المدرسية في المغرب، حيث مرت التجربة المغربية بثلاثة مراحل:

المرحلة الأولى انطلقت مع الاستقلال واستمرت إلى بداية الثمانينيات، حيث بدأت خلالها الجهات الوصية بالاستعانة بكتب مدرسية وافدة إما من دول عربية بالنسبة لمواد اللغة العربية، أو من دول أوربية (طريقة ترانشار الفرنسية على سبيل المثال- وكتب الانجليزية). ثم بدأ الإنتاج المغربي بمبادرة أساتذة مغاربة وفق ما قررته الوزارة ، ومن هؤلاء الأساتذة على سبيل المثال أحمد بوكماخ، وعبد السلام ياسين، وعبد اللطيف بنحيدة…

المرحلة الثانية بدأت مع إصلاح التعليم الأساسي عقد الثمانينيات وتميزت بتولي الوزارة الوصية توحيد الكتاب المدرسي والإشراف المباشر على إنتاجه، حيث كانت تشكل لجنا حسب المواد والتخصصات لتتولى مهمة التأليف المدرسي، وتصدر الوزارة الكتب المدرسية باسمها دون إشارة للمؤلفين. و قد استمر هذا الجيل من الكتب المدرسية إلى بداية تنزيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 2003. وكان نقلة نوعية حقيقية لأنه وضع أدوات بيداغوجية رسمية تساعد الأستاذ على العمل (عدة تضمنت كراسات وكتب ودلائل ومعينات).

ومع عشرية الإصلاح المؤطرة بالميثاق الوطني للتربية والتكوين، ثم اعتماد نهج جديد معمول به في كثير من الأنظمة التربوية، وهو تحرير وتنوع الكتاب المدرسي ، حيث فتح مجال الإنتاج أمام المؤلفين والمبدعين والناشرين بعد إعلان مجال المنافسة في التأليف وفق دفاتر تحملات. وفكرة فتح هذا المجال للتنافس لها أهمية كبيرة إذا ما احترمت ضوابط المنافسة والحكامة، لأنها سبيل لتحقيق الجودة والتسابق لإرضاء مستعملي الكتاب المدرسي عبر الاستجابة لملاحظاتهم واقتراحاتهم مما يحقق تطورا مستمرا في هذا المجال. لكن هل هذا ما وقع بالفعل في التجربة المغربية؟

المتبع لتجربة المغرب الجديدة في إنتاج الكتاب المدرسي يجد أنها حادت كثيراعن فلسفة تعدد الكتاب المدرسي وتنافسيته، فقد بقيت امتيازات التأليف والإنتاج لدور النشر نفسها منذ قرابة 20 عاما، وحتى التعديلات والإصلاحات التي اعتمدتها الوزارة في السنوات الأخيرة لم تفتح بشأنها أية منافسة، بل دعي نفس الناشرين إلى إدراج “الإصلاحات” في طبعات جديدة، بشكل أثار الكثير من الاستغراب. كما أن المديريات تصدر مذكرات توزع فيها الكتب على مناطق تربوية جغرافية أو إدارية فيجد الأستاذ نفسه أمام كتاب مفروض، رغم أن صلاحيات اختيار الكتب يفترض أن تكون للمؤسسة من خلال مجالسها.

ولنعد للمصادقة على الكتب المدرسية، فالمفروض أن هناك لجن للمصادقة تدرس مشاريع الكتب المدرسية ومدى التزامها بدفتر التحملات، وبناء على قرارات هاته اللجن تمنح المصادقة، أو تطلب تعديلات معينة، أو يتم رفض المشروع. كما أن المفروض أن تدرس هاته اللجن مشاريع الكتب المدرسية من زاويتين أساسيتين: الزاوية الأولى تخصصية تهم التخصص العلمي والمقاربة الديداكتيكية المعتمدة (منظور تخصصي وبيداغوجي ديداكتيكي)، والزاوية الثانية تهم ثوابت المجتمع واختياراته إضافة إلى البعد القيمي المتمثل فيانسجام مضامين الكتب المدرسية مع منظومة قيم المجتمع وتجنب ما يناقضها.

ولا شك أن مرحلة دراسة مشاريع الكتب المدرسية قبل المصادقة مسؤولية كبيرة ومهمة ينبغي أن تأخذ الوقت الكافي حتى لا تتسرب للكتب المدرسية أشياء تمس ثوابت واختيارات البلاد بقصد أو بدونه، أوتطرح فيها أمور تسبب التوتر الاجتماعي، في مجال ينبغي أن يكون مجال إجماع وهو المدرسة والتربية والتعليم، بدل أن يكون مضمارا للصراع الاديولوجي والتنازع الاجتماعي.

وجدير بالذكر أن القانون الإطار 51.17 المؤطر تشريعيا لما جاءت به الرؤية الاستراتيجية (2015-2030)، قد حدد لجنة دائمة تعنى بالتجديد والملاءمة المستمرين للمناهج والبرامج، و التي لا تبدأ مهامها ولا تنتهي مع المصادقة على الكتب المدرسية، بل تنطلق من وضع التصور المتعلق بالمناهج والبرامج ، لتستمر بعد العمل بالكتب المدرسية بتتبعها وتلقي صدى تطبيقها سواء من الممارسين أو من تفاعلات المجتمع قصد التدخل بالإجراءات المناسبة. وقد صدر المرسوم الخاص بهاته اللجنة مؤخرا بالجريدة الرسمية، ولم يتم تفعيلها بعد، رغم أن المنطقي هو أن تشكل وتبدأ عملها قبل التفكير في تجديد الكتاب المدرسي . هذا التجديد الذي أنهت الوزارة مرحلته الابتدائية في تناقض مع القانون الإطار 51.17 الذي يجعل التجديد والمراجعة من صلاحيات اللجنة الدائمة،بنص المادة 28: (مراجعة الكتب المدرسية ومختلف المعينات التربوية والعمل على تجديدها وملاءمتها بكيفية مستمرة، استنادا لنظام للتقييم والاعتماد والمصادقة، تضعه اللجنة الدائمة، ويعرض على المجلس الأعلى لتربية والتكوين والبحث العلمي لإبداء الرأي بشأنه).

2ــ بين الفينة والأخرى يتم الكشف عن مخالفات، تتضمنها مقررات أجنبية تعتمدها مؤسسات خاصة، هل هذه المقررات تخضع للمراقبة أيضا؟

النصوص القانونية المنظمة للقطاع الخاص تلزم هذه المؤسسات في وثائق التأسيس بلائحة الكتب المقررة والداعمة (وضمنها عادة تدخل الكتب الأجنبية) التي تعتمد المؤسسة، كما أن الاستعانة بالكتب التي لا تحمل مصادقة الوزارة تتطلب موافقة من السلطة الوصية ممثلة في الأكاديميات. وفضلا عن كل هذا فهناك مذكرات تخص الكتب الأجنبية سواء كانت مدرسية أو إعانات في إطار التبادل التربوي خلاصتها ضرورة فحص هاته الكتب، والتأكد من خلوها مما يمس ثوابت وقيم البلاد قبل وضعها بين يدي المتعلمين. لكن الإشكال يكمن في التطبيق، والتحدي يكمن في كيفية الجمع بين هامش الحرية الذي ينبغي أن يترك للمؤسسات التربوية، مع التزام هاته المؤسسات باحترام اختيارات وثوابت المجتمع الدينية والوطنية. والإخفاق في هذا التحدي هو ما يسقط مؤسسات في مزالق تتكرر نماذجها بين الفينة والأخرى.

3ــ كيف تقيّم ردة الفعل اتجاه استهداف بعض الشعائر والمقدسات بالمقررات الدراسية؟

التفاعل الاجتماعي مع مضامين الكتب المدرسية في تقديري دليل صحة مجتمعية، سواء كان هذا التفاعل عبر الهيئات التي جعلها المشرع شريكا للمدرسة كجمعيات الأمهات والآباء والأولياء، ضمن ممارسة صلاحياتها من خلال مجالس المؤسسة التي لها صفة العضوية فيها، أو من خلال إبداء الرأي والاقتراح على مستوى أوسع. أو عبر الهيئات السياسية والنقابية التي من المفروض أن تواكب تحولات المدرسة ومناهجها عبر لجنها المختصة. وكذا عبر فعاليات المجتمع المدني التي تتنوع اهتماماتها وتتقاطع مع دور المؤسسة المدرسية في التنشئة الاجتماعية والتربية والتعليم.

وهذا التفاعل أقل ما فيه هو دق جرس الإنذار لتنبيه واضعي المناهج والبرامج ومؤلفي الكتب المدرسية، وكذا مسؤولي المؤسسات التربوية كلما كان هناك ما يخالف أو يسيء للثوابت التي أجمعت عليها الأمة ، ووثقها الدستور. والتقاط صداه من لدن المسؤولين يقدم لهم تغذية راجعة تجعلهم أكثر حرصا على ملاءمة المناهج لخصوصيات المجتمع، وعلى جودة الكتب المدرسية، وصونها للهوية دون انغلاق ولا جمود.

ولا شك أن هذا التفاعل إذا ما أسند بمواكبة رصينة عبر الرصد والبحث والدراسة من هاته الفعاليات المجتمعية، سيكون قوة اقتراحية تسهم في تسديد الاجتهادات ومنع الانزلاقات، بدل أن تبقى مشتعلة بالعاطفة لفترة وسرعان ما تنطفئ بفعل الزمن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 *مفتش تربوي للتعليم الابتدائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *